الطبيعة الألمانية فى حماية الشعب والدولة «هواء نظيف ومياه نقية وبيئة متنوعة.. ابتسم أنت فى أرض الأفكار النيرة»
اللون الأخضر يكسو المناطق والأحياء
تجربة الوقوع داخل «حزمة جرجير» ضخمة، هكذا هو الشعور الذى يسيطر على زوار ألمانيا من خارج أوروبا، للوهلة الأولى، مع لحظة الدخول إلى «أرض الأفكار النيرة»، كما أطلق عليها رئيسها الأسبق هورست كوللر، يخيم على المشهد كثير من اللون الأخضر، وكثير من النظام والخطوط الصارمة المحددة، صورة من أعلى يرصدها ركاب الطائرات، فى طريقهم إلى ألمانيا، تعطيهم فكرة جيدة عن شكل حياة تلعب فيها البيئة دور البطولة.
«من فضلك نحن نحافظ على البيئة والطاقة، إذا أردت إعادة استخدام المنشفة فلا تضعها فى المكان المخصص للمناشف المستعملة حتى لا يتم غسلها دون حاجة لذلك».. هكذا يطالع عدد من الفنادق نزلاءها بإرشادات تنتمى لفئة الحفاظ على البيئة، تأتى جنباً إلى جنب مع المناديل الورقية المعاد تصنيعها عدة مرات.
«الأشجار مسئولية مجلس المدينة، ولا يمكن قطع شجرة إلا إذا كانت مريضة حفاظاً على الأشجار المجاورة»، قالتها «ماريا» بفخر، داخل حافلة عامة فى معرض حديثها عن أشجار ألمانيا، خلال حديثها مع صديقتها الوافدة حديثاً إلى برلين، مشيرة إلى أن اهتمام السلطات المحلية بحماية الأشجار يأتى على نفس درجة حماية البشر تقريباً.
وسائل مواصلات مجانية للحد من انبعاث العوادم فى 5 مدن ألمانية.. والأشجار مسئولية «مجلس المدينة».. والاتحاد الأوروبى يتابع التنفيذ
ألف يورو، مبلغ رصده فرانك رول، فى قرية هونفيلدن، بولاية هيسن الألمانية، لمن يدلى بمعلومات حول «سفاح الأشجار» الذى ظهر فجأة فى القرية فى شهر مايو من العام الماضى حيث قام بتسميم عدد من الشجر عبر إحداث ثقوب، ووضع مبيد أعشاب داخلها، حتى سقطت، هذا ما أخبر به خبير النباتات يواخيم شنابيل الذى جرى تفويضه لمعرفة أسباب وفيات الشجر.
«FCS» هو عنوان الشهادة المعتمدة التى يجب أن يحصل عليها الشخص الراغب فى قطع شجرة، والتى تفيد بأن الشجرة المقطوعة تم قطعها بشكل شرعى وقانونى ومستدام، بمراعاة شروط حماية المناخ المتمثلة فى زراعة شجرة جديدة مقابل كل شجرة تقطع.
«منظمة البيئة وحماية الطبيعة»، «المنظمة الألمانية لحماية البيئة»، «الرابطة الألمانية لحماية الطبيعة»، «منظمة السلام الأخضر»، قليل من عشرات المنظمات العاملة فى مجال حماية البيئة، تضم آلاف المتطوعين والنشطاء، حالة تبدو طبيعية مع الأرقام المذهلة بشأن الأشجار فى ألمانيا، كان مكتب الإحصاء الألمانى قد أعلن فى 2007 أن هناك شجرة تفاح لكل مواطن ألمانى تقريباً حيث بلغ عدد أشجار التفاح فى ألمانيا نحو 72 مليون شجرة.
«التوصل إلى بيئة سليمة، وهواء نظيف، ومياه نقية وطبيعة متنوعة، هو الشرط الأساسى لمستوى معيشة مرتفع».. هكذا تعمل العقلية الألمانية طوال الوقت على استراتيجية تجمع بين النمو الاقتصادى الضخم وحماية البيئة.
