لأجل ابنها القعيد.. "أم عبده" تترك عملها بالبنك من أجل "نصبة شاي"
بائعة الشاي - أرشيفية
خلف نور النهار يتوارى الليل ببطئ، العيون في حارة السيد هاشم بحدائق القبة تبدأ في الاستيقاظ على صوت خطوات السيدة العجوز التي اعتادوا على رؤيتها يوميًا، تسير إلى محلها الصغير بعباءتها السوداء التي حفظها الأهالي، تحضر أدوات العمل من شاي وسكر وماء ساخن، لتبدأ مهمتها اليومية في إيقاظ النائمين عبر مشروباتها الساخنة المنبهة.
بيد ثابتة تحمل السيدة حسنية عبدالراضي أو"أم عبده" كما يعرفها سكان المنطقة، "صينية" الشاي للعمال في المحلات حولها، الذين وصلوا لحد إدمان الشاي من يد السيدة الخمسينية.
بملامح تجسد معالم الشقاء، تروي "أم عبده" سبب اختيارها لتلك المهنة، قائلة: "أنا مخترتش أكون بياعة شاي، المهنة دي هي اللي إختارتني"، قبل 19 عاما كان حالها مغايرا تمامًا، حينما كانت تعمل موظفة في أحد البنوك بعد تخرجها من كلية التجارة، تعيش مع زوجها وطفلها عبدالله ذو الإعاقة، الذي كانت تتناوب مع والده رعايته، قبل أن يخطف الموت رب الأسرة، ما أجبرها على ترك عملها لمراعاة نجلها.
بعد رحيل زوجها، رأت بائعة الشاي أنه لا سبيل لمراعاة نجلها سوى العمل بمكان قريب منه، حتى يكون أمامها دائمًا، "جوزي كان عنده محل متر في متر، فتحته نصبة شاي وقولت استرزق مؤقتًا والأيام عدت لحد ما وصلت أن يبقالي هنا 18 سنة شغالة"، ولم تكل "أم عبده" في مواصلة عملها حتى في أوقات مرضها.
"دي منبه منطقتنا.. من غير الشاي بتاعها منعرفش نشتغل" يرى أحمد المنياوي أحد العمال بمخبز الرضا، أن شاي "أم عبده" هو السبب في جعلهم نشطاء طوال اليوم، فطبيعة عملهم الشاق تتطلب أن تكون حالتهم المزاجية عالية، وهو ما يوفره لهم شاي "أم عبده".
تتبع أم عبده نظرية اقتصادية وهي البيع بسعر أقل من السوق لتحقيق نسبة مبيعات أكبر، وبالتالي زيادة الربح، حيث تبيع كوب الشاي الواحد بجنيه، لتحطم أسعاره مقارنة بالمقاهي المجاورة لها، فضلًا عن إجادتها وحفظها لطلب كل زبون، وهو ما يجعلها "البريمو في كار الشاي"، واختيار العمال الأول حسبما ذكر "المنياوي".
عين على عملها والأخرى على نجلها الذي نال حب الأهالي ورعاية والدته، وتؤكد "أم عبده": "أنا عايشة عشان ابني بصحبه وأنزله معايا وبليل باخده ونطلع بيتنا عشان أفوق بدري تاني يوم واشوف أكل عيشي".