المجتمع المدنى يدخل مجال تعليم محدودى الدخل وتغيير نظرة المجتمع للتعليم الفنى
يعد التعليم الفنى أحد أهم أضلاع منظومة التقدم والتنمية، ليس فى مصر فقط، لكن فى العالم بأسره؛ حيث يلعب دوراً محورياً فى تسيير دفة الحياة الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر.
ولعل التقدم الهائل الذى حققته كل من اليابان وألمانيا وإيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية يرجع الفضل فيه إلى الاهتمام بالتعليم الفنى، الأمر الذى جعل مؤسسة مصر الخير، وهى إحدى مؤسسات العمل التنموى بمصر، تسير على هذا النهج حينما وجدت أن الدول النامية التى تنشد التقدم اتجهت أيضا إلى تطوير منظومة ذلك الفارس المغوار الذى جعل كلاً من اليابان وأستراليا وأمريكا وألمانيا وبريطانيا فى مقدمة اقتصادات العالم وجعل مراكز التعليم والتدريب فيها قبلة الراغبين فى مزيد من الإتقان أو التدريب أو إعادة التدريب على كل مستجد.
وهنا وجدت مؤسسة مصر الخير أهمية مشاركة المجتمع المدنى فى تطوير التعليم الفنى الذى يعتبر من أهم حلقات الوصل مع سوق العمل التى عانت كثيرا فى مصر من النظرة الدونية مثل كثير من الأشياء رغم ما تتمتع به هذه الأشياء من مكانة وطابع مميز؛ فثقافة المجتمع انطبعت على التعليم الفنى، ليصبح فى نظرها درجة ثالثة، وكيف لا ينظر لهم المجتمع هذه النظرة وهو ما زال ينظر إلى كلية الطب والهندسة باعتبارهما كليتى قمة، وما دونهما من كليات؛ فدارسوها ليسوا من المتفوقين بل من المقصرين فى دراستهم؟
التعليم الفنى فى مصر مثله مثل أشياء كثيرة لا تلقى اهتماما حقيقيا من قِبل الدولة، وربما هذا ما دفع منظمات المجتمع المدنى كعادتها لمحاولة تطوير ومساعدة كل ما يحتاج لذلك فى المجتمع؛ فكما ساعدت الفقراء تذهب إلى مساعدة أبنائهم، فقد بدأت عدد من الجمعيات الأهلية تدخل مجال التعليم الفنى لتوفير تعليم مناسب لأبناء هذه الطبقة، وتأهيلهم حتى يستطيعوا مواكبة سوق العمل.
وفى هذا الإطار، تقول نشوى أيوب، رئيس قطاع التعليم بمؤسسة مصر الخير: إن التعليم الفنى وصل إلى مستوى منحدر من التدهور، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أولها الطالب نفسه؛ حيث إن هناك نظرة ثابتة لدى الطالب بدونية هذا النوع من التعليم مقارنة بطالب الثانوى العام؛ حيث انطبعت له النظرة من المجتمع حوله الذى ينظر للتعليم الفنى نظرة دونية، فى المقابل تنظر له الدول المتقدمة نظرة هائلة، ثانى هذه الأسباب هو القائمون على العملية التعليمية نفسها وهم المدرسون، فلا تتوافر فيهم المواصفات المفترض توافرها فى مدرس التعليم الفنى؛ حيث إن معظمهم لم يتلقَّ التدريب الكافى لتأهيله لعدم وجود برامج تدريبية كافية ولارتفاع تكلفة التدريب لهم، فضلا عمّا يعانونه من ضعف مستوى الدخل والأجور الضعيفة فيلجأ كثير منهم إلى العمل بالمهنة الفنية (داخل ورشة خاصة أو خلافه) التى يدرسونها عقب انتهاء العمل المدرسى.
وأضافت «أيوب» أن ثالث هذه الأسباب هو المدرسة، التى لا تتوافر بها الأجهزة والمعدات التى يقوم الطلاب بالتدريب من خلالها، إضافة إلى أن ورش التدريب متهالكة، ويعود العمر الزمنى لها للستينات، فيما يتمثل رابع هذه الأسباب فى النظام (البرنامج)؛ حيث لا تتواكب المناهج مع احتياجات العصر، وبالتالى لا يوجد أى تأهيل عبر وسائل ومعلومات حديثة.
