مندوب مصر بالأمم المتحدة: نجحنا فى عزل الموقف الأمريكى تجاه القدس.. وفلسطين معركتنا الدبلوماسية الأكبر
السفير عمرو أبوالعطا
أعلن مندوب مصر فى مجلس الأمن والأمم المتحدة، السفير عمرو أبوالعطا، عن كشف حساب مصر عن فترة العامين اللذين قضاهما عضواً غير دائم فى المجلس، كاشفاً عن الكثير من كواليس ما دار داخل المجلس من مناقشات ومعارك دبلوماسية حول مختلف القضايا العربية والإقليمية والدولية ودور مصر فيها، مؤكداً أن مصر اكتسبت مصداقية عالية خلال عضويتها فى المجلس واستطاعت تعزيز القضايا العربية والأفريقية المختلفة. وأكد «أبوالعطا» فى حوار لـ«الوطن» أن التاريخ سيحكم على نجاح تجربة «عضوية مصر» بالمجلس لأنها كانت عنصراً فاعلاً فى كل القضايا، مضيفاً أن القضية الفلسطينية كانت هى المعركة الدبلوماسية الأكبر داخل المجلس
«أبوالعطا» لـ«الوطن»: التاريخ سيحكم على نجاح تجربة عضوية مصر فى مجلس الأمن
كيف تصف الأجواء التى صاحبت فترة عضوية مصر فى مجلس الأمن؟
- انضمت مصر لعضوية المجلس فى توقيت دقيق تموج فيه منطقتا الشرق الأوسط وأفريقيا بالعديد من الصراعات وتمر بمرحلة تحول خطيرة، وتواجه دول وشعوب المنطقتين تحديات سياسية وأمنية وإنسانية ضخمة، ومن هنا اتجهت أنظار الدول الأعضاء فى المجلس إلى مصر كلاعب إقليمى محورى، حيث كان لآراء ومواقف وفدها بالمجلس صدى مسموع فى مختلف القضايا الإقليمية، وكان لمبادراتها خلال فترتى رئاستها للمجلس فى مايو ٢٠١٦ وأغسطس ٢٠١٧ احترامها بين الدول الأعضاء، ولم تقتصر إسهامات مصر فى المجلس على القضايا الإقليمية فحسب، بل كان لها فى القضايا العامة إسهامات مقدرة من الجميع، خاصة القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وحماية المدنيين، والمرأة والأطفال فى النزاعات المسلحة، وبناء واستدامة السلم، وحفظ السلام، كما شاركت مصر فى عمليتى اختيار سكرتير عام الأمم المتحدة الجديد أنطونيو جوتيريس وانتخاب خمسة قضاة جدد لمحكمة العدل الدولية.
نجحنا فى استصدار قرارين من المجلس الدولى لتعزيز وتطوير جهود مكافحة الأيديولوجيات والرسائل المتطرفة للإرهابيين.. واحتلت القضايا الأفريقية أولوياتنا
ما عدد القرارات التى شاركت مصر فى اعتمادها خلال عضويتها فى مجلس الأمن؟
- شاركت مصر بفاعلية وبإسهامات مقدرة وصوت مسموع فى اعتماد المجلس لـ١٣٧ قراراً و٤٦ بياناً رئاسياً ونحو ٤٧٠ بياناً صحفياً، واتخذت مصر المبادرة وقلم الصياغة فى عدد من هذه القرارات والبيانات الرئاسية، أى أنها قادت عملية التفاوض التى تمخضت عن توافق على عدد من الوثائق، وهذا العدد الضخم من الوثائق كان نتيجة ساعات طويلة من المفاوضات الشاقة فى أغلب الأحيان والاتصالات الثنائية والجماعية المكثفة.
ما أبرز المعارك الدبلوماسية التى خاضتها مصر أثناء عضويتها؟
- عايشت مصر التحولات التى شهدتها الأزمات الليبية والسورية واليمنية، وكان لها دور محورى فى تناول المجلس لهذه الأزمات، فعلى صعيد الأزمة الليبية كان لمصر موقف مبدئى يضع وحدة أراضى ليبيا فى أولوية الأهداف ويبرز للمجتمع الدولى مخاطر استغلال الإرهاب للفراغ الأمنى والسياسى فى البلاد لتهديد دول الجوار بل والدول الأوروبية، فضلاً عن تداعيات الأزمة على انتشار الجريمة والتطرف فى منطقة الساحل الأفريقى، بجانب التهديدات الإنسانية والأمنية المرتبطة بظواهر الاتجار بالبشر والمخدرات والسلاح.
