«الوطن» تحقق فى أسباب انهيار منازل الموت فى الإسكندرية
لم يعد بإمكان الطفل عادل السيد 6 سنوات أن ينام تحت أى سقف مطمئن البال بعد نجاته بأعجوبة من انهيارات عقارات الموت بالإسكندرية، وعجز والده عن طمأنته، خاصة بعد أن فقد أعز صديقاته وهى جارته «هدير» والتى كانت تزامله اللعب لكنها لم تزامله فى النجاة من الانهيارات.
وكلما خلد عادل إلى النوم طرح السؤال: «البيت ده ممكن يقع.. أنا ممكن أصحى ألاقى نفسى تانى تحت فى الظلمة تحت الأرض؟».[Quote_2]
فيما يعيش الآلاف من أبناء الإسكندرية مثل عادل تحت أسقف لا يأمنون على أنفسهم منها، ويرهنون أرواحهم داخل مبانٍ يحملون بداخلها قرارات الإزالة والترميم التى لا يقدرون على تنفيذها لعدم امتلاكهم البديل، وحادث انهيار أربعة عقارات بحى الجمرك الذى تسبب فى مصرع 19 شخصاً وإصابة 7 آخرين خير دليل.
وشهدت المدينة بعد أيام من حادث حى الجمرك، انهيارات جزئية لعقارات وحدوث ميل لأخرى، آخرها العقار رقم 18 بشارع مسجد «الفروى» بقسم شرطة المنشية، وهو عقار مكون من 15 طابقا «بناء حديث» مما ترتب عليه حدوث تصدعات وشروخ بعقار ملاصق له.
وكانت فوضى البناء إبان فترة الثورة بالإسكندرية قد تسببت فى بناء نحو 10 آلاف عقار بدون ترخيص، وصفها محافظ الإسكندرية الدكتور أسامة الفولى بأنها قنابل موقوتة، حيث مثلت تهديدا أكثر خطورة من العقارات القديمة؛ لأنها شيدت بأعداد كبيرة من الطوابق مما يعنى أن انهيارها سوف يطول العقارات المجاورة لها، وهو ما حدث فى عقارات الجمرك.[Image_2]
وبعد يومين من حادث انهيارات الجمرك، شهدت الإسكندرية حدوث انهيار جزئى لعقار مكون من طابقين بجوار سوق السمك، وتبين أن العقار صادر له قرار ترميم من حى الجمرك يحمل رقم 28 ولم ينفذ.
كما رفض سكان عقارين مهددين بالانهيار بالإسكندرية إخلاء منازلهم بعد ميل عقار وبدء تساقط العقار الآخر، وتبين وجود ميل بالعقار الأول رقم 7 بشارع القلعى، والعقار بناء قديم من أسقف خشبية وحوائط حاملة مكون من طابق أرضى وطابقين، بكل طابق شقة مأهولة بالسكان.
وتبين حدوث ميل بالعقار من جهة الأمام بالطريق، وتقرر إخلاء العقار دون المنقولات؛ لكن الأهالى رفضوا الإخلاء.
أما العقار الثانى، فهو بناء قديم مساحته 100 متر، مكون من 5 طوابق متكررة، وتبين سقوط شرفة الطابق الأخير بالعقار على إحدى السيارات.
ولم يستجب سكان العقارين لقرارات الإخلاء التى صدرت لهم وقرروا البقاء فى تلك العقارات على مسئوليتهم الشخصية.
وعبر سكان العقارات الصادر لهم قرارات إزالة عن عدم رغبتهم فى ترك منازلهم لعدم قدرتهم على إيجاد مساكن بديلة.
ويقول أحمد السيد، 39 سنة، من سكان أحد العقارات الصادر لها قرار إزالة بالإسكندرية: «أنا عايز أمشى من البيت لأنى خايف على عيالى ونفسى، بس أنا معنديش بيت تانى أعيش فيه»، وأضاف: «إذا كنت واثق أن المحافظة حتجبلى بيت بديل كنت طلعت من زمان».
ويتفق مع أحمد العديد من سكان العقارات الصادر لها قرارات إزالة بالإسكندرية ويرفضون تنفيذها، إذ يقول محمد سمير، 29 سنة: «إذا كانوا مجبوش بيوت للناس اللى بيوتها وقعت حيجبوا للى بيوتهم لسة حتقع».
