الدقهلية: «حلم» تقنين التعديات على أراضى الدولة يتلاشى بسبب «المغالاة» فى الرسوم.. والحكومة تهدد بإزالة منازل «وضع اليد»
امتناع أصحاب حالات «وضع اليد» عن تقديم طلبات التقنين يضعهم فى مواجهة الحكومة
أقل من شهر ونصف هى الفترة المتبقية من المهلة التى منحتها الحكومة لتقنين أوضاع حالات التعدى على أراضى الدولة، قبل الدخول فى مواجهة مفتوحة مع أصحاب تلك الحالات، فى ضوء تهديدهم بإزالة المبانى التى يقيمون فيها مع أسرهم، إذا لم يقوموا بتوفيق أوضاعهم قبل 14 يونيو المقبل، فى الوقت الذى يمتنع فيه أغلب حالات «وضع اليد» عن التقدم بطلبات لتقنين أوضاعهم، بعد أن فرضت الأجهزة المحلية عليهم سداد رسوم تتراوح بين 5 و14 ألف جنيه مع كل طلب، حسب طبيعة ومكان الأرض.
تحذيرات وتهديدات متلاحقة تلقاها أصحاب حالات «وضع اليد» بالدقهلية، لمطالبتهم بتقديم طلبات تقنين أوضاعهم قبل انتهاء المهلة، ونظراً لأن تقييم رئيس المدينة أو المركز يعتمد بشكل أساسى على ما تم إحرازه من تقدم فى ملف التعديات على أراضى الدولة، فقد لجأ هؤلاء إلى استخدام مختلف وسائل «الترهيب»، عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وباستخدام مركبات «توك توك» مزودة بمكبرات الصوت، تطوف شوارع القرى والمدن، لتحذير كل من يمتنع عن تقديم طلبات تقنين وضعه إلى وحدته المحلية.
وفى إطار حملة «استرداد حق الشعب»، التى أطلقتها الحكومة قبل ما يقرب من عام كامل، أعلنت محافظة الدقهلية أن حالات التعدى على أراضى الدولة بها يبلغ عددها نحو 16 ألفاً و730 حالة، بمساحات إجمالية تُقدر بأكثر من ألف و95 فداناً، من ضمنها 10 آلاف و692 حالة «مأهولة بالسكان»، بمساحة 572 فداناً، بينما الحالات غير المأهولة تبلغ 5 آلاف و930 حالة، بمساحة 517 فداناً، كما أشارت إلى أن القيمة الإجمالية لكافة التعديات تبلغ نحو 5 مليارات و566 مليون جنيه.
«الشريدى»: كل مواطن يتقدم بطلب لتقنين حالته يتوجب عليه سداد 10 آلاف جنيه رسوم فحص و8 جنيهات رسم معاينة عن كل متر بالإضافة إلى 2500 جنيه قيمة الخرائط
وبحسب ما أكد مصدر مسئول بلجنة التقنين لـ«الوطن»، أن نسبة إقبال أصحاب حالات التعدى بمدن «المطرية والمنزلة والكردى ومنية النصر»، تكاد تكون «منعدمة»، مشيراً إلى أنها من أكثر مدن الدقهلية التى توجد بها أملاك للدولة، وأضاف أن المطلوب من الأهالى، فى هذه المرحلة فقط، سداد رسوم طلبات تقنين أوضاعهم، ولكنهم لا يستطيعون تدبير مبالغ تلك الرسوم، وتساءل: «ما بالك بقيمة الأرض، التى يحدد القانون سدادها خلال عام واحد؟»، معتبراً أنه «أمر شبه مستحيل»، خاصةً لأصحاب الدخول المتدنية.
«طه الشريدى»، أحد سكان المطرية، أكد أن «حلم» نحو ثلث سكان المدينة بمنطقة «البر التانى» بتقنين أوضاعهم، أصبح «شبه مستحيل»، فى ضوء القانون 144 لسنة 2017، الذى يساوى بين كافة المدن، مشيراً إلى أن المطرية من المدن التى تعانى ضيق الحيز العمرانى، ما دفع العديد من الأهالى، خاصةً الأسر الفقيرة، إلى التوجه نحو منطقة «البر الثانى»، وجميعهم يحلمون بتقنين أوضاعهم، وتوصيل الخدمات والمرافق لهم، لاستكمال حياتهم كمواطنين مصريين، إلا أنهم فوجئوا بما وصفه «شروط تعجيزية».