واستفادت مصر من عضويتها فى المجلس لتعديل وتوجيه أدبيات تناوله للأزمة وللأطراف الليبية فيها، وإبراز دور مصر المحورى فى تشجيع توصل الليبيين لتسوية سياسية دون تدخلات خارجية، أما على صعيد الأزمة السورية فقد اتخذت مصر موقفاً مبدئياً وموضوعياً يضع مصالح الشعب السورى فى أولوياتها، ونأت مصر بنفسها عن الاستقطاب الشديد الذى شاب تناول المجلس لمختلف الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية لهذه الأزمة، ولعبت دوراً مهماً فى محاولة تقريب المواقف بين المعسكرين الغربى بقيادة الولايات المتحدة، والمواجه له بقيادة روسيا الاتحادية المدعومة من الصين.
القاهرة سجلت نجاحات مهمة فى مساعدة السوريين واستعادة الشرعية باليمن ومواجهة سيطرة المسلحين على ليبيا.. وأسهمت فى تقريب وجهات النظر بين روسيا وأمريكا حول الأزمة السورية
وبالرغم من صعوبة هذا الدور والمواجهات التى كان يتعين على وفد مصر خوضها، إلا أن مصر سجلت فيه نجاحات مهمة نتج عنها اعتماد قرار تمديد إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق السورية التى لا تقع تحت سيطرة الحكومة ويستفيد منها قرابة ١٣ مليون سورى، وهو القرار الذى اعتمد يوم ٢١ ديسمبر الحالى، وما كان لمصر أن تنجح فى ذلك دون عمل متواصل مع جميع الأطراف مستندة فيه لمصداقية مواقفها وتوازن علاقاتها مع كل الأطراف السورية.
وفيما يتعلق بالأزمة اليمنية فقد مارست مصر دورها فى إطار التزامها بالعمل مع شركائها على استعادة الشرعية فى اليمن والدفاع عن تلك الشرعية ومقاومة محاولات البعض للخلط بين الميليشيات الانقلابية والحكومة الشرعية من حيث الالتزامات، مع تشجيع ودعم جهود مبعوث الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية سياسية عادلة للأزمة فى حين أن المعركة الدبلوماسية الأكبر كانت المتعلقة بتناول المجلس للقضية الفلسطينية، حيث قادت مصر جهود اعتماد المجلس للقرار التاريخى بشأن فلسطين والمعروف بالقرار ٢٣٣٤، وقادت جهود صياغة رد فعل المجلس على القرار الأمريكى الأخير بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل الذى نتج عنه عزل الموقف الأمريكى بالرغم من نجاح الولايات المتحدة فى إعاقة صدور القرار باستخدام حق «الفيتو».
شاركنا بفاعلية فى اعتماد المجلس لـ١٣٧ قراراً و٤٦ بياناً رئاسياً و٤٧٠ بياناً صحفياً.. واتخذنا المبادرة وقلم الصياغة فى عدد كبير من القرارات والبيانات
هل واجهت مصر تكتلاً من بعض الدول داخل مجلس الأمن لمواجهة مواقفها التى تخص المنطقة؟
- نعم، واجهت مصر مواقف مغايرة ومناهضة لمواقفها ومصالحها فى كل من القضايا المشار إليها، وكان لزاماً على الوفد المصرى احتواء هذه المواقف بشتى الوسائل الدبلوماسية المتاحة، بدءاً من الإعداد الجيد للنقاش الموضوعى وتوضيح منطق المواقف المصرية استناداً إلى تجاربها وقربها من القضايا والأزمات محل النظر، ومروراً باستخدام التكتيكات التفاوضية المتنوعة وحشد الدعم للمواقف المصرية داخل المجلس وانتهاء باتخاذ مواقف حاسمة ونمط تصويت يعبر عن موقف مصر ومشاغلها، وفى جميع الأحوال اكتسبت مواقف مصر مصداقية عالية مكّنتها من امتلاك مساحة للتحرك والمناورة فى مواجهة أية مواقف غير مواتية.
هل أنت راضٍ عن الأداء المصرى خلال تجربتها فى العضوية التى استمرت عامين أم كان هناك أمور تريد تنفيذها؟
- سأترك للتاريخ وللباحثين المتخصصين الحكم على نجاح التجربة من واقع النتائج والإسهامات التى تركتها مصر فى المجلس والتى ربما تعدت التوقعات من منظور العديد من الدول والجهات، وفى واقع الأمر، كانت هناك خطة محددة بالأهداف والنتائج أستطيع القول بكل أمانة إنها تحققت بالكامل بل تم تحقيق نتائج ونجاحات إضافية لم تكن ضمن المخطط له.
