نتائج «إصلاح الدعم»: المستحقون سقطوا.. ومواطنون يحصلون عليه دون حق
المواطنون يبحثون عن منظومة دعم عادلة
فى مصر، تدعم الحكومة كل شىء تقريباً، بدءاً من جرعات التطعيم التى يتلقاها المواليد الجدد، مروراً بالغذاء والتعليم المجانى فى المرحلة المختلفة، وحتى وسائل النقل والمواصلات والسكن، انتهاءً بالمقابر التى توفرها الدولة من حين لآخر بسعر التكلفة للمواطنين دون النظر لاعتبارات الربحية.
أبواب وبرامج الدعم كثيرة فى مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2017 - 2018، وتتجاوز 35 برنامجاً، وقد خُصص لها، تحت بند «الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية»، 332.7 مليار جنيه، تمثل 28% من إجمالى المصروفات العامة، أى نحو ثُلث المصروفات، بحسب البيان المالى الصادر عن وزارة المالية، تذهب إلى دعم السلع التموينية، دعم المزارعين، دعم المواد البترولية، دعم الكهرباء، دعم الأدوية وألبان الأطفال، دعم شركات المياه، دعم نقل الركاب، دعم اشتراكات الطلبة (سكك حديد)، دعم اشتراكات الطلبة (مترو الأنفاق)، دعم الخطوط غير الاقتصادية (سكك حديد)، دعم التأمين الصحى على الطلاب، دعم التأمين الصحى على المرأة المعيلة، دعم التأمين الصحى على الأطفال دون السن المدرسية، دعم التأمين الصحى لغير القادرين من أصحاب معاش الضمان، دعم التأمين الصحى على الفلاحين، معاش الضمان الاجتماعى، معاش الطفل، برنامج تكافل وكرامة، إعانات الشئون الاجتماعية (تتضمن العلاج على نفقة الدولة)، مساهمات فى صناديق المعاشات، مزايا اجتماعية أخرى، المنح والمساعدات، دعم تنمية الصعيد، دعم فائدة القروض الميسرة، دعم إسكان محدودى الدخل، صندوق مركبات النقل السريع، التدريب، دعم المناطق الصناعية، دعم تنشيط الصادرات، دعم الإنتاج الحربى، صندوق دعم نشاط التمويل العقارى، برنامج توصيل الغاز الطبيعى للمنازل، مبادرة حوض النيل، جهاز تنمية التجارة الداخلية، وبنود أخرى.
الدولة تدعم 82% من المصريين بـ332.7 مليار جنيه فى 2017.. ووزيرة التخطيط: 90٪ من دعم الوقود كان يذهب لأغنى 40% من المواطنين
ولأسباب كثيرة لم تُفلح التجربة التى شرعت الحكومة فى تطبيقها عقب الحرب العالمية الثانية، فى تحقيق أهدافها المتمثلة فى تخفيف حدة الفقر، وتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية للمواطنين لحمايتهم من سوء التغذية، وتحقيق الاستقرار السياسى، علاوةً على إعادة توزيع الدخل لمصلحة الفئات الفقيرة أو الفئات محدودة الدخل، بالتقريب بين طبقات المجتمع، وأبرز هذه الأسباب هو أن منظومة الدعم تتحيز للأغنياء على حساب الفقراء، وتتحيز لسكان الحضَر على حساب سكان الريف، وللمتعلمين على الأميين، إذ يستأثر أغنى 20% من السكان على نحو 22% من الإنفاق العام على التعليم، فالأسر الغنية أكثر استفادةً من الإنفاق على التعليم ودعم الحكومة له، نتيجة لانخفاض معدلات التحاق الفقراء بالتعليم من ناحية، وارتفاع نسبة الإنفاق العام على التعليم الجامعى على حساب التعليم الأساسى والثانوى الفنى من ناحية أخرى، بحسب دراسات أشارت أيضاً إلى أن الأسر مرتفعة الدخل هى الأكثر استفادةً من الدعم المتاح لجميع المواطنين دون تحديد للكميات الممكن شراؤها أكثر من الأسر ذات الدخل المحدود، نظراً لقدرة الأولى على شراء كميات أكبر من السلع والخدمات المدعومة، علاوةً على استفادة سكان الحضر بالدعم أكثر من المقيمين فى الريف، خاصةً دعم بعض المنتجات البترولية وتوصيل الغاز الطبيعى للمنازل، ومنهم المواطنون فى الوجه البحرى مقارنة بالمقيمين فى الصعيد، كما يستحوذ أغنى 60% من السكان فى مصر على نحو ثلثى قيمة الغذاء المدعوم، أما نصيب أفقر 40% من السكان فلا يتجاوز الثلث، بحسب بيانات لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ويؤدى عدم وصول الدعم إلى المواطنين الأكثر فقراً واحتياجاً له، وتسربه لغير مستحقيه إلى غياب العدالة الاجتماعية، بحسب الدراسات.
