حضانة خاصة ترفض «محمود».. والأم: «كنت هموّت نفسى بعدها»
محمود خالد
دائم النشاط والحركة فى معظم الأوقات، يميل إلى عدم تنفيذ التعليمات واللعب والانشغال بأمور عبثية غير محددة الهدف، والبكاء من أجل الحصول على ما يريده، تلك أعراض مرض فرط الحركة الذى يعانيه محمود خالد، ذو السبع سنوات: «الدكاترة قالولى وهو عنده 14 يوم إنه بيعانى من ضعف البصر فقط، وكنت بجرى على موضوع عينيه».. هكذا تروى عبلة السيد، ربة منزل، 38 عاماً، قصة أصغر أبنائها «محمود»، وتضيف: «لما ابنى تم سنة لقيته قاطع الكلام خالص لحد ما كبر ووصل لسنتين وبدأ فرط الحركة يظهر عليه مع عدوانية شديدة لدرجة إنه ممكن يضربنى وهو مايقصدش».
يعتمد محمود فى تمييز من يراه للوهلة الأولى على تحسس شعره أولاً وشم رائحته: «بيعرف أستاذة التخاطب من ربطة الإيشارب»، هذا ما أوضحته عبلة والدة محمود، المقيمة بمنطقة منشأة ناصر مع أسرتها المكونة من 6 أفراد يتعاونون من أجل راحة محمود الذى خطا خطوته الأولى فى مشوار التعلم والتنمية لمهاراته وهو فى عامه الأول فى مركز رعاية الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، التابع لمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، للحصول على 5 جلسات أسبوعياً بـ150 جنيهاً، وبعد انقضاء 3 سنوات توقف عن التردد عليه نظراً لعدم تحسن حالته لأنه لم يكن بالمركز سوى أخصائية واحدة مسئولة عن تعديل السلوك وتعليم المهارات الحياتية لجميع الأطفال، بالإضافة إلى أستاذ تخاطب يذهب مرة واحدة فى الشهر فضلاً عن تكلفة المواصلات، ولم تتوقف محاولات «عبلة» عند هذا الحد، بل اتجهت إلى حضانة بمركز «النور» للمكفوفين بجسر السويس التى رفضته ونقلته إلى حضانة أخرى لمتعددى الإعاقة بنفس المقر، ولكنها فضّلت عدم الذهاب، تفسر ذلك: «كان فى الحضانة شيخ لتحفيظ القرآن وأستاذة للموسيقى فقط، وابنى كان أصغر واحد وسط المعاقين لأن أعمارهم تتراوح ما بين 30 و40 سنة، فبطلت أوديه مع إنها بالمجان». وازداد إصرار الأم (التى لم تحصل على حقها فى التعليم نظراً لظروفها الاجتماعية) على تعليم ابنها لتقرر فى النهاية إقناع والده بالتقديم لابنها فى حضانة خاصة فى كوبرى القبة تصل مصاريفها إلى 3000 جنيه شهرياً، وهو فى عامه الثالث لتصطدم بالرفض: «مديرة الحضانة رفضته لما عرفت إن أبوه بياع، وقالت لى إنها حاطة كاميرات وشايفه حركته الزايدة، وده حطمنى وكنت هموّت نفسى وابنى معايا».
«عبلة»: «لولا الـ320 جنيه معاش إعاقة ابنى ومساعدة ولاد الحلال ماكنتش هقدر أعالجه»
تجلس الأم فى الشمس على أحد أرصفة الطريق لمدة تصل لـ6 ساعات يومياً منذ نحو 4 أعوام منتظرة انتهاء ابنها من جلسته التى تبدأ فى الثامنة حتى الثانية عصراً لاصطحابه من المركز الخاص الموجود بمدينة نصر لعدم قدرتها على توفير نفقات الذهاب والعودة، على الرغم من حصولها على كارنيه من هيئة الشئون الاجتماعية يتيح لابنها ولها كمرافق له استخدام أتوبيسات النقل العام بنصف الثمن: «مابلاقيش مواصلات كتير وبدفع فى الشهر 700 جنيه مواصلات، وكمسرى الأوتوبيس مش بيرضى يشوف الكارنيه وبيدفّعنى التذكرة كلها»، وتضيف قائلة: «لولا الـ320 جنيه معاش إعاقة محمود ومساعدة ولاد الحلال ماكنتش هقدر أوديه المركز ده»، واستطاعت عبلة والدة محمود التعرف على الطريقة المثلى فى التعامل مع طفلها من خلال ملاحظة كيف يقوم الأخصائيين بتعليمه وتنمية مهاراته: «كنت بشوف المدرسين بيعلموه ازاى وأقلدهم، فالمفروض ما أنفذش كل طلباته بحيث أكون مسيطرة عليه، وكمان أزعق له بس من غير حدة والضرب ممنوع تماماً». صمتت الأم لوهلة، ثم تابعت فى حزن: «بعد كل التعب ده وتحسن حالة محمود إلا إن المدارس رفضته بحجة إنه متعدد الإعاقة مع إنه قابل للتعلم».