وأود هنا إبراز النجاحات التى تحققت خلال رئاسة مصر للجنة مكافحة الإرهاب بالمجلس والإسهامات الكبيرة التى قدمتها خاصة على صعيد القضايا والجوانب المستحدثة فى ظاهرة انتشار الإرهاب كمكافحة الملاذات الآمنة للإرهابيين ومكافحة حصول الإرهابيين على السلاح والتمويل، واستخداماتهم لشبكات التواصل الاجتماعى والإنترنت، فضلاً عن جهود تعزيز التعاون القضائى بين الدول وغيرها، وفى هذا الإطار نجحت مصر فى استصدار قرارين من المجلس على أعلى مستوى من الأهمية لتعزيز وتطوير جهود مكافحة الأيديولوجيات والرسائل المتطرفة للإرهابيين، ومكافحة حصولهم على السلاح، ويعد هذان القراران من أبرز إسهامات وإنجازات مصر خلال فترة العضوية، بما يستجيب لأحد أهم التحديات والمشاغل الوطنية فى هذه المرحلة.
أسهمنا فى مواجهة الإرهاب ومكافحة الملاذات الآمنة للإرهابيين وتجفيف منابع السلاح والتمويل واستخدام شبكات التواصل الاجتماعى
ماذا قدمت مصر للقارة الأفريقية خلال عضويتها فى مجلس الأمن على مدار عامين؟
- احتلت القضايا الأفريقية حيزاً أساسياً فى اهتمامات وأولويات عضوية مصر فى مجلس الأمن، حيث أسهمت مصر فى إبراز محورية تركيز استراتيجيات وبرامج ووجود الأمم المتحدة على البعد الإقليمى عابر الحدود ومن منطلق دعم المنظمة للجهود الوطنية والإقليمية القائمة، لأن العديد من الأزمات والتحديات الأمنية التى تواجه القارة تستوجب منظوراً إقليمياً متكاملاً للتعامل معها بالنظر للتداخل القبلى والأبعاد التاريخية الحاكمة لتفاعل المجموعات البشرية والقبائل حول المناطق الحدودية، والتى شهدت تهميشاً تحت ضغط ضعف مؤسسات الحكم وانتشار الفقر والأوبئة والتصحر.
وفى هذا السياق، قادت مصر عمليتى إحياء استراتيجيتى الأمم المتحدة المتكاملتين للساحل الأفريقى ولمنطقة البحيرات العظمى بهدف تركيز المجتمع الدولى على تلك المنطقتين من منظور بناء السلام والتعامل مع جذور النزاعات فيها وتعزيز التعاون الإقليمى وكان لدور مصر فى استصدار وثائق المجلس بشأن هاتين المنطقتين فى أفريقيا صدى واسع بين حكومات دولهما التى سارعت للتعبير عن تقديرها الشديد لدور مصر المدافع عن المصالح الأفريقية على مدار عامى العضوية.
واستفادت مصر من رئاستها للجنة العقوبات المعنية بالكونغو الديمقراطية لتشجيع التقارب والتعاون بين اللجنة الأممية ودول الجوار المباشر للكونغو الديمقراطية والتى تنتمى جميعها لمنطقة دول حوض النيل والبحيرات العظمى. ومن نفس المنطلق، قادت مصر زيارة ميدانية للمجلس إلى منطقة القرن الأفريقى بالتركيز على تطورات القضية الصومالية فى التوقيت السابق مباشرة على الانتخابات الرئاسية التى جرت العام الماضى.
ماذا عن مساهمة مصر فى عمليات حفظ السلام وهل زادت نسبة الأعداد المصرية المشاركة؟
- تنقسم إسهامات مصر فى عمليات حفظ السلام إلى شقين متوازيين ومكملين عززتهما عضوية مصر فى مجلس الأمن بصورة ملموسة، الشق الأول يتعلق بالدفاع عن مصالح واهتمامات الدول المساهمة بقوات شرطية وعسكرية فى عمليات حفظ السلام، حيث لعبت مصر دوراً مهماً فى التصدى لأية محاولات للافتئات على مصالح وكرامة ودور تلك الدول التى قدمت تضحيات كبيرة فى سبيل صيانة الأمن والسلم الدوليين، وتبوأت مصر مكانتها فى قيادة تلك الدول من منطلق جرأة ومصداقية مواقفها.
أما الشق الثانى فهو المساهمة فى تطوير المفاهيم الحاكمة لدور عمليات وولايات حفظ السلام فى تحقيق استدامة السلام من خلال التركيز على دعم جهود التسوية السياسية فى الدول والأقاليم المنتشرة بها هذه العمليات، وقادت مصر عملية التطوير مروراً بتنظيم جلسة نقاش مفتوح حول هذا الموضوع خلال رئاستها للمجلس فى أغسطس ٢٠١٧، وانتهاء بقيادة عملية التفاوض على بيان رئاسى يضع ملامح جديدة لأسلوب مراجعة وتقييم وتعديل ولايات عمليات حفظ السلام تحقيقاً للهدف المشار إليه.