قصص وحكايات توكيلات «السيسى»: أملنا فيه بعد ربنا كبير
«جليلة» مع زوج ابنتها وحفيدها
وشاح على كتفيه، وآخر عقده حول رأسه، وطبقات مختلفة من الملابس فوق جسده، وفى يديه بطاقته الشخصية و50 جنيهاً، ظن أنه سيدفعها حين يُحرّر توكيلاً للرئيس عبدالفتاح السيسى، وعن يمينه كانت توجد أم تحمل طفلها فوق كتفيها، وشيخ طاعن فى السن يستند على عكاز معدنى، وسيدة انتظرت دورها رغم تخلى الكثيرين لها عن دورهم لكبرها فى السن، داخل أحد مكاتب التوثيق بالقليوبية.
منذ الـ6 صباحاً، وسمير إبراهيم، ذو الـ62 عاماً، يعد نفسه للذهاب إلى مكتب الشهر العقارى والتوثيق بشبرا الخيمة. يتأكد الرجل من أن محفظته تحوى البطاقة وصورة لها، وأخذ معه 50 جنيهاً تصور أنه سيدفعها حين يُحرّر توكيلاً، لكنه حين وصل إلى المقر وجد نفسه وحيداً، لتخبره سيدة تبيع الخبز قُرب المكان أن الأعداد ستزيد بعد قليل، وأن حضوره للمكان كان مبكراً: «أول حاجة جيت بدرى على الفاضى، وجبت معايا فلوس على الفاضى، بس كله يهون علشان البلد» يحكى الرجل الذى وصل إلى سن المعاش، بعد عمل طويل فى صناعة الزجاج، ويعمل الآن سائقاً على عربة: «أنا باتحرك من دماغى، واللى شايفه صح باعمله، والراجل ده قدم حاجات كتير، يمكن خيرها ماظهرش دلوقتى بس هيظهر الفترة الجاية»، يحكى «سمير» وهو يقف فى طابور طويل لتحرير التوكيلات اللازمة للمرشحين المحتملين، التى نص عليها قانون الانتخابات الرئاسية، وحدّد 25 ألف توكيل من 15 محافظة مختلفة: «كنت قاعد مع أصحابى، فلقيتهم بيقولوا على التوكيلات دى، فأخدت قرار بينى وبين نفسى إنى لا بد وهاشارك».
«أم هاشم» تؤيده بسبب «التعليم» وتتعهّد للنساء فى الشهر العقارى: «هاجيب جوزى وكل قرايبى».. و«ثُريا» تؤكد: «زى ما عملنا فى الانتخابات هنعمل فى التوكيلات».. و«جليلة» توقظ العائلة بالأمر المباشر: خدت بنتى وجوزها وابنها ورحنا نعمل التوكيلات وهوصى السيسى يأخد باله مننا فى الأسعار
على كتفها وضعت «أم هاشم عبدالفتاح» طفلها الصغير، وهى تقف أمام باب خشبى يدخل إليه المواطنون واحداً تلو الآخر لتحرير التوكيلات، تحاول إسكاته عن البكاء دون استجابة منه، فتعطيه لابنتها الصغيرة لتخرج به من المكان حتى يكف عن البكاء: «أنا جاية النهارده لحد هنا مخصوص علشان وزير التعليم الجديد، الريس جاب شخص صح فى المكان الصح، وهاعمل له توكيل علشان خاطر بس يخلى باله من التعليم أكتر»، تحكى السيدة التى لها فى المرحلة الابتدائية 3 أطفال، تجلس معهم فى البيت لتعليمهم: «ربة بيت، وجوزى قهوجى، لا لينا فى سياسة ولا غيره، بس أنا عندى أمل أن العيال دى تتعلم صح، والسيسى باحمله الأمانة دى فى رقبته». لم يرفض زوج «أم هاشم» ذهابها لتحرير توكيل، لكنه تكاسل عن الأمر، ورفض الذهاب، لكن السيدة الثلاثينية، تؤكد بكلمات حازمة، أنها لن تقبل أن تمر تلك الفترة دون أن يُحرر زوجها له توكيلاً. تقاطعها ثُريا عبدالهادى، التى أكدت أنها هى الأخرى ستكون سبباً فى قدوم زوجها وأبنائها لتحرير التوكيلات: «علشان نفسنا العيال تشتغل والأسعار تتحسّن، والمرة اللى فاتت انتخبت السيسى، وخليت قرايبى يعملوا كده، والمرة دى نفس الكلام».