ولفت إلى أن أراضى «البر التانى» كانت جزءاً من بحيرة «المنزلة»، تم تجفيف مساحات منها بمعرفة الحكومة، ومساحات أخرى من قبل بعض الأهالى، وقاموا بشراء أمتار قليلة من هذه المساحات من بعض «كبار واضعى اليد» على البحيرة، وقاموا ببناء منازل لإيوائهم وأسرهم، وبعضهم ما زالوا يسددون أقساط قيمة الأرض حتى الآن، بالإضافة إلى أقساط أخرى لمقاول البناء، ولا يستطيعون تقديم طلبات لتقنين أوضاعهم، لافتاً إلى أن هناك نحو 50 ألف أسرة بمدينة المطرية تواجه نفس المشكلة، وأوضح «الشريدى» أن كل مواطن يتقدم بطلب لتقنين حالته، يتوجب عليه سداد مبلغ 10 آلاف جنيه رسوم فحص، و8 جنيهات رسوم معاينة عن كل متر، بالإضافة إلى 2500 جنيه قيمة الخرائط، وأضاف أن القانون الجديد يشترط سداد كامل ثمن الأرض نقداً فى غضون سنة بحد أقصى، بينما القانون القديم كان يعطى فرصة 7 سنوات للسداد، وطالب بضرورة مراعاة البعد الاجتماعى لأهالى مدينة المطرية، التى يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر، وأصبحوا مهددين إما بالطرد والتشريد أو بالسجن.
«محمد الشاعر»، صاحب إحدى حالات «وضع اليد»، قال لـ«الوطن»، إنه وبعض أشقائه اشتروا قطعة أرض مساحتها 50 متراً من أحد تجار الأراضى فى منطقة «البر الثانى»، وكانت وقتها أرضاً زراعية، وقاموا ببناء منزل عليها ليقيموا فيه، والآن تريد الدولة أن تبيع لهم الأرض مرة أخرى، وتساءل قائلاً: «لماذا تركنا المسئولون حتى الآن؟، ولماذا اعترفوا بالعقود الموجودة معنا من واضعى الأرض الأصليين؟»، مؤكداً على قوله: «لقد وقعنا ضحية مرتين، الأولى لتجار الأراضى، والثانية للمسئولين».
وبقدر فرحة «كامل الصياد»، مقيم بمنطقة «الشوادر»، عندما تسلم خطاباً من الوحدة المحلية يطالبه بسداد 14 ألف جنيه مع طلب تقنين وضعه، على أن يكون سداد قيمة الأرض على 10 سنوات، كان شعوره بالاستياء عندما علم بأن «الوضع قد تغير»، ما دفعه إلى الإحجام عن تقديم الطلب، وأكد أن منطقة «الشوادر» قامت الحكومة بتجفيفها من بحيرة «المنزلة»، قبل نحو 20 سنة، وتم تقطيعها إلى مساحات 50 متراً للقطعة، بقيمة 1000 جنيه، مشيراً إلى أنه قام بشراء قطعتين، ويدفع إيجاراً سنوياً قيمته 800 جنيه.
«الشاعر»: وقعنا ضحية مرتين.. الأولى لتجار الأراضى والثانية للمسئولين و«الصياد»: نفسى أدفع وأستريح من القلق ده لكن فى ضوء الوضع الجديد الحبس أفضل
وتابع بقوله: «فى ظل القانون الجديد، الحكومة تتعامل معنا وكأننا نعيش فى مدينة المنصورة، أنا نفسى أدفع وأستريح من القلق ده، ولكن فى ضوء هذا الوضع الجديد الحبس أفضل»، مؤكداً أن المبالغ المطلوبة فوق طاقة كافة المواطنين من أبناء المنطقة، وتساءل بقوله: «إذا سددت رسوم الطلب، من أين أسدد قيمة الأرض فى سنة واحدة؟»
ومن جانبه، أكد رئيس مركز ومدينة منية النصر، محمود أبوطالب، لـ«الوطن» أنه «لم يتقدم لنا سوى طلبين فقط بالرسوم الجديدة، من إجمالى 227 طلباً تقدم بها مواطنون قبل فرض الرسوم»، وأرجع ذلك إلى قرب حلول شهر رمضان، وبدء موسم الحصاد، الذى يستنزف أموال المزارعين، إلا أنه أعرب عن أمله فى مد المهلة، ودراسة الحالات وسبب إحجام المواطنين من أصحاب حالات «وضع اليد» عن تقديم طلبات تقنين أوضاعهم.
