قصص مخابراتية| "وجه الحقيقة الناقص".. إسرائيل تتجسس على أمريكا
"الموساد" والـ"سي أي أيه"
رغم أن قضية التجسس بين الأصدقاء، واحدة من الأنشطة المعترف بها بين الجميع، لكنها قد تأخذ في بعض الأحيان شكلا الأزمة بين الدول الصديقة، إذا كان الأمر يستحق إثارة أزمة بين البلدين، فعلى سبيل المثال، لم يكن معقولا أن تنتهي قضية "جوناثان جي بولارد" وزوجته "آن" عند حد القبض عليهما، كما أنه لا يمكن منطقيا أن تصمت الحكومة الأمريكية على ما حدث، حتى ولو كان الأمر "ذرا للرماد في العيون".
يقول الكاتب المخابراتي صالح مرسي، في كتابه "السير فوق خطوط العنكبوت"، وتحديدا في فصل "وجه الحقيقة الناقص": فيكتور استروفسكي كان عميلا للموساد لسنوات، أصدر كتابه (الطريق نحو الخديعة)، وتعرض فيه لعمليات التجسس التي ينفذها الموساد في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت قضية بولارد أولى القضايا التي تناولها في الفصل، حيث يقول استروفسكي إن "بولارد" كان يعمل في إدارة أخرى من إدارات المخابرات الأمريكية في "سواثيلاند"، ولم يكن عمله في الإدارة مرضيا له، حتى حامت حوله الشكوك، عندما سرب معلومات سرية للملحق العسكري، في سفارة جنوب إفريقيا، ما دفع ضابط الأمن في هذه الإدارة إلى تحذيره".
لم يهتم "بولارد" بتوجيه التحذير إليه، حتى صدر أمر بنقله من الإدارة ذات الأهمية المحدودة إلى "آتاك"، وهو ما كان مبعثا لدهشة الجميع، حيث إن الإدراة التي نقل إليها كانت تتيح له الاطلاع على قدر أكبر بكثير من المعلومات البالغة الأهمية، حيث لم يعرف "استروفسكي" سبب ذلك ولم يقدم إجابة، لكنه وبعدما أعمل مرسي فكره فيما أمامه من الظواهر، فمن الممكن أن يصل إلى تفسير أقرب ما يكون إلى الحقيقة.
في بداية الأمر، أرجع مرسى الأمر إلى أن "بولارد" جندته المخابرات الإسرائيلية في بداية عام 1984، حسبما زعم السيد "بليتشر"، ما يعني أنه لم يكن مبتدئا عندما تجسس لحساب الموساد في "أتاك"، أنه قبل ذلك نتجسس لحساب جنوب إفريقيا وليس لحساب إسرائيل، وإذا كان "بولارد" كيهودي يعتبر إسرائيل الأهم بالنسبة له وأعطاها كل ولاءه، فكيف يتجسس لحساب دولة أخرى.
يقول مرسي: "لم يكن الأمر واضحا، إذا ما لم ننتبه إلى العلاقة الحميمة التي نشأت بين إسرائيل وحكومة جنوب إفريقيا العنصرية، إبان حقبة الستينيات، حيث إنه لم يعد سرا الآن أن تعاونا علميا وعمليا تم بين الدولتين، بخاصة في مجال الأبحاث النووية، وفي حالة ما إذا كانت إسرائيل تمتلك عددا لا بأس به من الرؤوس النووية، فكان هذا يستلزم تجارب تجريها على قنابلها، وتجارب من المستحيل أن تتم في الأراضي الإسرائيلية، وهو ليس استنتاجا أن نقول إن هذه التجارب كانت تتم في الصحرء الإفريقية، إذن فإن أصابع إسرائيل كانت مع (بولارد) من البداية".
وتابع مرسي: "كان طبيعيا أن تطالب الحكومة الأمريكية بتفسير ما يحدث من حكومة إسرائيل، التي كان يرأسها في ذلك الوقت اشيمون بيريز، وزيرا لخارجية إسرائيل، وأجرى المستر (جورج شولتز) وزير خارجية الولايات المتحده -آنذاك- اتصالا تليفونيا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي بادر بالاعتذار علنا عما حدث، ففي تصريح لشيمون بيريز: (التجسس على الولايات المتحده يتعارض تعارضا كاملا مع سياسة إسرائيل، وهذا الذي حدث والمستوى الذي بلغه كان خطأ فادحا، وبناء عليه فإن حكومة إسرائيل تقدم اعتذارها لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، والمسؤولون عن هذا الخطأ سيحاسبون حسابا عسيرا، أما الوحدة التي نفذت العملية فسيتم حلها بالكامل ونهائيا".
يوضح مرسي، أن الإدارة التي جنّدت "بولارد" ليست سوى إدارة صغيرة يتراوح عدد العاملين فيها من 20 إلى 30 شخصا فقط، وكان يطلق عليها اسم "لاكام"، وأُنشئت بغرض التجسس داخل الولايات المتحدة الأمريكية فقط، ويؤكد أن نشاط هذه الإدارة تبلغ سريته درجة تجعل من المستحيل على أي فرد خارجها، معرفة ما يدور داخلها، وكان هذا ما حدث على المستوى الدبلوماسي بين وزير خارجية الولايات المتحدة ورئيس وزراء إسرائيل.
وعلى جانب آخر، كان مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية "ريتشارد هيلمز"، أجاب عندما سأله الصحفيون عن العملية: "لم يكن أمر غير طبيعي أن تتجسس الدول الصديقة على بعضها البعض، فأنت تصنع ما تستطيع فعله، أما إذا ما قبض عليك فهذه هي الخطيئة الكبرى"، مؤكدا: "قبلنا تفسير إسرائيل كما قبلنا اعتذارها"، وهكذا انتهى الأمر وتم حل الأزمة بين الدولتين.