وأوضحت «أيوب» أنه نظرا لاحتياج عدد من رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمهتمين بسوق العمل بالعمالة الماهرة لتلبية احتياجاتهم فى الإنتاج، فقد قام عثمان أحمد عثمان، صاحب شركة «المقاولون العرب»، بإنشاء مدرستين لتعليم الشباب الأعمال الفنية والمهنية، وتدريبهم فى المصانع التى يترأسها، وعلى غرار هذا النموذج اهتمت مؤسسة مصر الخير بالتعليم الفنى عبر دائرة متكاملة؛ حيث بدأت إنشاء مدارس للتعليم الفنى ومراكز للتدريب، وعقب ذلك يتم توفير فرص عمل لهم فى المصانع والمزارع؛ حيث قامت المؤسسة بالمساهمة فى إنشاء مدرستين للتعليم الفنى إحداهما بالقاهرة والأخرى بالسويس؛ حيث كانت هناك مدرسة للتعليم الفنى بالسويس كسائر مدارس التعليم الفنى وهى مدرسة الصناعات الفنية المتقدمة، وقد قامت «مصر الخير» بإنشاء قسم للبتروكيماويات داخل هذه المدرسة، وتستقبل الطلاب المتميزين فى الشهادة الإعدادية الذين يتجاوز مجموعهم 90%، وهذه المدرسة تقوم بتخريج الطلاب بتقنيات ومهارات هائلة تتناسب مع الخارج وبنظم تعليم تكنولوجية ومبتكرة؛ حيث يتم تطبيق نظام «ستيم»، وهو نظام تعليمى موجود بالخارج منذ حوالى 10 سنوات يتم تطبيقه على الطلاب؛ حيث يركز على البحث والاستقصاء وتنفيذ المشروعات العلمية المختلفة ويقوم فيه المعلم والطالب بالعمل معا على دمج محتوى ومهارات العلوم المختلفة والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات حسب الاقتضاء للإجابة عن الأسئلة المعقدة والبحث فى القضايا المحلية والعالمية ووضع الحلول للتحديات والمشاكل التى تقابل صناعة البتروكيماويات فى مصر والوطن العربى والعالم، وبناء على ذلك يتم وضع معايير لاختيار المدرسين، وتتم إعارتهم بالخارج لفترة للتدريب واكتساب المهارات المختلفة والتعرف على التقنيات الجديدة؛ حيث يكون أمام خريجى المدرسة الفرصة فى 3 أشياء: إما تخريج تقنيين وفنيين ماهرين فى مجال البتروكيماويات، أو لاستكمال دراستهم فى الجامعات المصرية أو الحصول على منحة للدراسة بالخارج. على الجانب الآخر وعلى مستوى مدارس الـSTEM تقوم مؤسسة مصر الخير بتقديم الدعم المالى لتغطية تكاليف الدراسة بمدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا بالسادس من أكتوبر والمعادى وذلك لعدد حوالى 380 طالبا وطالبة، التى تتم فيها الدراسة وفقا لنظام STEM، كما أيضاً توفر للطلاب المتخرجين فى هذه المدارس فرص للمنح الدراسية لاستكمال دراستهم الجامعية خارج وداخل مصر فى الكثير من الجامعات الدولية المتخصصة.
فيما تقوم المؤسسة بالاهتمام بطلاب التعليم الفنى كذلك بشكل آخر؛ حيث تقوم بتدريبهم فى المزارع والمشاريع الصغيرة التى تنشئها، بالإضافة إلى توفير فرص عمل لهم، فى مشاريعها الصغيرة التى أعدتها والتى يبلغ عددها 400 مشروع. عبدالرحمن ناجى، مدير العليم الفنى فى المؤسسة، يرجع تفاقم مشكلة التعليم الفنى فى مصر إلى عدم ربط الطالب بسوق العمل، وهو ما اهتمت به مؤسسة مصر الخير؛ حيث قامت بتدريب 1244 طالبا فى 8 مدارس ببنى سويف، تم توفير 215 فرصة عمل لعدد منهم، فيما تم توفير 215 فرصة عمل لهم عن طريق التوظيف غير المباشر وما يسمى «الشنط»؛ حيث يحصل التقنى على شنطة متكاملة يتراوح سعرها بين 1000 و2000 جنيه، يقوم من خلالها الفنى بعمله، وتقوم المؤسسة بمتابعته لمدة 6 شهور. وأضاف «ناجى» أن المؤسسة اهتمت كذلك بالتعليم الفنى الزراعى؛ حيث قامت بتدريب طلاب 3 مدارس فى مجال الإنتاج الحيوانى؛ حيث استهدفت المؤسسة 1000 طالب فى هذا المجال، تم تأهيل 500 فرد منهم، وسيتم تأهيل المتبقى منهم حتى فبراير 2014.
فيما تم توفير 35 فرصة عمل لـ35 متخرجا منهم، وقامت المؤسسة، فى مجال التعليم الفنى الصناعى، بالاتجاه إلى 8 مشاريع بالفيوم، بالتعاون مع مؤسسة «دروسوس» السويسرية فى التمويل؛ حيث يعمل المشروع على تطوير كفاءة 400 معلم وتطوير 12 ورشة وتأهيل 4000 طالب، ومن المستهدف توفير 3200 فرصة عمل بنهاية عمر المشروع الذى يستمر 4 سنوات، وتعتمد منهجية التدريب بشكل أساسى على ما يسمى مستويات الجدارة المهنية، المطبق فى الخارج، وذلك بالتنسيق مع مجلس التدريب الصناعى التابع لوزارة التجارة والصناعة.
وهناك عدة مشاريع أخرى ترعاها «مصر الخير» فى التدريب المهنى والتعليم الفنى؛ فهناك مشروع واسع لتأهيل الشباب يسمى مشروع تمكين الشباب، وهو مشروع ممول من الصندوق اليابانى للتنمية وبإدارة من البنك الدولى، وتنفيذ مشترك بين المجلس القومى للأمومة و«مصر الخير» ويتم تنفيذه فى محافظات الفيوم والغربية وبنى سويف وأسيوط وسوهاج والقاهرة، ويستهدف هذا المشروع تدريب 10 آلاف طالب وتوفير 4 آلاف فرصة عمل، كما أن هناك مشروع التدريب من أجل التوظيف الممول من الصندوق الاجتماعى للتنمية ويستهدف تدريب وتوظيف عدد 150 وهناك العديد من المبادرات الأخرى التى ما زالت فى إطار التخطيط والتجربة.