وأدى تأخر تخصيص محافظة الإسكندرية لشقق لسكان عقارات الجمرك المنكوبة إلى احتجاجهم أمام إحدى بوابات ميناء الإسكندرية.
ويشكو المسئولون بمحافظة الإسكندرية من عدم توفر مساكن إيواء كافية للحالات الطارئة، واضطر محافظ الإسكندرية لتسكين أسر عقارين منكوبين بحى الجمرك خلال العام الماضى بغرف بأحد الفنادق التابعة لوزارة الشباب بشكل مؤقت لعدم توفر مساكن بديلة لدى المحافظة.
ويكتفى المسئولون بأخذ تعهدات من المواطنين الذين يتمسكون بالإقامة فى منازل آيلة للسقوط بأنهم يقيمون على مسئوليتهم الشخصية، وذلك ليخلوا مسئوليتهم فى حالة حدوث أى كارثة.
ويصف الدكتور أحمد غانم الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية ما يحدث بالإسكندرية بأنه غير إنسانى.
وعن تلك التعهدات يقول: «على المسئولين أن يخافوا الله، وعليهم قبل أن يأخذوا تعهدات الموت من المواطنين المضطرين للبقاء فى تلك المنازل، أن يتعهدوا هم لهؤلاء بإيجاد منازل بديلة لهم».
فيما يحمل محمد يكن، المحامى عن أسر الضحايا، ووكيل مؤسسى حزب الأحرار الدستوريين المسئولية فى انهيارات الإسكندرية للمحافظ.
ويقول: «إن المحافظ هو المسئول عن متابعة قرارات الإزالة، ولا أتصور أن يحمل المسئولية لأحد غيره وعليه أن يجد الآلية لتنفيذ قراراته خاصة إذا كانت تتعلق بأرواح الناس».
وأضاف أن التعويضات التى تصرفها المحافظة لأسر الضحايا غير كافية، كما أنها تتأخر فى توفير مساكن بديلة لهم.
وتساءل: بأى منطق ينتظر المحافظ أن يخرج الآلاف من منازلهم الصادر لها قرارات إزالة، وهم يرون من سقطت منازلهم مشردين فى الشوارع ولا توفر لهم المحافظة بديلاً.
وقال إن المواطنين يفضلون الموت عن البقاء فى الشارع، وكان بالأحرى من المحافظة أن توفر مشاريع إسكان ومدناً جديدة كبديل عن العشوائيات التى أصبحت تهدد حياة الآلوف.
وتعانى أحياء مثل: المنتزه والجمرك وغرب الإسكندرية من مشكلة تكدس العديد من المنازل القديمة فى المناطق العشوائية، تلك المساكن التى لا يوجد للعديد منها ملفات بنائية فى الأحياء، كما تعانى مناطق مثل العجمى من بناء المئات من العقارات الجديدة بدون تراخيص.
ويقول محمد حسين، 27 سنة أحد سكان منطقة البيطاش بالعجمى: إننى أرى كل يوم منزلا جديدا يبنى فى العجمى.[Quote_1]
وأضاف: كل تلك المبانى مشيدة بدون ترخيص، ولا أحد يعرف عنها شيئا.
ويفضل الكثير من أبناء الإسكندرية خاصة من الشباب شراء الشقق فى العقارات غير الصادر لها تراخيص بناء لأنها تكون بأسعار أقل بكثير من العقارات المرخصة.
فيما حذرت محافظة الإسكندرية المواطنين من التعامل مع تلك العقارات، واعتبرت المحافظة أن الذى يقوم بشراء شقة فى عقار غير مرخص يعد شريكا فى الجريمة.
ويرد أحمد فرج، 26 سنة محاسب، على تحذير المحافظة بقوله: «قبل ما تحذرونا، اعملوا حاجة فى أسعار الشقق اللى خلت معظم الشباب دلوقتى ميدورش على تراخيص».
وتساءل: لماذا لم تمنع المحافظة بناء تلك العقارات المخالفة قبل أن تحمّل الشباب المضطر للشراء فيها لرخص ثمنها المسئولية؟
وطالب المحافظة بأن تتحمل هى مسئوليتها قبل أن تحملها للمواطنين.