المعارك مستمرة على الجبهة الأمامية: «داعش» يحتمى بالنساء والأطفال.. و«عاصمة الخلافة» تتحول إلى مدينة الأشباح
الرقة بعد أن تحولت إلى مدينة للأشباح
«قتلوا رجلاً وزوجته فى الناحية الغربية.. حاولنا سحبهم ولكن قناصة (داعش) أطلقوا النار من كل مكان».. قالها الجندى العربى فى صفوف قوات سوريا الديمقراطية «إبراهيم»، بينما كان يلهث وأصوات الرصاص والاشتباكات تصم آذاننا، فقد كنا نبعد عن موقع تمركز عناصر «داعش» فى الجبهة الغربية من المدينة عند المستشفى الأهلى فى قلب مدينة الرقة 200 متر فقط. المدينة التى كان يسكنها أغنياء سوريا وتجارها، تحولت إلى مدينة للأشباح ليس بها إلا ركام البنايات المتهدمة وبقايا السيارات المحترقة، بينما رائحة الموتى تملأ الأجواء لتحكى عن حكايات حرب بربرية مرت على مدينة كانت تشتهر بالتجارة والزراعة وتحولت إلى عاصمة للخلافة المزعومة.. هرب سكان المدينة ومثقفوها، وبقيت ميليشيات بربرية رفعت رايات الدم والقتل، وحولت أهلها الذين احتجزتهم بقوة السلاح إلى عبيد بعد أن كانوا من سادة سوريا وكبارها.
بصعوبة بالغة حصلنا على الموافقة الأمنية لدخول «الرقة»، بعد أن تأجلت الزيارة لعدة أيام بسبب الهجمات المضادة التى شنها عناصر «داعش» على قوات سوريا الديمقراطية، ما تسبب فى «إرباك الجبهة»، بحسب تعبير أحد القادة العسكريين الذى طلب منا تأجيل الزيارة لعدة أيام، فقد كانت قوات سوريا الديمقراطية تستعد لإعلان النصر على «داعش» فى الرقة وإعلانها مدينة محررة، لكن الهجمات المفاجئة للتنظيم على محورى دير الزور والرقة أدت لخسائر كبيرة.. «من الواضح أنها رسالة»، هكذا يرى مسئول مكتب العلاقات الخارجية بسوريا الديمقراطية، جمال شيخ باقى، ملمحاً إلى دعم دولى يتلقاه التنظيم.
رائحة الموتى تزكم الأنوف.. وقناصة التنظيم يعتلون البنايات المتهدمة.. وجنود بريطانيون وأمريكيون يتطوعون فى صفوف «قسد»
ما إن حصلنا على إذن الدخول إلى ساحة المعركة حتى حزمنا معداتنا وخرجنا برفقة مدير المركز الإعلامى لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، مصطفى بالى، من مدينة «عين عيسى»، حيث مقر قيادة قوات سوريا الديمقراطية، ورغم أن المسافة بين «الرقة» و«عين عيسى» لا تتجاوز 30 كيلومتراً، فإننا اضطررنا لقطع ما يزيد على 90 كيلومتراً فى طرق ملتفة للابتعاد عن نقاط تمركز عناصر التنظيم الإرهابى. الطريق الضيق المتهالك الذى مررنا به بين قرى ريف الرقة المحرر حديثاً، يحكى قصة ما جرى وينطق شاكياً.. «من هنا مر تتار العصر الحديث»، وبينما كنا نسير فيه اضطررنا إلى الابتعاد عن الأجزاء الممهدة منه والانتقال إلى أجزاء ترابية حتى نفسح المجال لمرور المدرعات الأمريكية العائدة من الجبهة، ورغم أن جنوداً أمريكيين هم من كانوا يقودون تلك السيارات العسكرية، فإن «بالى» أجاب عن سؤال دار فى أذهاننا لم نطرحه مباشرة: «لا.. الأمريكان لا يشاركون فى الحرب بشكل فعلى.. هم يقدمون لنا الدعم التقنى فقط».
