الطبقة الوسطى» تدفع الثمن: خطة الإصلاح = موجة من الغلاء وارتفاع التضخم
ارتفاع الأسعار قلص من قدرة المصريين على شراء كثير من احتياجاتهم
لم يكن يخفى على أحد حين تبنّت مصر خطة لـ«الإصلاح الاقتصادى» أننا على موعد مع موجة من الغلاء وانفلات مؤشر التضخم، باعتبار ذلك الضريبة التى يجب تسديدها، لكن وفقاً لأعتى نظريات الاقتصاد فإن المقياس الأول والأخير لأى خطة إصلاح اقتصادى هو الطبقة الوسطى فى المجتمع، فإذا حافظت خطة الإصلاح عليها فإنها تسير فى درب سليم، وإذا بدأت فى التآكل، فإننا أمام مشكلة كبيرة، حسب الخبراء.
رئيس «التعبئة والإحصاء»: ليس لدينا رقم دقيق بأعداد الأسر التى يمكن وصفها بـ«المتوسطة»
يقول شريف سامى، الخبير الاقتصادى والرئيس السابق لهيئة الرقابة المالية: «الطبقة المتوسطة هى الشريحة المجتمعية التى يُقاس عليها أداء الحكومات التى تتبنّى إصلاحاً اقتصادياً شاملاً، مثلما يحدث فى مصر، وقد يرى الكثير أن وتيرة تنفيذ خطة الإصلاح تقود تلك الطبقة إلى مفرمة اجتماعية، لكن هذا حدث عارض لن يستمر طويلاً، لأن تلك الطبقة من شأنها أن تكون أولى الشرائح التى تجنى ثمار خُطط الإصلاح فى وقتها، ووفقاً للتقديرات، فإننا جميعاً على موعد مع جنى ثمار الإصلاح خلال عام ونصف من الآن».
وقال هانى توفيق، الخبير الاقتصادى: «بلغة الاقتصاديين الرقمية، فإن الطبقة الوسطى هى التى يجب أن تزيد دخول أفرادها على 5 آلاف جنيه شهرياً، وهو ما يعنى تراجع نسبة الطبقة الوسطى إلى أقل من 35٪ من السكان، الأمر الذى يمثل خطراً شديداً على تماسك المجتمع ومناعته السياسية والأمنية».
وأضاف أنه مع دوران عجلة إلغاء الدعم، قرّرت الحكومة التوسّع فى البرامج الحمائية، خصوصاً برنامج «تكافل وكرامة» المقرر أن يشمل 2.5 مليون أسرة بنهاية عام 2017، من ساكنى القرى الأكثر فقراً، ومع اتجاه الحكومة إلى إلغاء الدعم العينى والتوجّه إلى الدعم النقدى، فإنها تقوم بدراسات الآن لاستحداث برامج اجتماعية جديدة لمد مظلة الحماية الاجتماعية، قبل اتخاذ إجراءات بخفض الدعم، للحفاظ على ما يُسمى بالطبقة الوسطى التى بدأت فعلياً فى التآكل، وهذا مؤشر خطر على سلامة المجتمع».
وطالب «توفيق» بضرورة أن تتبنّى الحكومة، عبر مراكز أبحاث، الاهتمام بالإحصائيات المتعلقة بالطبقات المجتمعية، خصوصاً أن هناك من يقوم بتلك الدراسات بشكل موسّع، بعيداً عن الجهات الرسمية للحكومة، لافتاً إلى أنه، حسب بيانات بنك «كريدى سويس»، المختص فى تقدير الثروات، شهدت مصر أكبر تراجع للطبقة الوسطى على مستوى العالم، منذ بداية الألفية وحتى العام الماضى، ويبدو أنها معرّضة لمزيد من التدمير، نتيجة الإجراءات التقشفية التى تبنّتها الحكومة، فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى، بعد أن تقلصت نسبة الطبقة الوسطى فى مصر إلى أكثر من 48%، لينخفض عددها من 5.7 مليون شخص بالغ فى عام 2000، إلى 2.9 مليون فى 2015، يمثلون الآن 5% فقط من إجمالى البالغين، ويستحوذون على ربع ثروة المصريين.
وأعلنت الحكومة خلال العام الماضى عن مجموعة من القرارات الاقتصادية التى تمس مستوى معيشة المواطنين بشكل مباشر، عبر زيادة أسعار الكهرباء فى أغسطس، ثم فرض ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات، بنسبة 13% فى سبتمبر، بدلاً من ضريبة المبيعات التى بلغت 10%، كما شهد العام نفسه إعلان البنك المركزى عن تعويم الجنيه بشكل كامل فى 3 نوفمبر، لتنخفض قيمة العملة المحلية إلى النصف تقريباً، وهو القرار الذى أعقبه بساعات قرار زيادة أسعار الوقود بنسب تتراوح بين 7.1% و87.5%، ثم زيادات أخرى فى أسعار المحروقات منتصف 2017، أعقبتها زيادة أخرى فى أسعار الكهرباء ورفع أسعار خدمات النقل الحكومى «مترو الأنفاق».
