"الذهب".. قرش اليمنيين الأبيض في اليوم الأسود
صورة أرشيفية
دفعت الأوضاع المتردية في اليمن، المواطنين لا سيما السيدات منهم، إلى بيع مصوغاتهم الذهبية، في محاولة لتوفير قوت يومهم وتوفير حياة كريمة لأولادهم. وكان ما ادخروه في أيامهم البيضاء، سببا لإنقاذ أسرهم من "البؤس والجوع والفقر" في أيامهم السوداء التي يعيشونها اليوم.
"عبدالله زايد" مواطن يمني، يعمل موظفا في قطاع التعليم، لكنه ظل على مدار 17 شهرا لا يتسلم راتبه الحكومي، ما دفعه إلى البحث عن مهنة أخرى جراء تردي الأوضاع الاقتصادية، وعجزه عن إطعام أطفاله الستة.
وذكرت وكالة "الأناضول" التركية للأنباء: الأب الأربعيني الذي لم يعمل في مجال آخر غير التعليم منذ 25 عاما، فشل في كل الوظائف التي التحق بها، ليلوذ في النهاية إلى العمل سائق أجرة، بيد أن فقره وعجزه لا يضمنان له توفير سيارة "تاكسي".
وكان الذهب الذي اشترته زوجة زايد منذ أمد بعيد، تلبسه في المناسبات الاجتماعية فقط، ولم تكن تعلم أن ما ادخرته في أيامها البيضاء، كحلى تتزين بها، قد يكون سببا في إنقاذها وأسرتها من "بؤس" في أيامهما السوداء.
وقال زايد للأناضول، إن قيمة الذهب كانت كفيلة بشراء سيارة صغيرة، يعمل بها في شوارع المدينة الخاضعة لسيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، ليعول بها أسرته ويضمن بها توفير أساسيات الحياة. و"أم زلفى"، هي الأخرى لجأت لبيع ذهبها من أجل دفع الرسوم الدراسية لطفليها اللذين يدرسان في مدرسة خاصة، بعد انهيار التعليم تماماً في المدارس الحكومية منذ بداية العام الدراسي.
وقالت وهي تتطلع إلى سيارتها الصغيرة، وكان الصدى قد اعترى محيط الإطارات، "الأموال والذهب سيعوض، لكن العمر يمضي، ولذلك سأبيع كل ذهبي من أجل أن يحظى طفلاي بتعليم جيد".
ورغم أن الأمم المتحدة والدول المانحة تعهدت بملياري دولار لإنقاذ الوضع الإنساني، الأسبوع قبل الماضي، إلا أن اليمن وهو البلد العربي الأكثر فقراً، ما يزال ينحدر إلى القاع، مع استمرار الحرب بين الحوثيين والقوات الحكومية المسنودة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، قال في المؤتمر الذي عُقد في جنيف السويسرية مؤخرا، إن "الوضع في اليمن كارثي، وأكثر من 22 مليون شخص في اليمن (75 بالمائة من السكان)، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية والحماية".
وزايد وأم زلفى هما اثنين من آلاف اليمنيين الذين باتوا لا يثقون في الجهود الإنسانية والسياسية للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، في تقديم الغذاء للمنكوبين، ووقف الحرب، ولجأوا في نهاية الأمر إلى بيع مجوهراتهم ومصوغاتهم الثمينة، لتجاوز محنتهم الإنسانية.
ودائما ما تردد أم زلفى المثل الشهير عربياً: "القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود"، مضيفة: "تخلى عنا كل العالم، وتركونا نواجه أسوأ محنة إنسانية في العصر الحديث، لكن الله ألهمنا لشراء الذهب في الماضي، واليوم نحن نعيش عليه".
وتخشى أم زلفى من إطالة أمد الأزمة والحرب، وقالت: "ما يزال لدى القليل من الذهب، وأخاف أن ينتهي قبل أن تنتهي الحرب، حينها ستحل الكارثة"، وبيدين ترفعهما للسماء تناجي "نسأل فرجك يا الله"، فيما قال الجواهرجي هشام النقيب، وهو مالك متجر لبيع الذهب في شارع جمال عبدالناصر وسط مدينة تعز، (جنوب غرب)، إن الأزمة التي يعيشها اليمنيون دفعتهم إلى بيع ذهبهم ومجوهراتهم.
وأضاف في حديث للأناضول: "بالفعل كان الذهب طوق نجاة للكثيرين، وربما هي واحدة من الأسباب التي حالت دون حدوث مجاعة حقيقية، فكثير من الناس أحوالهم مستورة رغم الحرب والحصار".
وتابع: "كثيرون باعوا ذهبهم ومجوهراتهم ليفتحوا مشاريع اقتصادية جديدة، كما أن عددا من النازحين باعوا ذهبهم واشتروا أراض وبنوا وسكنوا فيها، لكن ليس كل الناس تملك الذهب".
وأوضحت الوكالة التركية: يرتبط اليمنيون بالذهب بشكل كبير، إذ تفرض العادات والتقاليد على الزوج أن يقدم لزوجته في ليلة زفافها كمية من الذهب، لا تقل في بعض الأحيان عن 50 جراماً (عيار 21 قيراط).
ولا توجد إحصائيات حول حجم الذهب الذي يمتلكه اليمنيون أو المتواجد في السوق، لكنه على الأرجح يبقى الشيء الوحيد الذي يتواجد في كل بيت، ولا تكاد امرأة متزوجة أو شابة لا تمتلكه، عدا أن كثيرين يفضلون شراءه لحفظ أموالهم، كملاذ آمن.
وأضافت "الأناضول"، أنه مع انهيار سعر الريال اليمني وارتفاع الدولار الذي وصل قيمته في السوق السوداء إلى 485 ريالاً، انعكس ذلك على ارتفاع في قيمة الذهب.
ووجد اليمنيون أنفسهم أمام وفرة من المال؛ وقال عبدالله زايد: "ذهب زوجتي اشتريته بـ650 ألف ريال، واليوم بعته بمليون و400 ألف"، وخلال الأشهر الماضية، اتسعت رقعة الجوع ومعدلات سوء التغذية الحادة في أوساط السكان بشكل غير مسبوق، وخصوصا بعد توقف رواتب مليون ومائتي ألف موظف حكومي، وتزايد معدلات الفقر.
وتحتاج خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن للعام 2018، إلى 2.96 مليار دولار، وذلك لتوفير المساعدات لنحو 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة مليون شخص عن العام الماضي، بينهم 8.8 ملايين لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم الغذائية التالية.