عند بلدة «تل السمن» كانت قوات الأمن الداخلى المعروفة باسم «الأساييش» تلقى القبض على 5 من عناصر «داعش» وتنقلهم بسيارة «بيك آب» إلى مركز للتحقيق بالقرب من المنطقة.. «لا تزال هناك الكثير من الخلايا النائمة فى تلك المناطق والحرب معها ستكون أصعب»، قالها الجندى المرافق لنا «بروار»، ابن مدينة «كوبانى»، بينما كان يتمعن النظر فى هؤلاء الخمسة المعتقلين. وبعد عدة كيلومترات، وتحديداً عند قرية «حزيما»، مررنا على أحد أفرع نهر الفرات.. شرح لنا «بروار»: «هذا النهر لغمته (داعش) وهدمت الجسور عليه حتى تمنع وصول القوات إليهم، لكننا قاتلناهم من كل مكان».
وصلنا أخيراً إلى مدخل «الرقة» فى المناطق المحررة، لكن الحواجز الإسمنتية أعلنت نهاية الطريق بينما أعمدة الدخان تتصاعد بكثافة من داخل المدينة، فاضطررنا إلى الالتفاف يساراً لندخل المدينة عبر جانبها الأيسر من خلال قرية «حاوى الهوى» التى تحررت منذ أربعة أشهر وتحولت إلى مركز خلفى لقيادة العمليات العسكرية. وما إن وصلنا إلى هذا المركز، حتى لفت أنظارنا جميعاً عبارة: «لا تنسى ما حدث فى كوبانى».. عبارة كتبها مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية «الياباكا» على حائط إحدى البنايات المواجهة لمركز العمليات فى «حاوى الهوى».
قوات سوريا الديمقراطية: «نقاتل فى شارع شارع وبيت بيت لإخراجهم».. وجندى سريانى: أقاتل لأجل الدولة السورية.. ولن أرفع السلاح فى وجه الجيش السورى.. وقائد ميدانى: الأمريكيون يقدمون لنا الدعم الفنى ولا يشاركون فى القتال.. و«أبجر»: إرهابيو «داعش» احتجزوا مدنيين وأطفالاً رضعاً داخل المستشفى واعتدوا على السيدات لنسمع صراخهن لإجبارنا على إيقاف الضرب
«بدأنا عند منتصف ليلة أمس هجوماً على تمركزات (داعش) وسنطوره اليوم»، قالتها «أوجين»، مسئولة المركز الإعلامى على الجبهة، بينما كانت تطلعنا على آخر التطورات الميدانية لعمليات القتال فى مواجهة «داعش» على الجبهة الغربية لـ«الرقة». دقائق وانطلقنا فى طريقنا مجدداً سيراً على الأقدام فى حى السبهان، الذى كان الدمار فيه هو عنوان كل شىء.. الحى بأكمله تحول إلى ركام ولم يبق فيه عقار واحد سليم.. على يمينك سيارات محترقة وبنايات متهدمة.. وعلى يسارك تتصاعد رائحة الموتى لتزكم الأنوف. وإلى جانبنا، كان «بروار» ينظر إلى السماء منصتاً، فقد كان هناك صوت أزيز خفيف يتسلل إلى آذاننا.. وفجأة صرخ الجندى: «اختبئوا»، وركض سريعاً نحو جراج متهدم، اختبأنا جميعاً بناءً على تعليماته، فأشار لنا نحو السماء وقال: «طائرة مسيرة لـ(داعش) تراقب الأجواء، ومن الممكن أن تحمل صواريخ تطلقها علينا». انتظرنا لدقائق معدودة وبعدها خرجنا بحذر، وكان علينا أن ننتقل عبر شارع عريض إلى الجهة المقابلة لنصل إلى إحدى النقاط الأمامية للمعركة.
وقف «بروار» مستتراً بحائط على ناصية الطريق، أشار نحو بناية على أول الشارع.. وقال بحزم: «هنا يوجد قناص لـ(داعش)، وفى الناحية الأخرى نعتقد أن هناك قناصاً آخر»، ولم يكد يكمل حديثه حتى ضاع صوته وسط انفجار بدا لنا قريباً، قال الجندى: «طائرة ضربت هناك»، وأشار نحو أعمدة الدخان المتصاعدة، وأردف سريعاً: «علينا أن نعبر ركضاً وبسرعة نحو الجانب الآخر.. لا تركضوا فى خط مستقيم حتى لا تكونوا هدفاً سهلاً للاصطياد»، وخرج الجندى سريعاً من المكان راكضاً نحو الضفة الأخرى من الطريق وركضنا خلفه واحداً تلو الآخر، بينما كانت أصوات الرصاص تنطلق من بعيد ولم نكن نعرف أين تدور المعارك بالضبط.