«الفقى»: 15 مليوناً لا يستحقون الدعم.. والدولة لا تملك قاعدة بيانات دقيقة.. و«عبدالخالق»: الدعم النقدى أفضل من «العينى».. وتطبيقه يحتاج إلى شروط صارمة
بيانات بحوث الدخل والإنفاق الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أيدت ما ذكرته الدراسات، فذكرت فى أحدثها أنه «يحصل أغنى 20% من سكان الحضر على 41.3% من إجمالى الاستهلاك للسلع الغذائية المدعومة فى الحضر، مقابل 35.5% من إجمالى الاستهلاك للريف، وأن متوسط نصيب الفرد من الإنفاق السنوى فى الريف أقل منه فى الحضر».
الإحصائيات الرسمية التى ترصد الفقر فى مصر، تشير فى تطورها التاريخى إلى أن خللاً أصاب منظومة الدعم منذ بداية تطبيقها، وأكدت حقيقة سبق أن صرح بها الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى السابق، مفادها أنه «كلما زاد الدعم زاد الفقر، وأن المنظومة تزيد الفقراء فقراً والأغنياء غنىً»، فأشارت بيانات بحوث الدخل والإنفاق الصادرة مؤخراً عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن نسبة الفقراء فى مصر ارتفعت من 16.7% عام (1999-2000) إلى 21.6% عام (2008-2009) ثم إلى 25.2% عام (2010-2011) ثم 27.8% عام 2015، و28% عام 2016، وهى الفترة التى شهدت زيادة متنامية عاماً تلو آخر فى مخصصات الدعم بالموازنات العامة للدولة، دون وقف تنامى أعداد الفقراء، نتيجة لغياب قاعدة بيانات دقيقة للمستحقين الفعليين للدعم، ومن شأن تحسين عملية استهداف المستحقين للدعم على ضمان وصول الدعم لمستحقيه وعدم تسربه لغير المستحقين له، مما يؤدى إلى تحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية وزيادة قدرة الدولة على تخفيض عجز الموازنة، وتمويل الإنفاق على المشاريع الاجتماعية لتحسين نوعية الحياة.
وشرعت الحكومة فى نهاية عام 2014 فى اتخاذ خطوات إصلاحية نحو هيكلة ملف الدعم من خلال خطة خمسية استهدفت ترشيده وتحقيق الاستهداف الفعلى للمستحقين، وتنقية قاعدة بيانات المستفيدين من غير مستحقى الدعم، إلا أن وتيرة الخطة تتسم بالبطء، ذلك أن المدقق فى الموازنات العامة للدولة للسنوات المالية (2015 - 2018) سيدرك أن مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية زادت من 198.6 مليار جنيه فى موازنة 2014 - 2015 إلى 201 مليار جنيه فى موازنة 2015 - 2016 إلى 278.5 مليار متوقعة فى موازنة 2016 - 2017 ثم إلى 332.7 مليار فى موازنة 2017 - 2018. المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، هو الآخر أكد، قبل أسابيع، أن تكلفة دعم المواد البترولية زادت إلى 120 مليار جنيه خلال العام المالى 2016 - 2017، وذلك بعد تحرير سعر الصرف، بنسبة نمو بلغت 135.3% عن العام السابق له، وهو ما أكد عليه أيضاً الدكتور على المصيلحى، وزير التموين والتجارة الداخلية، قائلاً، قبل أيام، إن مخصصات الدعم زادت 3 مرات بعد الإصلاحات الاقتصادية فى 2016، مختتماً تصريحاته بالقول: «وعلى الرغم من ذلك، حتى هذه اللحظة لا يصل الدعم لمستحقيه».
وزيرة التخطيط، الدكتورة هالة السعيد، اعترفت لـ«الوطن» أن نحو 90% من دعم الوقود كان يذهب لأغنى 40% من المواطنين، وهو وضع يتطلب التدخل لإصلاحه، بترشيد الدعم عبر إجراءات وقرارات تحقق العدالة فى توزيعه. أضافت «السعيد»: «كانت نتيجة هذا الوضع أن مخصصات دعم الطاقة فى الموازنة العامة للدولة كانت تفوق بكثير ما يتم إنفاقه على قطاعى التعليم والصحة، ولهذا كان من المهم مراجعة منظومة الدعم لضمان وصوله لمستحقيه».
الخبير الاقتصادى الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، يرى أن نحو 15 مليون مواطن يستفيدون من منظومة الدعم دون استحقاق لهذا الدعم، مشيراً فى تصريحات لـ«الوطن» إلى الأزمة الحقيقية التى تعانيها الحكومة تتمثل فى عدم امتلاكها قاعدة بيانات دقيقة للمستحقين الفعليين للدعم، وهى ما تعمل عليه فى الوقت الراهن، على حد قوله.
وزير التموين الأسبق، الدكتور جودة عبدالخالق، أكد أن الدعم الذى تقدمه الدولة لمواطنيها مشكوك فى قدرته على انتشال الفقراء من فقرهم، مشيراً إلى أن الدعم النقدى أفضل حالاً من مثيله العينى، إلا أن تطبيقه بحاجة إلى توافر مجموعة من الشروط على رأسها وجود قاعدة بيانات دقيقة ومحدثة تضم المستحقين فعلياً للدعم.
يمضى «عبدالخالق» قائلاً لـ«الوطن»: «من الوارد أن تكون الحكومة قد أغفلت آلافاً من المواطنين المستحقين للدعم، خاصةً فى ظل غياب قاعدة البيانات الدقيقة، وفى ظل وجود ملايين يحصلون على الدعم دون حاجة.