أما النائب محمد العتمانى، عضو مجلس النواب عن محافظة الدقهلية، فأكد أنه تقدم بطلب إلى رئيس مجلس الوزراء، لإعفاء أهالى مركز المطرية من الرسوم الإدارية لطلبات تقنين أوضاعهم، أو احتساب المبلغ من ثمن الأرض، بعد تقدير ثمن المتر بها من قبل اللجنة المشكلة، نظراً لما يعيشونه من ظروف اقتصادية صعبة، مشيراً إلى أن معظم الأسر من محدودى الدخل، وتعمل فى حرفة الصيد، كما أن منازلهم تتراوح مساحاتها بين 30 و100 متر، بقصد السكن، ولا يستطيعون تدبير هذه المبالغ، الأمر الذى يدفعهم إلى الإحجام عن تقديم طلبات تقنين أوضاعهم، بسبب فرض رسوم مبالغ فيها، لا يستطيعون تدبيرها.
مسئول آخر فى لجنة تقنين الأوضاع تحدث لـ«الوطن» قائلاً: «نحن ننفذ القانون، وجرى العرف على أن كل النفقات تكون على نفقة المشترى، حتى الورق الذى يكتب عليه العقد، وما يدفع مع الطلب عبارة عن مصاريف فحص وانتقالات ولجان نظير العمل»، مشيراً إلى أن اللائحة التنفيذية للقانون تفرق بين القرية والمدينة، وبين المناطق داخل الكردون وخارجه، وأضاف أن المادة 6 من اللائحة تحدد رسوم المعاينة والفحص، ويتبعها دورة مستندية طويلة، ومسح جوى، بعد نظر الطلبات، ومدة وضع اليد.
وبينما وصف معظم الحالات بأنها «اغتصاب» أملاك الدولة، فقد أوضح أنه «فى معظم الحالات، مواطنون فقراء قاموا بشراء الأرض من الأغنياء وأصحاب السلطة، كالعمد والمشايخ، واستيقظ الأهالى ليجدوا أنفسهم مطالبين بسداد قيمة الأرض مرة أخرى للدولة، وتقابلنا مشاكل كبيرة بهذا الشكل»، وطالب بإعادة النظر فى القانون، بما يسمح بتحقيق التوازن بين مصلحة المواطن ومصلحة الدولة، مشيراً إلى أن معظم الحالات لا يتم بيع الأرض فيها، وإنما يتم تأجيرها بحق انتفاع مدى الحياة.
ومن جانبه، أكد محافظ الدقهلية، الدكتور أحمد الشعراوى، خلال اجتماع المجلس التنفيذى المصغر لرؤساء المراكز والمدن هذا الأسبوع، أن المدة المقررة لتقديم طلبات تقنين وضع اليد تنتهى قبل عيد الفطر بيومين، وشدد على رؤساء المراكز بتنبيه المواطنين فى المساجد والنوادى، وأى مكان يوجدون فيه، بموعد انتهاء مهلة تقنين وضع اليد، كما طالبهم بالتسهيل على المواطنين، من خلال الاكتفاء بتحصيل رسوم طلب التقنين، التى ينص عليها القانون، وبعدها يتم تحصيل قيمة الخرائط وغيرها.
وشدد المحافظ على أنه بعد انتهاء المهلة فى 14 يونيو المقبل، ستتم إزالة المنازل التى لم يتقدم أصحابها بطلبات تقنين وضع اليد، معتبراً أن هذه الطلبات تحفظ حقوق الورثة فى الانتفاع بالأرض، كما أكد أن أى تعديات جديدة على أملاك الدولة، يتم التصدى لها فوراً وبكل حسم، معتبراً أن التعدى على أملاك الدولة، أو على الأرض الزراعية «خط أحمر» لا يمكن تجاوزه.
وشدد «الشعراوى» على ضرورة الحرص التام على تأكيد هيبة الدولة، وتنفيذ القانون بكل حسم وحزم، قائلاً: «الدولة قوية وقادرة على التصدى لكافة أشكال الخروج على القانون، ونعمل جميعاً فى خندق واحد، من أجل مصرنا جميعاً، وكلنا مسئولون عن أمنها وأمانها، بالعمل الجاد والتعاون المستمر»، وطالب بإعداد تقارير دورية عن حالات التعدى على أملاك الدولة، على أن ترفع كل وحدة محلية تقريرها للمركز التابعة له، بحيث يتم إرسال تلك التقارير بعد ذلك للمحافظة، وعند ظهور أى مخالفات بعد ذلك، تصبح تزويراً فى أوراق رسمية، وكذلك الحال بالنسبة للتعديات على الأراضى الزراعية.