فى ذكرى يوليو.. عاش جمال عبدالناصر
خطوات معدودات وأطرق، وكثيرون معى من الآباء، باب السنة الستين من العمر. نحن الذين وُلِدنا وتوأم الواحد منا ثورة يوليو. وُلِدنا من رحم مصر التى عانت من الاحتلال والحرس الحديدى والإقطاع والرأسمالية التى أورثت البلاد الجهل والجوع والمرض. مجتمع النصف فى المائة، وُلِدنا وثورة أعادت للمصرى مصريته وكرامته وصار عزيزاً على أرضه وخارج حدوده. ثورة تحدثنا عنها لأبنائنا فصموا آذانهم، ومن لم يصم أذنيه استقى معلوماته عن الثورة من خصومها ومن كتبوا عنها من الراقصات اللائى امتلكن كباريهات سطرن على طاولاتها تاريخ الثورة.
واليوم راح الأحرار الثائرون الرافضون للفساد والظلم والتوريث والديكتاتورية يقدحون زناد فكرهم فإذا بهم يقفون عند «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية»، وجميعها تمثل ما قامت من أجله وسعت إليه ثورة الثالث والعشرين من يوليو بقيادة جمال عبدالناصر وفتية حملوا أرواحهم على أكفهم فى زمان ومكان عجَّا بخصوم الثورة؛ خصوم فى الداخل وخصوم على حدود الوطن وخصوم جاءوا من كل صوب وحدب لمنع ميلاد دولة فأمة عربية ما كان لهما أن تقوما. نشهد نحن الآباء على ما يجرى وليت الأبناء يعلمون ويتعلمون.
ها هو لقب «الزعيم» لم يستطع رئيس بعد عبدالناصر أن يقترب منه؛ إذ هو لقب حصرى، ومن حاول ارتداء هذا الثوب ظهر كأنه مجذوب يرتدى خرقاً بالية أو «أهطل» عبيط منحوه خرقاً ممزقة تستر أو لا تستر، لا ينقصه إلا أن يجرى وراءه العيال مرددين «العبيط اهه»، أو إنسان بدا يلعب دور مهرج أو بهلوان.
عبدالناصر الذى وجدت ثورته فى كل بقعة يتوق فيها الإنسان إلى الحرية والعزة والكرامة، فكان لهذه الشعوب ما أرادت، وكانت دول عدم الانحياز قطباً لا يستهان به، ويظل التاريخ مسطراً لباندونج بحروف من نور. ذهبت باندونج وجاءت ديفوس وشتان بين الثرى والثريا.
ذهب عبدالناصر الجسد وبقيت القيمة والقامة والمبادئ والقيم ومعانى الوطنية. ذهب عبدالناصر الذى اتهمه أشباه البشر بأنه أخرج الكثير من التمثيليات التى منها حادث المنشية وكأنه كان بحاجة لهذا الحدث لاتخاذ قرارات بعينها، وتمثيلية 9 و10 يونيو وكأنه يحمل عصاً سحرية أخرجت شعب مصر بأسره يرجوه البقاء، وكأننا، نحن الذين خرجنا ونحن فى مقتبل العمر، قد خدرنا جمال عبدالناصر، وجاءت التمثيلية رائعة الإخراج للزعيم عبدالناصر وهى جنازته الأسطورية، هى الأخرى تمثيلية. وكأن موقفه من أيلول الأسود «شو إعلامى» مثلما يقولون هذه الأيام. وخزينته الخاصة التى تركها خاوية كانت بسبب كون حساباته الشخصية فى سويسرا. وكأن دراسة أبنائه فى المدارس المصرية ديكور فالصو. أما عن تشافيز الفنزويلى الأمريكى اللاتينى فإنه شريك لعبدالناصر، كوّنا «دويتو» وعملا معاً، لذا فإن عشقه لمبادئ وشخصية عبدالناصر عشق مجروح ومشكوك فيه، وكأن صبر دول عديدة من دول حوض النيل على حماقات القيادة المصرية بعد عبدالناصر إنما كان جهلاً منها وليس حباً وتعظيماً وتقديراً لعبدالناصر ومواقفه، وكأن السادات ومبارك كانا يذكران عبدالناصر فى خطبهما بتلقائية وبراءة وفطرة، ولم يقصدا انتزاع التصفيق من الحضور. نحن الآباء ننصح الأبناء وليس أمامنا متسع من العمر، ننصحهم بقراءة التاريخ على هدى وليس على وقع صاجات الراقصات.