تقارير دولية: «أنقرة» تخشى تزايد قوة الأكراد.. واستهداف الإرهابيين أكذوبة
القوات التركية فى منطقة «عفرين»
على مدار 11 يوماً ماضية، تغولت تركيا فى عدوانها على شمال سوريا بحجة مواجهة الإرهابيين على حدودها، فى وقت كشفت فيه تقارير ووسائل إعلام دولية عن كذب الادعاءات التركية بشأن استهداف «إرهابيين» فقط، خصوصاً بعد سقوط مدنيين ضحايا للقصف التركى، فى وقت أصيبت فيه الإدارة الأمريكية بحالة من الارتباك، وسط غموض حول جدوى استراتيجية الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط بشكل عام، وفى سوريا بشكل خاص.
«شيكاغو تريبيون»: «غصن الزيتون» تكشف محدودية سياسات «ترامب» فى الشرق الأوسط.. وخبراء: «واشنطن» مجبرة على الحفاظ على علاقاتها مع الأكراد وتركيا فى نفس الوقت
معهد «بروكنجز» الأمريكى يرى أن قرار تركيا بغزو «عفرين» لم يكن مفاجئاً على الإطلاق، فعلى مدار 3 سنوات ماضية لجأت الولايات المتحدة إلى تسليح قوات سوريا الديمقراطية التى يغلب عليها الطابع الكردى بشكل كبير، وهو ما جعل الأكراد هم المهيمن الأول سياسياً وعسكرياً فى منطقة شمال سوريا، ولكن لأن تركيا تتهم وحدات حماية الشعب الكردية بأنها منظمة شقيقة لحزب العمال الكردستانى المحظور، فإن «أنقرة» تخشى أن تتزايد قوة «أكراد سوريا» بشكل كبير يشعل رغبات أكراد تركيا المكبوتة فى التمرد ضد حكومة «العدالة والتنمية»، وأضاف المعهد الأمريكى: «بات لدى تركيا عادة سيئة فى اتباع سياسات فى سوريا تتسبب فى تراجع الدولة التركية خطوتين إلى الوراء، فعلى سبيل المثال.. لا تكمن جذور الأزمة الحالية فى الدعم الأمريكى لوحدات حماية الشعب الكردية، وإنما فى الدعم التركى المتواصل لفصائل المعارضة التى تعمل من داخل تركيا وتسعى إلى الإطاحة بالرئيس السورى بشار الأسد ورفض إقامة حكم ذاتى للأكراد فى مرحلة ما بعد (الأسد)، وقد تسببت هذه السياسات فى بعض الأحيان إلى دفع الأكراد نحو التحالف مع نظام (الأسد) فى أحيان معينة رغم التاريخ المعروف للنظام السورى فى قمع الأكراد.. وبهذا استطاعت قوات سوريا الديمقراطية احتواء الفراغ الناتج عن الدعم التركى للجماعات المسلحة فى تركيا».
باحث أمريكى: مشكلة «واشنطن» أنها تنظر للأزمة السورية من منظور «ضيق».. والهجوم التركى قد يؤدى إلى «ثورة كردية» تغير خريطة المنطقة
أما صحيفة «شيكاغو تريبيون» الأمريكية، فترى أن «الهجوم التركى على عفرين يكشف بوضوح مدى محدودية السياسات الأمريكية التى تتبعها إدارة (ترامب) فى الشرق الأوسط، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول مدى جدوى خطط واشنطن للحفاظ على وجودها العسكرى فى سوريا بدون أن تكون على استعداد لخوض معارك أوسع أو أن تكون أكثر انخراطاً فى المعارك الجارية بالفعل»، وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن خبراء ومراقبين لشئون الشرق الأوسط يرون أن مشكلة «واشنطن» تكمن فى أنها مجبرة على الحفاظ على علاقاتها مع طرفين يتحاربان فى الأساس، وهما قوات سوريا الديمقراطية، التى تحتاجها «واشنطن» لتطبيق سياساتها فى سوريا والحفاظ على وجودها العسكرى، إضافة إلى تركيا التى تسعى «واشنطن» للحفاظ على علاقاتها معها باعتبارها أكبر حليف لها فى الحرب على «داعش» فى سوريا.
نوا بونزى، محلل الشأن السورى بالمجموعة الدولية للأزمات، قال لـ«شيكاغو تريبيون»، إن الوضع الحالى يسلط الضوء على الصعوبات الرئيسية التى تعانى منها استراتيجية الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنه «ليس هناك إجابات سهلة أبداً لهذه المعادلة الصعبة، وهو ما يظهر فى محاولات (واشنطن) لإحداث نوع من التوازن فى الوضع منذ بدء الهجوم التركى على (عفرين)»، بينما تشير جونول تول، مديرة مركز الدراسات التركية بمعهد الشرق الأوسط فى «واشنطن»، إن «ما سيمثل أزمة حقيقية بالنسبة للولايات المتحدة هو تنفيذ تهديدات (أردوغان) وغيره من القادة الأتراك بشأن الهجوم على منبج، لأنه مهما حاولت الولايات المتحدة فإنها ستظل فى حاجة إلى الأكراد، وعلى الجانب الآخر تركيا عضو فى حلف شمال الأطلسى (ناتو)، وهذا يعنى أنه سيكون على الولايات المتحدة أن تختار جانباً تقف إلى جواره».
