«الروضة».. قصة قرية فقدت نصف رجالها.. فشاب أطفالها «فجأة»
مقبرة جماعية دفن فيها شهداء حادث بئر العبد الإرهابى
أمام المسجد الذى شهد مذبحة جماعية لأبناء قرية الروضة فى العريش، وقف عدد من الصبية يطل الغضب من أعينهم، فقدان ذويهم دفعهم لترك طفولتهم وحماية القرية من الغرباء حسب ما يعتقدون، بعد أن فقدت القرية أكثر من 300 رجل وما يزيد على 200 جريح، من أصل 1068 ذكراً من رجالها حسب آخر إحصاء للدولة، وقف الصبية فى كل زاوية من القرية بعيون «فى وسط راسهم»، يتابعون المارة، بعضهم حمل بعض الشوم، والبعض الآخر لم يسيطر على غضبهم فأخذ يتشاجر مع مندوبى الصحف والإعلام المتوافدين على القرية من كل جانب.
قرية الروضة تقع على بعد 40 كيلومتراً من مدينة العريش، وتتبع إدارياً مركز بئر العبد، يستقر فيها قبيلة السواركة والحميدات، وإجمالى سكانها ألفان و111 شخصاً، يعمل 90% من رجالها فى وظائف حكومية والبقية يقتاتون من تربية الأغنام، حسب ما يقول عدد من سكانها لـ«الوطن». أحمد السواركى، بجسده الضخم يجلس فى هدوء أمام منزل من الطوب اللبن اتخذ منه أهل القرية مقراً لاستقبال المعزين، الشاب الأربعينى الذى نجا من المذبحة، ترك قريته قبل الحادث بأيام فى زيارة لمحافظة الشرقية، يقول إن الناجين من رجال القرية كانوا بالتأكيد خارجها، أو كانت الصدفة وحدها هى من حمتهم من رصاصات المتطرفين. يقول السواركى، بصوته المبحوح، إن أهل القرية دفنوا أكثر من نصف رجالها ليلة أمس فى مقابر جماعية، تحوى كل منها ما يزيد على 80 رجاً، وإن هناك منازل فرغت من رجالها بالكامل، حيث فقد هو وحده 20 رجلاً من أقربائه كانت عائلته تضمهم: «ابن عمى منصور مثلاً مات هو وولاده التلاتة ومش باقى فى البيت غير مراته وأختين معاقين».
«السواركة»: الرجال الناجون من المذبحة كانوا خارج القرية وقت الحادث.. و«المنيعى»: كل اللى ماتوا كانوا بتوع ربنا.. وهناك أسر فقدت 29 فرد من أفرادها
يتذكر السواركى ابن عمه منصور، وأولاده إبراهيم وأحمد وعلى، الذين اعتادوا مرافقة والدهم إلى صلاة الجمعة، ولكن تلك الجمعة كانت سوداء على والدتهم حيث ودعتهم جميعاً لقبورهم، وبقيت هى وحيدة فى منزلها. كل ما يشغل السواركى هو تلك المنازل التى فرغت من رجالها، فالرجل الذى فقد شقيقه، يقول إن أسرته تتعلق فى رقبته وأنه مسئول عنها من الآن ولكن المعاناة تنتظر تلك العائلات التى فقدت كافة رجالها، مشيراً إلى أن أسرة من المغتربين من محافظة الشرقية كانت تعيش فى القرية فقدت بالكامل: «العيلة كلها ماتت راجل وستة من ولاده راحوا فى الحادث مش باقى غير أمهم».
بين الحين والآخر تظهر سيدات القرية متشحات بالسواد، يرفضن الحديث لأى أحد، فالسيدات المكلومات فقدن أزواجهن وأولادهن دفعة واحدة، بعضهن تجمعن فى سيارات نصف نقل نحو الجبانة التى تحوى المقابر الجماعية لأزواجهن، يزرعن حولها الأشجار، ويدفعن فوق تلك المقابر بالرمال بعد انتهاء مراسم الدفن.
لم يختلف حال محمود المنيعى، عن السواركى، حيث يقول إن صبية القرية من الآن بلغوا سن الرجولة، بعدما أصبحوا هم العائل الوحيد لأسرهم، مشيراً إلى أن القرية لن تترك حق رجالها حتى لو بقى رجل واحد فقط فيها، يشير إلى أحد الرجال الذى يجلس مطأطأ الرأس ويقول إن هذا الرجل فقد 29 فرداً من عائلته وحدها، مؤكداً أن القرية يعيش فيها أغلبية من قبيلة السواركة، وجميعهم أبناء عمومة. «المنيعى» يقول إن جميع رجال القرية الذين قُتلوا ليس لهم أى نشاط سياسى، فجميع المتعاونين مع الجيش ومن لهم أى نشاط سياسى تركوا القرية ونزحوا نحو القاهرة والإسماعيلية حتى شيخ القبيلة نفسه: «كل اللى كانوا فى الجامع ناس بتاعت ربنا وناس بتاعت أكل عيش ملهمش فى أى شىء».