«عم خليل».. الحلاق الكلاسيكى
«فوطة وفرشاة.. شفرة وموس.. مرآة متهالكة وصنعة يد»، وسط هذه المكونات يتحرك «حلاق السيدة» منقبا عن رزقه، أدواته تقليدية وطريقته قديمة لكنهما تناسبان المكان الذى يمارس فيه عمله، عم «خليل» رجل من بلبيس بمحافظة الشرقية، جاء إلى القاهرة صغيرا منذ أربعين عاما، لم يطاوعه حنينه على الابتعاد عن مسقط رأسه نهائيا.. ففضل الإقامة فى العاصمة وإرضاء بلدته بتخصيص إجازته الأسبوعية لزيارتها.
بجوار سور مسجد السيدة زينب يقبع الرجل الخمسينى، منتظرا زبونه الدائم من أبناء المنطقة والزبون «الطيارى» من خارجها، فهو يحلق للكبار والصغار، وشهرته المعروف بها أنه يحلق للأطفال المنذور لهم قص شعرهم أول مرة عند مقام السيدة، لإسعاد ذويهم وأخذ «حلاوة» الفرحة منهم. «ناصر» -بائع ملابس على عربة مصنوعة من الخشب، واقف فى مكان محدد وسط ازدحام المنطقة- يتحدث عنه كالمراقب له، ويصف حالته، قائلا: «كان موظف تقريبا وطلع معاش وبييجى من صباحية ربنا.. طول السنة بيشتغل هنا والناس كلها تعرفه».
فى رمضان يعمل عم «خليل» من الصباح حتى الخامسة مساءً، بعدها يذهب لمسكنه بمنطقة عابدين، يسافر الحلاق المغترب إلى أسرته المقيمة فى محافظة الشرقية نهاية كل أسبوع لقضاء الـ«ويك إند» بين أولاده، الذى فضل عدم تعليمهم مهنته -حسب قوله- موضحا: «عيالى كلهم تعليم عالى ومحبتش حد فيهم يشتغل ويطلع حلاق».
وسط «زحمة» مقام السيدة، وبين فئات المتباركين بها، يحتفظ خليل بجزء من مدد «أم هاشم» عليه، سمعته وصنعته.. لا يشاركه فيهما أحد، البائع الجائل كشف عن منافس آخر له قائلا: «هما اتنين أحمد وخليل الوحيدين اللى بيحلقوا فى الحتة دى.. بتلاقيهم واقفين أو قاعدين بيشتغلوا جنب السور»، أسلوب «مزين السيدة» الكلاسيكى لم يعد موجودا إلا فى أكثر المناطق الريفية بعدا وأقلها تأثرا بالحضر.. فطريقته البسيطة اقتربت من الزوال والانقراض، لكنه يفضلها، مدافعا عنها بأنها مريحة للناس بدلا من «تكدير» الزبون فى الجلوس وعند انتظار دوره فى الصالونات.
على حافة الشارع وتحت «شفرة الموس» يؤكد زبون عجوز: «كده أريح لإنك بتحلق بسرعة والقعدة مريحة غير محلات الحلاقين الشباب بتاعة الأيام دى». «خليل» له مساحة لدى زبائنه تسمح بمناقشتهم فى الأجرة وأخذها بالتراضى بينهم، ثلاثة جنيهات يمدهم الرجل له.. يرفض الحلاق ويقول له متعشما فيه: «الدقن بخمسة جنيه وغصب عنك كمان».
من طرائف «خليل» أن مجلسه هو محل عمله، فزبائنه أغلبهم من أصدقائه وزملائه «الصنايعية» فى منطقة السيدة.. لاسيما أبناء جيله والمقاربين له فى السن، «خدلى الحتة دى سايبها ليه.. طب ظبطلى الشنب ولّا نسيت»، مضمون حوار «رجل أربعينى» يحلق لحيته عنده، «خليل» يزعق فيه: «انت هتحلق ولا هتتعبنى معاك.. قلتلك ناعمة كويسة كده»، سجال الحلاق والزبون رهين «الفوطة» حول رقبته، ينتهى بالجلوس معا يتبادلان حكايات وأحاديث جانبية.