وقال اللواء أبوبكر الجندى، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء: «كنا نعلم أن خطة الإصلاح التى تبنّتها الدولة لها آثار سلبية، أو بالأدق آثار جانبية، لأن برنامج الإصلاح دواء تأخر تعاطيه كثيراً، ومن تلك الآثار السلبية تراجع مستوى معيشة الأفراد والأسر، نظراً لأن الزيادات فى الأسعار لم يقابلها ارتفاع فى الدخول، لكن كلنا فى انتظار النتائج، وسيستفيد منها الجميع».
وفى ما يخص «الطبقة المتوسطة» تحديداً، قال «الجندى» لـ«الوطن»: «ليس لدينا رقم دقيق بأعداد الأسر التى يمكن وصفها بالطبقة المتوسطة، لكن بالفعل بدأنا فى إحصاء جديد من شهرين، يتعلق بتقسيم المجتمع إلى شرائح متنوعة من حيث الإنفاق ومستوى دخل كل أسرة، وحسب نتائجه قد تتضح الصورة كاملة حول من استفاد بإجراءات الإصلاح الاقتصادى ومن لم يستفد».
«نافع»: فقدت 50% من دخلها بسبب «التضخّم».. و«توفيق»: تآكلها خطر شديد على تماسك المجتمع
وحول خطة الإصلاح التى تتبنّاها الحكومة وتأثيرها المباشر على الطبقة المتوسطة، قال الخبير الاقتصادى مدحت نافع: إن «تقرير صندوق النقد الدولى الأخير، أجاب عن تأثير برنامج الإصلاح الاقتصادى للحكومة المصرية على الطبقة المتوسطة، إذ إن البرنامج يتضمّن إجراءات وبرامج لحماية محدودى الدخل. وقد أكد الصندوق أن الإصلاحات التى قامت بها الحكومة فى الشهور الأخيرة، سيحصد كل المصريين ثمارها على المدى الطويل، وأنها ستساعد كلاً من الطبقة المتوسطة والفئات الأقل دخلاً عن طريق زيادة النمو وخلق فرص العمل».
إلا أن «نافع» أكد فى الوقت نفسه، أن هناك تكاليف على المدى القصير أيضاً، مشيراً إلى أن النبوءة بتحسّن الوضع على الورق، حسب وصفه، والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هل ما تستقطعه الحكومة من مخصّصات الدعم التى تسعى إلى ترشيدها تذهب إلى حماية الطبقات الفقيرة؟»، مشيراً إلى أن الإجابة غير واضحة الملامح، ما دام جزء كبير من برامج الحماية المجتمعية يتم الإنفاق عليه دون معلومات رقمية دقيقة، حيث نجد شباباً يستفيدون من برنامج «تكافل وكرامة»، فى حين أنه لا يصح أن نقدم مساعدات مالية ثابتة للشباب القادر على العمل، على حد قوله.
وحذّر «نافع» من تأخر شعور المواطن بنتائج الإصلاح الاقتصادى، خصوصاً الطبقة الوسطى، التى تتضمّن ما وصفه بـ«القوى الناعمة»، التى كان يتراوح دخلها بين 4 و6 آلاف جنيه قبل قرار التعويم، وبالتالى فقدت تلك الشريحة نحو أكثر من 50% من إجمالى دخلها ورقياً، متأثرة بعوامل التضخّم، التى تجاوزت الـ30%، وبالتالى دخلت الطبقة الوسطى نفقاً مظلماً، ودفع ارتفاع أسعار السلع والخدمات بنسب تزيد على 100٪، إلى تراجع قدرة الأسر المصرية على توفير نفس درجة ونوع التعليم والصحة وخدمات الرفاهية لأولادها، التى كانت توفرها لهم فى السابق.
ووصف مروجى «الشائعات الاقتصادية» بأنه لا بد من إلغاء الدعم نهائياً، وتحويله إلى نقدى بالكامل، دون وضع خطط بديلة للحفاظ على الطبقة المتوسطة، واصفاً هؤلاء بالأفاعى التى تلتف حول خطط الدولة بضرورة توجيه استقطاعات الدعم إلى الحماية المجتمعية، قائلاً: «بيض الأفاعى لن يفقس عصافير أبداً».