أولها قرارات اقتصادية وآخرها تحركات دولية.. قصة الاحتجاجات الإيرانية
مظاهرات إيران
حالة ترقب عالمية لما يشهده الداخل الإيراني، بعد تصاعد متسارع في الاحتجاجات الشعبية، وهو ما يعتبر أمرا نادرا في البلاد، بسبب إحكام القيادة الدينية على مقاليد السلطة، بما يسمى "ولاية الفقيه".
ورغم الخلفية الاقتصادية التي انطلقت منها المظاهرات، إلا أنها بدأت تتسع لتأخذ منحنى آخر أكثر حدة طال قضايا حقوق الإنسان والقمع والحريات، التي لطالما كانت مسائل يصعب التحدث عنها في إيران، حيث مرت الأحداث بوتيرة سريعة خلال الأيام الماضية تمثلت أبرز عناوينها في:
قرارات اقتصادية تثير استياء المواطنين:
أعلن الرئيس حسن روحاني منذ حوالي أسبوعين نية حكومته رفع أسعار الوقود والخبز، ومواد غذائية أخرى، في الموازنة الجديدة لعام 2018، المقرر العمل بها في مارس المقبل، حيث استبعدت نحو 30 مليون فرد من الدعم، مقابل رفع أسعار الطاقة وخصوصًا البنزين بنسب تصل إلى 50%.
سبق هذه القرارات ارتفاعات في أسعار البيض والدواجن وصلت إلى 40%، ما أثار استياء المواطنين والمعارضين، واتهموا الحكومة بتوفير إيراداتها من قوت الإيرانيين.
بينما هي على الجانب الآخر، ترفع مخصصات الحرس الثوري إلى 7.6 مليار دولار، مقارنة بـ4 مليارات دولار في الموازنة السابقة.
انطلاق شرارة الاحتجاجات:
في 28 ديسمبر، انطلقت مظاهرات في مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية، تراوح عدد المحتجين فيها بين 300 إلى 400 شخص بحسب تقدير وكالة "فارس" الموالية للحكومة.
وبناء على ذلك قررت السلطات الإيرانية إغلاق محطات مترو الأنفاق في وسط المدينة منعًا لتدفق المزيد من المحتجين، بجانب إخراج مسيرات شعبية داعمة للنظام الإيراني، إذ تدفق الآلاف من الطلاب المؤيدين للحكومة للسيطرة على المكان.
اتساع رقعة المظاهرات:
في اليوم الثاني، تواصلت الاحتجاجات المناوئة للحكومة في إيران ليومها الثاني، واتسعت لتشمل عددا من المدن الإيرانية (قزوين – همدان – قوتشان – رشت – قم – الأحواز – ساري – زهدان – كرمنشاه – المحمرة)على الرغم من تحذيرات الحكومة.
وخرج المتظاهرون في العديد من المدن احتجاجا على ارتفاع الأسعار والفساد استجابة لنداءات عبر الإنترنت، حيث رفعوا شعارات "لا للغلاء"، وتصاعدت حدتها إلى أن ردد البعض شعارات "الموت للديكتاتور" في إشارة إلى روحاني، "لا غزة ولا لبنان: هي إيران" كاعتراض على السياسية الخارجية للبلاد.
وفي أول رد فعل حكومي واضح أعلن محافظ طهران، أن المتظاهرين لم يحصلوا على ترخيص بأي تجمع شعبي، وإن الشرطة ستتعامل مع الأمر، كما صرح رئيس المحكمة الثورية، حسين حيدري، لوكالة فارس للأخبار بأن 52 محتجا اعتقلوا لترديدهم شعارات وصفها بأنها "قاسية".
وأضاف حيدري: "نعتبر الاحتجاج من حقوق الناس، ولكن إذا أراد البعض التعسف في استغلال هذا الحق، فلن نتوانى في التصدي لهم".
محاولات التهدئة:
في محاولة للتهدئة دعا التليفزيون الرسمي الإيراني إلى ضرورة الإصغاء إلى مطالب الشعب المشروعة، منددًا في الوقت ذاته باستغلال وسائل الإعلام المناهضة للنظام والمجموعات المعادية للثورة الإسلامية.
