ضاقت فلما استحكمت حلقاتها..
بيدين استطاعت شمس الظهيرة على مدار عقود أن تحيل لونيهما إلى الأحمر الداكن؛ يجلس بمهارة ليرتق شباك صيده، ويضيّق الحلقات فيما بينها حتى لا يستطيع رزقه أن يهرب، فى قرارة نفسه يكره الحلقات التى تضيق والتى تستحكم على معيشته ومعيشة أسرته، يُضطر إلى أن يضيّق الحلقات أكثر فأكثر ليعالج رتقاً لم يهتم أن يحيكه فى القميص الذى يرتديه. فوق كتفه الأيمن يتسع الرتق الذى تبدو عليه محاولات سابقة لحياكته بخيط أبيض، فشلت بمرور الوقت فى أن تكون متقنة، وتناسى هو أمرها أمام شبكته الكبيرة.
يمسك خيط السنارة بدقة يُحسد عليها، يعزف مقطوعته على «قانون» الحياة بأوتاره الكثيرة، صوت القانون حزين ملىء بالشجن يناسب حاله، ويناسب مهارته فى معرفة الأوتار الكثيرة التى يحنى ظهره فوقها، ينشغل الناس عن تلك المقطوعة التى يغزلها الصياد لأن من حوله فى ذات الهمِّ سواء، لكنه لا يتوقف عن عمله إلا بعد انتهاء المقطوعة، لن يصفق له إلا أهله وذووه وأطفاله الذين ينتظرون عودته محملاً بالمال أو بالسمك الذى لم يستطع بيعه، أو على أقل تقدير بالبسمة التى تعدهم بأن البحر سيعطيه ما يريده حين يقصده غداً لأنه عالج رتقاً فى الشباك وضيَّق حلقاتها.. رغم أنها حين ضاقت عليه.. تأكد فى قرارة نفسه أنها ستُفرج.