"الإفتاء": الإسلام سبق المواثيق الدولية فى إقراره لحقوق الإنسان
دار الإفتاء المصرية - صورة أرشيفية
تلقت دار الإفتاء سؤالا حول تعريف الإسلام لحقوق الإنسان، وما العلاقة بينه وبين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وما تبعه من إعلانات ومواثيق؟ وهل حال المسلمين اليوم حجة على الإسلام في هذا المجال؟.
وقالت الدار في بيان لها: صارت حقوق الإنسان عند بعض الأطراف ولدى بعض الجهات مدخلًا إلى تشويه صورة العالم الإسلامي، وإلى الإضرار بسمعة المسلمين، بل وإلى النيل من الإسلام والطعن في شريعته، ويكفي أن نراجع الأدبيات المعاصرة التي تتحدث عن حقوق الإنسان وتاريخها ومتى بدأت نجد ما يشبه الإجماع أنها بدأت بالمجنا كارتا عام 1215م الصادرة على إثر ثورة الشعب ضد طغيان الملك في إنجلترا، وعريضة الحق لعام 1628م، وإعلان الحقوق الصادر عام 1689م في إنجلترا كذلك، ثم إعلان الاستقلال في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776م، ثم إعلان حقوق الإنسان والمواطن على إثر الثورة الفرنسية عام 1789م، وهكذا وصولًا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م، وكأن الحفاظ على الإنسان والاعتراف به وبكرامته لم تولد ولم تَرَ النور إلا في الغرب والغرب وحده دون الاعتراف لأية أمة أو حضارة بفضل في هذا الجانب خاصة الأمة الإسلامية، وهذا غير صحيح.
وأضافت: الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي قدمت مفهومًا متكاملًا لحقوق الإنسان، ويكفي أن نتفحص نظرة الإسلام للإنسان والتي تمثل مكونًا أساسيًّا لعقل المسلم وهي نظرة منبثقة أساسًا من نظرة المسلم للكون فهو يرى الكون يسبح لله؛ لذا يرى المؤمن الإنسان سيدًا في هذا الكون وليس سيدًا لهذا الكون، فسيد الكون هو الله ؛ لأن الله خلق الكون وأنشأه ورزقه وأحياه وأماته فهو سيده، وكون الإنسان سيدًا في هذا الكون يجعله فريدًا، ومتعه بالعقل والعلم وحمل الأمانة.
وتتلخص المسألة في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾، ليس هذا فحسب، بل سخر له ما في السماوات والأرض، كما أن المسلم لا ينظر للإنسان على أنه جزء من الكون فكونه مكرمًا جعله فريدًا وحيدًا سيدًا على قمة الهرم الخلقي من كائنات حية ونبات وجماد، وهذا جعل الإنسان لا تصلح معه المناهج الإحصائية والتطبيقية التي تتعامل معه كمادة فقط، والإنسان لا يصلح معه مثل هذا المنهج، فهو ليس قطعة خشب ولا مجرد قطعة لحم؛ لأنه مكون من عقل ووجدان وروح ونفس، إلخ هذه التقدمة تمثل فلسفة الإسلام تجاه الإنسان ونظرة المسلم إلى الإنسان كإنسان وهي تؤثر قطعًا على ما تدعو إليه كثير من الأمم إلى ما يسمى بحقوق الإنسان.
وتابعت: "بتتبع المصادر الإسلامية نجد الإسلام قد أعطى الإنسان عمومًا -كإنسان دون تفرقة بين لون وجنس ودين- مجموعة من الحقوق تحفظ عليه نظرة الإسلام التي ذكرناها آنفًا للإنسان، وهذه الحقوق كثيرة جدًّا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وحقوق الأسرة وحقوق المرأة وحقوق الطفل وغيرها، كما أن الإسلام في نظرته لهذه الحقوق لم يعتبرها مجرد حقوق يجوز للفرد أو الجماعة أن يتنازل عنها أو عن بعضها، وإنما هي ضرورات إنسانية فردية كانت أو جماعية، ولا سبيل إلى حياة الإنسان بدونها حياة تستحق معنى الحياة، ومن ثم فإن الحفاظ عليها ليس مجرد حق للإنسان، بل هو واجب عليه أيضًا يأثم هو في ذاته -فردًا أو جماعة- إذا هو فرط فيه، فضلًا عن الإثم الذي يلحق كل من يحول بين الإنسان وبين تحقيق هذه الضرورات، ويأتي على رأس قائمة حقوق الإنسان حق الحياة؛ لأنه أساس جميع الحقوق وسابق عليها وبدونه تصبح باقي الحقوق لا قيمة لها".
وقالت الدار: مفاهيم حقوق الإنسان في الإسلام كانت واضحة وضوح النهار كما أنها تميزت عن الإعلانات والعهود والمواثيق الدولية بعدة مزايا: أولًا: من حيث الأسبقية والإلزامية حيث مر عليها أكثر من أربعة عشر قرنًا، والوثائق الدولية وليدة العصر الحديث، كما أن حقوق الإنسان في المواثيق الدولية عبارة عن توصيات أو أحكام أدبية، أما في الإسلام فهي فريضة تتمتع بضمانات جزائية حيث إن للسلطة العامة حق الإجبار على تنفيذ هذه الفريضة. ثانيًا: ومن حيث العمق والشمول؛ لأن مصدرها هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أما مصدر الحقوق في القوانين والمواثيق فهو الفكر البشري، والبشر يخطئون أكثر مما يصيبون، ويتأثرون بطبيعتهم البشرية بما فيها من ضعف وقصور وعجز عن إدراك الأمور، بل وتتحيز في كثير من الأحيان، كما أنها في الإسلام تشمل جميع الحقوق.
ثالثًا: من حيث حماية الضمانات حيث إنها في الإسلام جزء من الدين جاءت في أحكام إلهية تكليفية لها قدسية تحد من العبث بها، ويجعلها أمانة في عنق كل المؤمنين فكون حقوق الإنسان تمثل عقيدة وسلوكًا طبيعيًّا للإنسان هو الضمان الوحيد لاحترامها. بل إن للإسلام مزية فوق هذا أنه لا يرفض أي شيء فيه مصلحة للبشر ويحقق لهم السعادة دنيا وأخرى، بل على العكس يسارع إلى الاشتراك فيها؛ لذا لما سعى المجتمع الدولي إلى تحرير العبيد وإلغاء الرق؛ كان المسلمون أول الموقعين على اتفاقات تحريم الرق؛ لأنهم فهموا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتحدث عن حلف الفضول في دار ابن جدعان حيث اجتمعت قريش وتعاهدت على نصرة المظلوم حيث قال: «لَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ» رواه البيهقي في "السنن".
لذا قبل المسلمون جميع العهود والمواثيق الدولية التي تحض على احترام حقوق الإنسان إلا بعض التحفظات على بعض الجزئيات والمواد الفرعية والتي لا تتفق مع شريعة الإسلام.
كما يجب أن ننبه إلى أن المسلمين ليسوا حجة على الإسلام حيث لا تعرف أحكام الإسلام من السلوك العملي لبعض المسلمين وبخاصة في عصور الجهل والضعف والتفرق والتأثر والانفعال بمعاملة أعدائهم ومحاربتهم حربًا تخرجهم عن صوابهم وآداب دينهم، وما أصدق كلمة الإمام محمد عبده حين قال: ولست أبالي إذا انحرف بعض المسلمين عن هذه الأحكام عندما بدأ الضعف في صفوفهم، وضيق الصدر من طبع الضعيف، فذلك مما لا يلصق بطبيعته، ولا يخلط بطينته، انظر: "الإسلام والنصرانية".