على دكة خشبية، جلس عبدالوهاب عبداللطيف، يمسك بطاقته فى يده، وأذنه مع المنادى على الأسماء. لم يخرجه فى ذلك اليوم إلا تحرير ذلك التوكيل، فالرجل الذى أحيل إلى المعاش قبل 3 سنوات، لم يعد يشغله أمر: «خلاص بالنا بقى رايق، بس قلبنا على البلد». للرجل 5 أولاد، يتمنّى أن يكون خروجه فى ذلك اليوم وانتظاره تلك المدة فى سبيل سعادتهم، وسعادة أحفادهم من بعدهم، ثم لا يلبث أن يعلو بصوته: «طب عليا النعمة لو أبويا اترشح فى الانتخابات قصاد السيسى، هانتخب السيسى»، لتثير كلمته ضحك الحاضرين، ثم ينظر إلى وجوههم، معللاً اختياره: «ده راجل كفاية إنه ماخلاش فيه حروب أهلية، عايشين فى أمان»، لكن عينه على المستقبل، وطموحه أن تكون الفترة المقبلة تحمل رخصاً فى أسعار السلع الأساسية وتوظيف الشباب: «أصل إحنا كل أملنا فى الشباب، والراجل ده حطينا ثقتنا فيه، وإن شاء الله يكون قد ثقتنا».
شجار بسبب الطابور فى أحد المكاتب.. و«نوال» 70 عاماً تتعكز على زوجة ابنها: «اللى جابكم هو اللى جايبنى.. بافكر فى بكرة».. وعبدالوهاب: «عليا النعمة لو أبويا اترشح قدام السيسى هانتخب السيسى كفاية الأمن»
مثل طفلة صغيرة تعلّقت بأمها لحظة خروجها من المنزل، أمسكت نوال عبدالمحسن ذات الـ70 عاماً، بزوجة ابنها، التى همّت بالخروج من المنزل لتحرير توكيل دون اصطحاب «نوال»: «علشان بس كبيرة فى السن، ومش عايزين نتعبها»، تحكى زوجة الابن، لكن «نوال» ردت عليها بلطف: «يعنى يا بنتى مش عايزانى آجى أشارك فى حاجة زى دى، هو أنا لو ماشاركتش النهارده هاضمن بكرة يعنى». لتحرك كلماتها الجلوس حولها، وينصت إلى حديثها الواقفون: «70 سنة، وأول مرة فى حياتى أعمل توكيل لمرشح، ومارضيتش أخلى مرات ابنى تروح لوحدها». تحتسب السيدة مشقتها، لصعوبة حركتها، ثواباً عند الله، وأمراً تتمنى أن يكون له مردود إيجابى على الدولة فى الفترة المقبلة: «والله العظيم ده لله، والراجل ده عمل مشاريع وطرق حلوة وكبارى، وربنا كرمنا بيه ويا رب يكرمنا أكتر بحق جاه النبى، ويجعل سكته خضرا». يحدثها رجل أربعينى، وقف على قدمه متيحاً الجلوس لسيدة حامل، وهو يغمز بعينيه لأحد أصدقائه، وعلى وجهه ابتسامة فسّرها حديثه: «يعنى انتى جاية ليه برضه وانتى كبيرة فى السن وتاعبة مرات ابنك معاكى»، لتجيب عليه فى حدة: «اللى جابنى جابك، محدش يقدر يحرمنى من حقى، ولما ربنا يكرم، والانتخابات تبدأ هانزل برضه».
فى الصباح، أيقظت «جليلة إبراهيم» حفيدها «محمد»، وأمه، وزوجها، واصطحبت الـ3 إلى مقر المكتب لتحرير التوكيلات، ورغم تذمّر الصغير الذى يدرس فى المرحلة الابتدائية، إلا أن جدته حرصت على اصطحابه: «لازم يعرف الفترة دى كويس، ويبقى شارك فيها، حتى لو بحضوره»، تحكى الجدة، بينما وقفت الأم تبتسم أمام المشهد: «والله ما منزلنى من بيتى فى السقعة دى غير أن نفسى بلدنا تبقى حلوة، وعندى أمنية أن السيسى يقضى على الإرهاب علشان كفاية دم، ويخلى باله مننا فى موضوع الأسعار ده».