حكاية صورة.. مصر (من فوق)
بين قوسين تظهر مصر دائماً، قوس النيل، وقوس الحضارة الفرعونية، وبينهما سنوات من الصعود المبهر والهبوط الاضطرارى، بينهما طاردت مصر غزاة أرهقوها، وحكمت من قِبل أبنائها، فمنهم من شيد هرماً أو حررها من غازٍ جاء يطمع فى خيرات أرض كانت سلة غذاء العالم، ومنهم من هدم معبداً، وأذل قومه «يسومونهم سوء العذاب».
فى مصر، ومصر فقط، تجد معبداً فرعونياً عمره آلاف السنين، يحتضن زاوية مسجد بداخلها ضريح تجاوز المائة عام إلا قليلاً، ولكلٍ زواره ومريدوه، وهناك أيضاً تجد كنيسة طاعنة فى القدم، محرابها كان فى الأصل بهواً لبقايا معبد فرعونى، الجميع يحتضن الجميع، وعلى الضفة الأخرى دائماً، ثمة نهر يحرس تلك الأرض، منذ بداية الخلق، اختار لنفسه موضعاً لم يحد عنه منذ ملايين السنين، خوله الخالق أن يبقى منتبهاً، يثور تارة ويهدأ أخرى، قبل أن يروضه السد، اقتلعت أنيابه، فصار النهر العجوز مدجناً وديعاً يلتزم بما يُملى عليه.
دائماً ما كان ذاك النهر يثير فضولهم، عرف المصريون القدماء أنه ينبع من الجنوب، من أدغال أفريقيا، وأن فيضانه يأتى من الحبشة، فقاموا بالعديد من الرحلات، وطدوا العلاقات الدبلوماسية، أرسلوا الرحلات والبعثات والهدايا والجيوش أحياناً لحماية منبعه، من هناك يأتى الخير ويصب تحت معبده، فينتشى الفرعون فرحاً «أليس لى حكم مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى»، لكن الكهنة أوهموه أن النيل يولد ولادة مقدسة فى مصر قرب الجندل الأول جنوب أسوان، فأقاموا له إلها وأسموه «حابى» أى جالب السعادة.