حكايات من الملحمة.. "حسين عامل تركيبات": المكان ماكانش فيه فيشه واحدة وقدرنا نطلع منه اسلاك تنور الصعيد كله
"حسين" وزملاؤه أثناء تجميع الأسلاك
يوم كامل قضته «الوطن» مع العمال، يؤدون مهامهم الموكلة إليهم بوعى ودقة وحرص، لا تغادر الابتسامة وجوههم، رغم صعوبة المهمة ومشقة الظروف، إنهم يولدون الطاقة الشمسية من مكان اعتبرته الدراسات الأكثر حرارة وسطوعاً للشمس، يبدو الأمر صدمة حضارية لمحبى التكييف الراغبين فى العمل فى ظروف طبيعية، لكنه بدا بالنسبة لهم تحدياً كبيراً وأملاً أكبر فى أن يترك كل منهم لأبنائه سيرة عطرة وإنجازاً ينعم به، يكفى أن يلمع اسمه فى قائمة المشاركين فى المشروع القومى، وهو ما لخصه جماعتهم فى جملة تكررت «بنبى البلد لولادنا».
زى فسفورى لا يفرق بين عامل ومهندس، وخوذة قد تحمى من مخاطر التعرض المباشر والمستمر لأشعة الشمس، يختفى خلفها مئات العمال فى المشروع، تدق السادسة صباحاً، فيتحول السكون إلى حركة مفرطة، كل فى اتجاه، بعضهم يجمع الأسلاك الكهربائية، وآخرون ينظفون الألواح الشمسية، وصنف ثالث يتولى أعمال التركيب الأخيرة لتحويل الكهرباء التى تنتج من الطاقة الشمسية إلى الشبكة القومية الموحدة للكهرباء.. يزيح حسين عبدالنبى، عامل التركيبات حبات الرمال التى تتطاير بقوة عن عينيه، يد تعمل والأخرى تسندها أو تجفف قطرات العرق التى تتساقط من جبينه من شدة حرارة الجو.
«ميكس» غريب يعيشه حسين ومئات العمال غيره، هواء يصل إلى حد العاصفة، لكنه ساخن أشبه بلهيب الأفران، لكنه يتحمل وغيره المئات فى سبيل هدف أكبر، يلخصه حسين فى حسبة بسيطة «إنك تلاقى شغل من الأساس، وفى مشروع العالم كله بيحكى عنه، وبيوفرلك حياة محترمة حتى لو شاقة، وكمان فيه خدمة للبلد وبناء لمصر المستقبل اللى نفسنا فيها.. يبقى نقول الحمد لله على هذا الإنجاز»، حسبها الشاب العشرينى بمنطق من هم فى مثل سنه، فاكتشف أنها فرصة لن تعوض، وأن المشروع يفتح باب الأمل لمئات الشباب ضحايا البطالة، المهم أن يتوافر لديهم القدرة على الاحتمال.. يقولها حسين وهو يصف المكان قبل 8 أشهر، حين خطا أولى خطواته فى المحطة: «مجرد صحرا مش عارفين إزاى هيطلع منها كهرباء وهو مفيهوش ولا حتى فيشة واحدة، كنت أول مرة أشتغل فى كهرباء الطاقة الشمسية، لكن اتعلمنا بسرعة وحفرنا فى الصحراء عشان نثبت الألواح الشمسية اللى كنت أول مرة أشوفها فى حياتى، وبدأنا فى تركيبها وتوصيل الأسلاك والمعدات، ويوم بعد يوم، الصحرا بقت أكبر محطة توليد كهرباء بالطاقة الشمسية»، حسبة حسين فى الاتجاه للعمل بالمحطة لم تخل من الجانب المادى «بناخد فى الأسبوع 600 جنيه، رضا ونعمة، فى ظل سوق عمل مفيهوش فرص خصوصاً للشباب، والأهم من ده إننا بنعمل حاجة كبيرة للبلد، أصل ما يقدّرش نعمة الكهرباء غير اللى عاش سنين محروم منها، وإحنا فى الصعيد ياما ذاكرنا على نور ربنا، وياما عشنا من غير كهرباء».