سمر عبدالرحمن تكتب: حكاية جديدة وحلم كبير ملىء بالتحدى
سمر عبدالرحمن
فى نهايات 2016، حدّثنى أحد الأصدقاء عن أن جريدة «الوطن» تريد مراسلاً صحفياً لها بمحافظة كفر الشيخ، تبادلنا الحديث معاً، وقلت له: سأفكر وسأستشير والدى وأسرتى، ووقتها ربما كنت أمرُّ بأصعب فترات حياتى، حيث مرض والدى رحمة الله عليه، فقبل التحاقى بـ«الوطن» بـ3 أشهر اكتشفت إصابة والدى بالمرض «الخبيث»، وكرست حياتى لخدمته، قاطعة عهداً على نفسى بألا أتركه، إلا أن عرض الجريدة كان بمثابة رسالة طمأنة من الله عز وجل. بعد أسبوعين من تبادل الحوار مع الأصدقاء وإرسال أخبار نُشرت على الموقع وفى النسخة الورقية، توكلت عليه وسافرت إلى القاهرة، أتذكّر تفاصيل ذلك اليوم، استيقظت مع صلاة الفجر، وحملت حقيبتى الصغيرة، وأوصلنى شقيقى إلى السيارة التى ستُقلنى إلى هناك، ذهبت إلى مقر «الجرنال»، تقابلت مع رئيس قسم المحافظات، وجدته إنساناً خلوقاً وقوراً، له نظرة فيمن يعمل معه، تبادلنا الحديث معاً لمدة تقارب نصف ساعة، وتقابلت مع «أسامة خالد»، مدير التحرير، الذى لم أنسَ نظرته التى كانت تُراهن علىّ، تبادلنا الحديث أيضاً، كان القلب يدقّ، ليس قلقاً وإنما فرحاً، لا أعلم لماذا كنت سعيدة وقتها، غادرت الجريدة فى ذلك اليوم، ووضعت فى رأسى جُملة قالها لى رئيس قسم المحافظات «صلاح البلك»: «أنا مابحبش شغل البنات»، جُملة ظلت أمامى، أتذكرها مع كل خبر وموضوع أكتبه، لأثبت له أن «البنات حلويات، البنت زى الولد مهيش كمالة عدد، وأنهن يستطعن أن يتفوقن على الشباب فى أشياء كثيرة ومنها شغل الصحافة الذى يراه البعض شاقاً».. من هنا بدأت حكاية جديدة وحلم كبير ملىء بالتحدى، صرت كطفل يحبو أولى خطواته، رغم تجاربه التى امتدت على مدى 10 أعوام فى أماكن مختلفة.. لكن يلازمه الثبات والثقة أكثر.
مرت أيام، وفهمت تلك السعادة التى كنت أشعر بها حين ذهبت لأول مرة لمقر الجريدة، وبعد شهور عمل، تيقنت أننى التحقت بمؤسسة منسجمة مع قناعاتى، شعرت بانتمائى إليها نفسياً وفكرياً، مرّ عام ونصف على التحاقى بها، حققت القليل من طموحاتى وما زلت أقول إن الطريق ما زال طويلاً، وإن الحُلم يحتاج لجهد وصبر ومثابرة لتحقيقه، تعثرت بعض الوقت، لكن زادنى التعثر إصراراً، تمردت على واقعى تمرداً لانهائياً بذلك الحماس الغريب فى العمل، وتلك الإرادة التى لم يستطع أحد كسرها، آمنت بالحُلم الذى كفر به الكثيرون فحاولوا إحباطى، وسرت فى طريق رسمه لى والدى ومعلمى، طريق يصعب فيه أن تكون مهنياً 100%، لكنى حاولت الجود بكلمات وموضوعات صادقة وسط خضمٍّ يعج بالنفاق.
فى عام ونصف تعلمت الكثير، تدربت على أساليب جديدة فى الكتابة، على القوالب الصحفية المختلفة. كنت، وما زلت، حريصة على التمسك بأى فرصة تدريب لتطوير ذاتى ولإيمانى بأن التدريب يُنمّى المهارات ويصقلها. وجدت قيادات تُشجع وتكافئ المُجتهد وتُنمى مهارته، على رأسها «محمود مسلم»، رئيس التحرير، تعلمت من زملائى فى المحافظات، ومن أساتذة أكثر منى خبرة، لم يبخل أحد علىّ بمعلومة، ولم تبخل قيادتها علىّ بشىء، فيها حققت ذاتى، وتعرفت على مجموعة متميزة تحب العمل وتخلص فيه، فيها وجدت رفاقاً جدداً مخلصين مصممين على استكمال مسيرة العطاء، فيها تعلمت معنى البيت الواحد فى العمل، فيها وجدت السند والعون.
ما زلت أراهن على أن «الوطن» هى برهان على حيوية مجتمع لم ينحنِ، بفضل نخبة وكوادر تعمل بها، لتُصحح مفاهيم وموروثات اجتماعية، تعرض وجهات نظر العقلاء فى القضايا المختلفة، تُشكل رأياً عاماً مختلفاً، تبلور فكراً مختلفاً عن مثيلاتها، فهى تجربة فريدة وسط فوضى كثيرة، يهمها القارئ وتكتب عن آماله وآلامه، يقينى الدائم بأن المقبل سيكون أفضل مع «الوطن».