أوراقهم تحكي| قاسم أمين قاطع سعد زغلول بعد 23 عاما: "رفض يضمني في قرض"
سعد زغلول وقاسم أمين
التاريخ لا يحبذ عادة إشراك أحد مع أبطاله، فعادته حب التفرد والتجرد من اي دخيل على قصة نجم يقتطع فترته منه ليهديها له، لكنه نزل على رغية الصديقان سعد زغلول قائد ثورة 1919، ومحرر المرأة المصرية قاسم أمين.
داخل ساحة القضاء، كان اللقاء الأول لاسمين من أعلام مصر على مدار تاريخها، في علاقة استمرت ما يقرب من 23 عاما، قبل أن تنتهي فجأة دون مقدمات.
"انقطع قاسم عني وإذا قابلني صدفة كانت المقابلة غاية في البرود ولا أدري لماذا؟"، حديث جال في خاطر الزعيم المصري سعد زغلول ودوّنها في مذكراته التي حققها المؤرخ عبدالعظيم رمضان، واستطرد: "كلما حدثته نفسه (يقصد سعد زغلول) بمفاتحة قاسم أمين في هذا الشأن بكلام أو خطاب رأى أن الإغضاء غاية في الصواب وأن الأوّلى عدم فتح هذا الباب، وأن الأوّلى إذا تسرب الشك إلى قلوب الأصدقاء ألا يسعوا في اليقين والسلام".
الانقطاع طال ولم يرَ زغلول بُدًا من التوجه إلى سؤال قاسم وعتابه، والذي كان رده أن انقطاع الود بسبب رفض سعد لضمانته عندما كان مديونًا للبنك، وقال سعد إنه مرَّ على هذه المسألة زمان طويل ورفضها لأنه لم يكن يملك من النقدية 4 آلاف جنيه: "فإذا ضمنت وحلَّ الأجل بعد أربعة أشهر أو ستة كما كان المشروع فلا يمكنك تدفع ولا يمكنني أيضا فيباع شيء من ملكي".
كان رد قاسم بأن البنك لم يرفض ليرد سعد بأن لديه شهادة رسمية من البنك بالرفض وقال سعد: "لو فهمت أن المبلغ الذي طلبت ضمانتي فيه كان مفيدا في تسوية حالتك فإني كنت رغما عن كل شيء تخليت عن ملكي لك"، فيقول سعد أن قاسم اعترف أنه مخطىء وقبّلا بعضهما وانصرف، ولكنه لم يلبث إلا قليلا حتى انقطع عن الزيارة إلا مرتين، إحداهما عند نازلي هانم (ابنة عبدالرحيم صبري باشا) والثانية عند مصطفى باشا (النحاس) وبعد ذلك لم أره أصلا".
مرَّ الوقت وتوفي قاسم أمين ليقول سعد: "توفي هذا الصديق ولم يخفف مصابه علىَّ إلا تذكر انقطاعه عني، وانصرافه عن مساعدتي في أحوال كنت أشد الناس فيها حاجة إلى مؤانسته، ولكن قوة حبي له كانت تؤثر في أغلب الأحيان علىَّ فأنسى معها كل شيء".
عاد سعد بذاكرته قبل 23 عاما عندما كان يترافع في قضية أمام محكمة الإسكندرية وكان قاسم حاضرًا، ووقع نظرهما على بعض ومالَ كل منهما إلى معرفة الآخر، وتوالت المواقف بينهما واختلطا اختلاطًا شديدًا بعد تعيين قاسم نائب قاض في الاستئناف: "تلازمنا تلازمًا عظيمًا، فلا يمضي يوم لم نأكل فيه معا"، وكانا يجلسا للحديث من غير كلفة ويتكلما على غير نظام.
هلع شديد اعترى سعد عند سماع نبأ وفاة صديقه، ولكنه ما لبث أن نقصت حدته، فعند عودته لبيته بعد الذهاب لرؤية الصديق المتوفي: "كنت لا أشعر بألم شديد في نفسي، وكثر ما تردد على خاطري، وما طرأ على الصحبة بيننا من أسباب الضعف، وبت طول ليلي بين التأثر عليه تارة عندما أذكر صداقته والتأثر منه تارة عندما أذكر هجره لي، وهذا لطف من الله بي لأنه لو حل به الموت والصداقة في قوتها لفاضت روحي معه"، ومع ذلك كان أول مَن توجه إلى منزله باكرًا ولم يذق ليلتها طعم النوم وجلس هناك يباشر ما يلزم من مسائل التشييع.
عند قبر قاسم، بكى الصديق القديم وانفعل في خطاب رثاه فيه، ولكنه كان انفعالًا لم يدم، فعاد سعد إلى منزله والدموع تنزل من عينيه، حتى أخذ الانفعال يزول شيئًا فشيئًا: "أكلت ثم توجهت إلى لاستقبال العزاء في صديقي"، يقول سعد زغلول.