بروفايل| "بيبو".. ويستمر الهتاف
محمود الخطيب
الآذان تكاد تُصم من هول ضجيج يحدث خلال لحظات تشجيعه، والأعين لا تزال تلمع إذا رأت كرة مستديرة طيّعة لقدميه يتلاعب بها يمينًا ويسارًا، والقلوب إما تنخلع لحظة إعادة مشهد مغادرته للمستطيل الأخضر تركه منذ 3 عقود أو تنفطر لسماع نبأ عن مرضه منذ سنوات أو تتراقص في الصدور حين تلحظ عودته، والحناجر لم تفقد بحّتها حينما تهتف مدوية: «بيبو.. بيبو».
لم يطل بقاء محمود الخطيب الذي لم يكمل عامه الخامس عشر خارج الأضواء، فالطفل الذي كان يتدرب ضمن صفوف الناشئين بنادي «النصر» في مصر الجديدة، لفت أنظار مسؤولي الكثير من الأندية المصرية، ولكن دمه الأحمر انتصر لانضمامه إلى النادي الأهلي عام 1971، ولم يكن يعرف أن الجماهير ستتشقق حناجرها وهي تهتف باسم «بيبو»، مع تسجيله 3 أهداف في مباراة فريقه أمام ناشئي الزمالك، ثم يعود الهتاف ذاته ليهز أرجاء ملعب مختار التتش بالنادي الأهلي مع أول هدف رسمي يسجله بالدوري العام في مرمى البلاستيك عام 1972.
جماهير النادي الأهلي لم تصنع الأسطورة وحدها، فعشاق الكرة المصرية لن يغفلوا تاريخًا بدأ مع انضمامه لصفوف المنتخب المصري للمرة الأولى، عام 1974، ليحرز بقميص الفراعنة 27 هدفًا ما بين مباريات رسمية وودية، تخللها هدف أسطوري في مرمى المنتخب التونسي خلال تصفيات كأس العالم عام 78، ناهيك عن كونه المصري الأخير الحاصل على لقب «الكرة الذهبية» كأحسن لاعب في إفريقيا عام 1983، ويحقق بطولة إفريقية غالية لمنتخبه بعدها بـ3 أعوام، فيرد له الملايين من مشجعي الكرة بمختلف أطيافهم، الجميل هاتفين: «بيبو.. بيبو».
154 هدفًا مع النادي الأهلي وعشرات البطولات بقميصه لم تكن سببًا وحيدًا في حبه داخل قلوبهم، فالنجم الذي تموت أمه ليلة مباراة مهمة لفريقه بالدوري ويكون أول الحاضرين داخل المستطيل الأخضر لأداء واجبه مع زملائه، لا بد أن يكون له عند جمهوره هدية يخلدها التاريخ حينما يهتف الآلاف بصوت جماعي خافت حزين: «بييبو.. بييبو.. بييبو» وكأنهم يصنعون مشهدًا جنائزيًا داخل المدرجات لمشاركته تلك اللحظة القاسية.
«لا يا بيبو لا.. لا ملكش حق».. تلك كانت المرة الوحيدة في التاريخ الذي يتغير فيه الهتاف، فاليوم، الموافق 1 ديسمبر عام 1988، شهد تجمع أكثر من 120 ألف متفرج ملأوا جنبات استاد القاهرة ومثلهم بالخارج، ينتظرون اللحظة التي يعلن فيها محمود الخطيب اعتزاله لعب كرة القدم، وما أن تأتي تلك اللحظة ويمسك النجم بالميكروفون ليقول كلمته الأخيرة لجمهوره حتى يهتز الملعب بهتافات الرفض من الجماهير، فما يسعه إلا أن تزرف عيناه الدموع ويقول بصوت متأثر: «أشكركم.. ألف شكر.. ألف شكر».
الآلاف من لاعبي الكرة تنتهي حكاياتهم مع اللحظات الأولى لمغادرة الملعب، ولكن فصول أسطورة «الخطيب» وصلت إلى أوج رونقها بعد مرحلة «المستطيل الأخضر»، فالشاب، المحب لناديه، قرر أن يترشح على عضوية مجلس إدارته بعد عام من الاعتزال، ثم قرر في المرة التالية، الابتعاد قليلًا حتى يفسح المجال لغيره، قبل أن يكلفه «المايسترو» صالح سليم، بالعودة لمجلس إدارة الأهلي ضمن قائمته عام 2000، لتبدأ مرحلة أخرى من حياته عنوانها: «بيبو إداريًا».
لا عجب أن يرتقي عضو مجلس الإدارة الناجح ليصبح أمينًا لصندوق النادي لمدة عامين، ثم يزداد نجاحه عندما يتم انتخابه نائبًا لرئيس مجلس إدارة الأهلي عام 2004، فتحفل السنوات بقدومه وتهدي للقلعة الحمراء ما يزيد عن 30 بطولة على مدار 10 سنوات كان هو فيها رئيسًا للمكتب التنفيذي لنادي الأهلي، ولم يصمت خلالها الجمهور لحظة عن الهتاف باسم «بيبو» مع كل بطولة يحصدها فريقهم.
الأسطورة الحقيقية هي التي يظل صداها حاضرًا حتى في غيابها، وعندما تحول اللوائح دون ترشح محمود الخطيب على رئاسة النادي الأهلي عام 2014، فلا مانع من استدعاء عشاقه له ليخوض غمار تلك المعركة في انتخابات النادي الأخيرة على منصب الرئاسة، ليأتي يوم 30 نوفمبر عام 2017 ليقول ما يزيد عن 35 ألف من أعضاء الجمعية العمومية بالأهلي كلمتهم ويعلنون تنصيب "بيبو" رئيسا لمجلس إدارة الأهلي، ويؤكدوا استمرار صدوحهم بذلك الهتاف بعقولهم وقلوبهم قبل حناجرهم.