وخرج المتحدث باسم الحكومة الإيرانية محمد باقر نوبخت، السبت، معلنا عن خطط اقتصادية مستقبلية في العام المقبل، حيث تم إضافة فصل كامل ضمن ميزانية العام المقبل، من أجل توفير فرص عمل للمواطنين، فضلا عن أنه تم إدخال 650 ألف فرصة عمل جديدة إلى السوق العام الماضي، بجانب تحسين المواصلات، وإخال خطوط خدمة جديدة.
في وقت لاحق قال الرئيس الإيراني خلال اجتماع الحكومة "إن لا بد من وضوح هذه الملاحظة للجميع، نحن أمة حرة والشعب يعبر عن انتقاداته بل واعتراضاته بحرية تامة طبقاً للدستور وحقوق المواطنة"، لكنه في الوقت نفسه أكد ضرورة الانتباه إلى طريقة الانتقادات والاعتراضات على النحو الذي يجعلها تنتهي إلى تحسين أوضاع البلاد.
الأمن له رأي آخر:
في الوقت ذاته، سلكت قوات الأمن والحرس الثوري الإيراني طريقا آخر، حيث هاجمت قوات الأمن وميليشيات "الباسيج" - قوات تعبئة شبه عسكرية غير دورية تتكون من متطوعين مدنيين وتخضع لإدارة الحرس الثوري الإيراني-الطلبة والمحتجين في جامعة طهران، كما أظهرت مقاطع وصور تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلقاء عناصر الأمن للقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين وضربهم بالعصى و"الهراوات" في محاولة لتفريقهم، وذلك أمام مدخل جامعة طهران وساحة "انقلاب".
وقالت المعارضة الإيرانية، إن قوات الأمن و"الباسيج" اعتقلت أكثر من 100 شخص من المشاركين في المظاهرات في ذلك اليوم.
تصاعد الاشتباكات:
في يوم الأحد الماضي، شهدت الاحتجاجات في مقاطعة "خوزستان"، تصاعدا في حدة الاشتباكات بين الطرفين، خلفت 10 قتلى على الأقل على يد قوات الأمن الإيرانية، فضلًا عن إغلاق قوات الأمن لأبواب الخروج الخاصة بمحطات المترو في "طهران" للحيلولة دون تدفق المتظاهرين.
ولتحجيم التظاهرات وعزل المؤيدين لها، أوقفت السلطات مواقع التواصل الاجتماعي "إنستجرام" و"تيلجرام" أكثر شبكات التواصل الاجتماعي شعبية في إيران، الأمر الذي ندد به الكثيرون في الداخل والخارج.
الإعلان عن سقوط 12 قتيلا:
ردا على الأحداث السابقة أخذت المظاهرات منحى أكثر عنفا، حيث هاجم متظاهرون مراكز شرطة وأشعلوا النيران بها في مساء الاثنين، وهو ما أكده التلفزيون الرسمي في بياناته، إذ عرض التليفزيون لقطات لأضرار ناجمة عن المظاهرات المناهضة للحكومة، مضيفا أن قوات الأمن تصدت "لمتظاهرين مسلحين" حاولوا الاستيلاء على مراكز شرطة وقواعد عسكرية، قابلتها قوات الأمن مقاومة صارمة، كما اتهمت "مثيري الشغب" بقتل شرطي.
عاد الإعلام الرسمي مرة أخرى ليعلن مقتل 12 شخصاً في الاحتجاجات التي تجتاح البلاد منذ الخميس الماضي.
الرفض العالمي يزداد:
استغلت أمريكا الأزمة منذ بدايتها، للهجوم على النظام الإيراني، الذي مثل عدوا لدودا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يصر في تصريحاته الهجوم على الإيران
ودعمها للإرهاب وفق قوله، وفي خطوة جديدة طالبت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي عقد اجتماعين طارئين لمجلس الأمن في نيويورك ومجلس حقوق الانسان في جنيف لبحث التطورات في إيران و"الحرية" التي يطالب بها الشعب الإيراني.
كما أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نظيره الإيراني "قلقه" حيال ارتفاع عدد ضحايا المظاهرات التي شهدتها المدن الإيرانية في الأيام الأخيرة، داعيا إلى "ضبط النفس والتهدئة"، وفي المقابل، طلب روحاني من ماكرون التحرك ضد مجموعات إيرانية "إرهابية" معارضة في فرنسا اتهمها بإثارة الاضطرابات والشغب.
يأتي هذا في ظل اشتعال الوضع، حيث أحرق متظاهرون أربعة مراقد شيعية في المدن الإيرانية الثلاثاء.