محلل تركى: «أنقرة» حصلت على الضوء الأخضر من «موسكو».. ولو كانت «واشنطن» اعترضت لأغلقت تركيا قاعدة «إنجيرليك»
سام هيلر، زميل مؤسسة «سينشرى» للأبحاث والدراسات، يقول إن أزمة «واشنطن» فى الوقت الحالى هى أنها نظرت للأزمة السورية من منظور ضيق فى عام 2014، وهو هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابى، والآن بات الإرهاب على وشك الهزيمة بشكل كامل فى سوريا، وهو ما يضع الولايات المتحدة فى موقف ليس لديها بديل فيه، أما صحيفة «ذا جارديان» البريطانية، فرأت أن «هجوم تركيا على أكراد عفرين فى سوريا بوسعه أن يقلب منطقة الشرق الأوسط بأسرها رأساً على عقب»، مضيفة أن «جبهة الصراع الجديدة بين تركيا والأكراد السوريين ليست مجرد صراع محلى بل صراع يمكن أن يؤدى إلى اندلاع ثورة كردية على نطاق أوسع تعيد رسم خريطة المنطقة».
واستشهدت «جارديان» بمعاناة الأكراد فى أى دولة يوجدون فيها، مضيفة «يتحملون العيش فى ظروف محفوفة بالمخاطر، وهناك مثلاً معاناة الشعب الكردى غرب إيران من اضطهاد كبير على يد الجمهورية الإيرانية»، وتابعت الصحيفة: «لقد حان الوقت أن يواجه الغرب أخيراً السؤال الصعب.. وهو: ما الذى تسعى القوى الغربية لتحقيقه فى الشرق الأوسط؟ بالتأكيد هو سؤال صعب لكنه يحتاج إلى إجابة وفى غياب جواب، ستستمر الأحداث التى تتكشف فى عفرين وما سيتبعها فى إثارة عواقب لا تصب إلا فى صالح جهات أخرى».
الصحفى البريطانى المخضرم روبرت فيسك حذر من تردى الوضع الإنسان فى المنطقة التى يشن فيها الجيش التركى وحلفاؤه عملياتهم العسكرية، مشيراً -فى تقرير لصحيفة «إندبندنت» من داخل «عفرين» نفسها- إلى أن «الآثار المأساوية للقصف لا تزال موجودة، حيث أحذية المواطنين المقيمين لا تزال متناثرة عند أبواب المنازل المنكوبة»، مشيراً إلى أن بعضهم لم يكونوا من الأكراد، بل لاجئين عرب من قرية «تل قراح» فى ريف حلب، مؤكداً أن المصابين الذين تتهمهم تركيا بأنهم «إرهابيون» ما هم إلا «مدنيون» مسنون وأطفال ونساء، والعديد منهم من اللاجئين العرب وليس الأكراد.
ويقول المحلل التركى نيفزات جيجك، فى تصريحات لإحدى القنوات التركية، إنه «لو كانت الولايات المتحدة أعلنت صراحة معارضتها لعملية (غصن الزيتون) التركية، لكانت أنقرة ردت بإغلاق قاعدة إنجيرليك التركية فى وجه القوات الأمريكية»، مؤكداً أن «تركيا نجحت فى إخراج هذه العملية بشكل كبير.. كل شىء تم التوافق عليه مع روسيا.. وقد حصلت على معلومات على مستويات عالية، تؤكد أن تركيا عازمة على الاستمرار فى هذه المعركة، وهذا أمر لم يكن سراً أبداً بالنسبة للولايات المتحدة».
أما مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، فتؤكد أنه فى الوقت الذى كان يجب أن تكون فيه السياسات الأمريكية والتركية تتشاركان الهدف نفسه، وهو عزل نظام «الأسد» والقضاء على النفوذ الإيرانى فى سوريا والقضاء على التهديدات الإرهابية، وهى أهداف تسعى تركيا خصيصاً من خلالها للإطاحة بالرئيس السورى بشار الأسد، مع عدم السماح بإقامة دولة كردية أو حكم ذاتى لأكراد سوريا المتحالفين مع حزب العمال الكردستانى، بحسب وصف المجلة. وتابعت: «قد يبدو الأمر صعباً أو مستحيلاً، ولكن قبل عقد تقريباً كان أكراد العراق أعداء لـ(أنقرة) ولكنهم الآن أصدقاء، وعلى الولايات المتحدة أن تحاول وصل العلاقات بين أكراد سوريا وتركيا، لضمان تحقيق أهداف السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط».