الفساد.. القضاء عليه هدف الدولة والمواطن
«فساد توريد القمح» كبرى القضايا التى أثبتت نية الدولة فى اجتثاث جذور الفساد
فى أبريل 2017، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى فى المؤتمر الثالث للشباب بأسوان: «فيه مؤسسات فى الدولة بتعانى، لأن الفساد متواجهش كويس لدرجة إنه بقى ثقافة»، لم تكن المرة الأولى التى يتحدث فيها الرئيس صراحة عن أن الفساد يضرب بجذوره فى بعض مؤسسات الدولة، فسبق أن كشف الرئيس فى أغسطس 2016، خلال اجتماعه برؤساء تحرير الصحف القومية، عن أن الفساد ليس «رشوة» فقط، وإنما يشمل أيضاً الجشع وإهدار الموارد والسلبية والإهمال وسوء التخطيط وسوء التنفيذ، ما أكده «السيسى» فى خطاباته الرسمية، هو نفسه ما يتحدث عنه المواطنون فى شكواهم المستمرة، حتى أصبح حلم «الخلاص من الفساد» على أولويات مائدة أحلام المصريين، شعباً ودولة، سواء كان فساداً مالياً أو إدارياً وصولاً للفساد الأخلاقى والسياسى فى بعض الأحيان.
منظمة الشفافية الدولية فى تقريرها السنوى لعام 2016، صنفت مصر فى المرتبة الثالثة من بين الدول العربية التى تعانى من ارتفاع مؤشرات الفساد فى دواليبها الحكومية، حيث رأت المنظمة فى تقريرها أن تفشى المحسوبية فى مجال التوظيف يمثل مؤشراً خطيراً يؤثر على منظومة العدالة فى هذه البلدان، كما يحرم البلدان من كفاءات حقيقية ربما تكون الأقدر على النهوض بها، بحسب ما ورد بالتقرير.
خبراء: «ترمومتر الفساد» فى مصر: 20 شكوى كل ساعة.. و85 ألف واقعة حققت فيها «النيابة الإدارية» خلال 6 أشهر
الفساد الإدارى يأتى الأبرز ضمن بؤرة الاهتمامات الحكومية للقضاء عليه، وترأس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة قطار التغيير، بإصداره قانون ولائحة «الخدمة المدنية» المنظمة لعمل قرابة 7 ملايين موظف حكومى، قانون وصفه المستشار محمد جميل، رئيس الجهاز، بأنه نظام جديد للتعيينات تتخذه مصر بدلاً من «الكوسة والواسطة التى أدت لتكدس الجهاز الإدارى للدولة بموظفين بلا عمل»، فضلاً عن خطوات جادة للقضاء على البيروقراطية الحكومية التى تعوق وصول الخدمة للمواطن بصورة آدمية، وكذلك وضع منظومة جديدة لمتابعة الأداء الوظيفى وتقييمه فعلياً بدلاً من التعسف أو المحاباة، وتفعيل مبدأ المساءلة والعقاب وعدم ترك الأمور لأهواء الإدارة العليا فى التستر على الفساد أو حماية الفاسدين.
جهود مكافحة الفساد الإدارى لم تتوقف عند هذا الحد، بل امتدت لتصل إلى هيئة النيابة الإدارية، التى برز نشاطها فى العامين الأخيرين، بجولات تفتيشية وتحقيقات سريعة فى الشكاوى الواردة إليها، وبحسب تصريحات للمستشار محمد سمير، المتحدث باسم الهيئة، شهد العام 2017 حتى شهر يونيو الماضى التحقيق فى 85 ألفاً و379 واقعة فساد، بمعدل 475 بلاغاً فى اليوم و20 شكوى فى الساعة، تنوعت بين بلاغات مقدمة من الأجهزة الرقابية، أو شكاوى قدمها المواطنون.
وفى 2016، أصدرت الهيئة تقريراً عن أبرز وقائع الفساد الإدارى الحكومى التى رصدتها من خلال تحقيقاتها، كان أبرزها إيقاف موظفين حكوميين استولوا على أموال الدولة، بالإضافة إلى إحالة مسئولين تورطوا فى قضايا فساد أبرزها كانت إحالة رئيس قسم بالمطبعة السرية بوزارة التربية والتعليم، ومدير المطبعة السرية بوزارة التربية والتعليم، للمحاكمة التأديبية العاجلة لاتهامهما بالمسئولية عن تسريب امتحانات الثانوية العامة، خلال الفترة من شهر فبراير لسنه 2016 وحتى شهر يونيو 2016، فضلاً عن الكشف عن وجود إهمال فى مستشفيات حكومية عدة، منها مستشفى الكردى فى المنصورة.