شجرة تفاح لكل مواطن عام 2007.. وألف يورو لمن يدلى بمعلومات عن «قاتل الأشجار» فى «هيسن» دمرها بوضع مبيد أعشاب داخلها
المزيد من الأفكار لتقليل التلوث، الذى يبدو للزائر غير موجود من الأساس، على رأسها تلك الفكرة التى انطلقت فى شهر فبراير الماضى، لجعل النقل العمومى داخل المدن مجانياً، ثلاث وزراء ألمان، وجهوا رسالتهم إلى مفوض البيئة بالاتحاد الأوروبى، يخبرونه بالإجراءات التى يعتزمون اتخاذها للحد من تلوث الهواء، والالتزام بالمعايير الأوروبية فى هذا الشأن، وهو المقترح الذى من المنتظر تجريبه فى خمس مدن ألمانية، من بينها بون، والمدن الصناعية إيسين ومانهايم.
لم تقدم «عاصمة صناعة السيارات» على الفكرة بـ«مزاجها»، ولكن بطلب من المفوضية الأوروبية التى طلبت من ألمانيا، وتسع دول أخرى من بينها إسبانيا وفرنسا وبريطانيا، تقديم لائحة بالإجراءات المزمع اتخاذها للحماية من تلوث الهواء وإلا واجهت الدولة إجراءات قانونية فى المحكمة الأوروبية من بينها فرض غرامات ضخمة.
«الأرقام لا تكذب».. هذا ما يؤكده كل من تورلاف ستود، وبنيامين ويرمان، العاملين بالمجلة الإلكترونية «كلايما فاكتين» المعنية بالتغيرات المناخية، والطاقة النظيفة، مجلة علمية، ليست الوحيدة من نوعها، غير هادفة للربح بحسب الصحفيين العلميين، اللذين حازت أعمالهما عبر «كلايما فاكتين» على جائزة الإعلام البيئى الألمانية عام 2017 فى واحدة من أكبر الجوائز الممنوحة للمؤسسات غير الربحية بألمانيا، وعى بمخاطر التغير المناخى وأزمات الطاقة دفعهما لتأسيس الموقع عام 2011 ليواصلا العمل خلاله، بعدد موظفين لا يتخطى خمسة أشخاص، لكنهم نجحوا فى إيجاد تمويل من كل من المؤسسة الأوروبية للمناخ، ومؤسسة «سيفتج ميركاتور».
يقوم عمل الموقع العلمى الذى يقع مقره فى برلين على تحليل الأرقام وتتبعها، يقول «بنيامين»: «نقدم النتائج المعقدة التى تمدنا بها الأبحاث حول المناخ، ونحولها إلى تقارير قصيرة مبسطة، يمكن فهمها، ويسهل الوصول إليها بما يوفر معلومات للقارئ حول أثر تلك التغييرات على مختلف قطاعات الاقتصاد والصناعة والمجتمع عموماً، كما نقوم بتفنيد الحجج التى يتذرع بها هؤلاء الذين لا يرون فى حماية البيئة أمراً ضرورياً، أو يجادلون بشأن نتائج الأبحاث الخاصة بالتغيرات المناخية عبر قسم خاص فى الموقع الإلكترونى بعنوان الحقائق والتأكيدات».
ويؤمن المحرران الشابان بأن الحقائق المجردة بشأن المشاكل البيئية ونتائج الأبحاث الخاصة بهذا المجال لا تدفع أحداً لاتخاذ موقف حاسم، وحده التوثيق الجيد للتجارب والممارسات الناجحة فى مجال حماية البيئة تدفع المزيد من المهتمين لاتخاذ موقف جاد تجاه البيئة: «نتيح طرقاً جديدة لتشجيع النقاش حول التغيرات المناخية، ونبقى الجمهور الألمانى على اطلاع متواصل بأحدث نتائج الدراسات التى تنتجها مختلف الجهات البحثية حول موضوعى الطاقة والتغيرات المناخية».