وأصدرت الهيئة توصياتها بشأن القضاء على المخالفات والتجاوزات على أراضى الدولة والمحليات، جاء أبرزها نقل تبعية الإدارات الهندسية فنياً وإدارياً إلى مديريات الإسكان التابعة لوزارة الإسكان بدلاً من المحليات التى قد تفتقد الكفاءة الهندسية والتخطيطية، لاسيما أن وزارة الإسكان بها العديد من الكفاءات الهندسية والفنية التى تساهم بشكل كبير فى الحد من انتشار هذه المخالفات، وإنشاء لجنة مختصة بالإزالة فى كل حى يكون لها مدير وتضم مهندسين ومقاولين وعمالاً وتتولى التنسيق مع الشرطة وتختص بإزالة المخالفات فى مهدها. وفى السياق نفسه، وافق مجلس النواب على قانون الرقابة الإدارية فى ثوبه الجديد، حيث أصبحت الهيئة مستقلة تتبع رئاسة الجمهورية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتمتع بالاستقلال الفنى والمالى والإدارى، ويحق لها كشف وضبط الجرائم التى تستهدف الحصول أو محاولة الحصول على أى ربح أو منفعة باستغلال صفة أحد الموظفين العموميين المدنيين أو أحد شاغلى المناصب العامة بالجهات المدنية، ويجوز لها أن تجرى التحريات فيما يتعلق بالجهات المدنية، وإذا أسفرت التحريات عن أمور تستوجب التحقيق أحيلت الأوراق إلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة، بحسب الأحوال بعد موافقة رئيس الهيئة أو نائبه، وتقوم النيابة الإدارية أو النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بإفادة الهيئة بما انتهى إليه التحقيق. وأبرز ما نص عليه القانون الجديد للهيئة، هو إنشاء مركز متخصص يسمى الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد، يهدف إلى عقد الدورات والمؤتمرات والندوات وحلقات النقاش فى مجال نشر قيم النزاهة والشفافية والتوعية بمخاطر الفساد وسبل مكافحته، فضلاً عن عقد دورات تدريبية للعاملين بالهيئة لتدريبهم على التعامل مع الفساد الإدارى.
الدكتور أحمد صقر عاشور، أستاذ الإدارة بجامعة الإسكندرية، الخبير الدولى للحوكمة والإصلاح المؤسسى بالأمم المتحدة، يرى أن ما يعطل تحقيق حلم القضاء على الفساد هو عدم وجود رؤية عامة لنظام عمل مؤسسى حديث ومتطور فى الأجهزة الحكومية، يواكب تطورات العصر الذى نعيشه، قائلاً: «منظومة العمل التى تسير بها الوزارات والمصالح الحكومية، والجهاز الإدارى للدولة عفا عليها الزمن، وتهدم كل محاولة للتنمية، ومليئة بالعيوب، والكوارث، فمن وجهة نظره أن فساد الموظفين الصغار فى الحكومة لا حصر له، وحدّث عنه ولا حرج، والأجهزة الرقابية تحاول ملاحقته بشتى الطرق لكن نحتاج إلى منظومة عمل تمتد لجميع المؤسسات والمصالح الحكومية والأجهزة». وحدد «عاشور» عدة توصيات من شأنها أن تسهم فى تحقيق حلم القضاء على الفساد، وتعزيز الجهود المبذولة فى هذا الاتجاه، أهمها وضع نظام مؤسسى للعمل داخل أجهزة الحكومة، والقضاء تماماً على الحكومة الورقية، التى لا يستطيع مستخدموها استخدام التكنولوجيا الحديثة، ويعتمدون فقط على الأساليب القديمة العقيمة البيروقراطية والروتينية التى تعطل مصالح المواطنين وتؤخر إنجاز مصالحهم بحسب قوله، مضيفاً: «ما زلنا ونحن على مقربة من منتصف القرن الـ21، يحتاج المواطن كى يحصل على رخصة قيادة من المرور أن يمر على 10 شبابيك، ويوقع أوراقاً ومستندات بعيدة عن استخدام الحاسب الآلى، ونحن تأخرنا فى مواجهة مسببات الفساد التى تفتح الباب أمام البعض، لكن نستطيع أن ننجح من خلال استراتيجية متكاملة يشارك فيها الجميع وليس هيئة أو جهازاً بمفرده».
«لا يقتصر الفساد على العاملين، إنما هناك ثغرات فى القوانين ساعدتهم على هذا الفساد»، هكذا تحدث اللواء محسن النعمانى، وزير التنمية المحلية الأسبق، حيث يرى أنه على الدولة أن تكافح بجهد أكبر فساد الموظفين ذوى النفوس الضعيفة، والتصدى لموظفى الدولة الذين يسعون للتربح من وظائفهم، من خلال ضبط القوانين وسد ثغراتها، وفى مقدمتها قانون التنمية المحلية الذى من شأنه أن يقضى على فساد موظفى الدولة، وأضاف «النعمانى»: «البرلمان يناقش مجموعة من القوانين التى من شأنها ضبط العمل الإدارى بأجهزة الدولة وفى مقدمتها قانون التنمية المحلية، وهذا من شأنه التقليل من ظاهرة فساد موظفى الدولة.