فى الطابق الرابع من عمارة لم يتبق منها سوى أعمدة خرسانية وقليل من الحوائط التى رسمت عليها القذائف لوحة الحرب المرة، كان 9 من جنود قوات سوريا الديمقراطية يتحصنون ويراقبون القتال الدائر على بُعد أمتار منهم، وقف اثنان خلف حائط تهدم نصفه يراقبان الوضع فى الجهة المقابلة. كان المشهد من أعلى مرعباً.. رؤوس بنايات متهدمة تقف شامخة وسط كميات رهيبة من الركام. «هنا يوجد قناص»، قالها الجندى «عبدالله» بينما كنا نتفقد الموقع، وأشار نحو بناية تبعد نحو 300 متر أو أقل قليلاً، فصاح جندى آخر: «اخفضوا رؤوسكم، فهناك قناص أمامنا»، وأضاف: «يجب ألا تستهينوا بقناصة (داعش) فهم متميزون ومهرة للغاية وهم أخطر ما فى هذا التنظيم». بعد قليل جاءت تعليمات للجندى المتمترس خلف بندقية أمريكية الصنع، تأمره بالاشتباك مع القناص الموجود أمامه.. أطلق ثلاث رصاصات دون رد واحتمى بالجدار، وتحرك مسرعاً: «لا بد أن أغير مكانى».
كان علينا أن نغادر البناية بسرعة، فاشتباكات مرتقبة ستجرى فى هذا المكان.. غادرنا بنفس الطريقة إلى منطقة أخرى، حيث تنتظرنا مدرعة «هامر» أمريكية لنقلنا إلى خط الجبهة الأمامى. انطلقت المدرعة الأمريكية بسرعة كبيرة للغاية وسط طرق ضيقة متجاوزة آثار الركام المتناثر فى كل مكان، بينما كان الجنود الستة بالمدرعة يغنون أغنية باللغة الكردية، تقول: «يا شقيقى ياللى بالجبهة مشتاق لك». زاد سائق المدرعة من سرعته بصورة جنونية وطلب أن نتماسك جيداً: «سنمر من منطقة لـ(داعش) وهناك قناصة يحملون صواريخ حرارية يمكنها أن تصيبنا بسهولة»، أمسك السائق بجهاز لاسلكى منادياً على زملائه على الطريق يخبرهم بدخوله إلى منطقتهم. «لا بد أن أخطر كل نقطة أنى سأمر من أمامهم قبل دخولى فى نطاق النقطة وخلال وجودى، وإلا أعتبر هدفاً معادياً ويتم التعامل مع المدرعة، نحن نخاف أن تختطف «داعش» أى مدرعة وتدخل بها وسط قواتنا، لذلك الإخطار اللحظى مهم جداً لعبورنا، وهناك تعليمات للقوات إذا لم تعرف الهامر بنفسها يتم إطلاق النار عليها فوراً»، قالها قائد المدرعة بعد أن توقف أخيراً لنقل صناديق من الذخائر إلى نقاط التماس داخل بناية متهدمة تبدو وكأنها كانت منزلاً لأحد أثرياء «الرقة»، ولكن واجهاتها الرخامية احترقت بالفعل جراء القذائف والقصف خلال المعركة، بينما كانت حفرة كبيرة تحول بين باب البناية والشارع وضعت القوات جزءاً من السور الحديدى أعلاها حتى نتمكن من العبور عليه إلى داخل المبنى.
آثار الدمار فى كل مكان أجبرتنا على الدخول عبر فتحة بجدار مطبخ البناية صنعتها القذائف المتلاحقة فى المعركة.. حذرنا أحد الجنود: «لا تلمسوا أياً من الأوانى، فمن الممكن أن تكون ملغمة»، وعبرنا إلى صالة واسعة مدمرة بالكامل كانت مقتنيات أصحاب البيت فيها مبعثرة فى كل مكان. انحنى «بالى» على الأرض يجمع بعناية مجموعة من الصور الشخصية لأصحاب المنزل: «هذه ذكرياتهم يجب أن نحافظ عليها لحين عودتهم». «لا تعرف مدى الألم الذى تعانى منه عندما تدمر كل ذكرياتك»، قالها بينما كان يكافح لمنع تساقط الدموع من عينيه، مضيفاً: «عندما عدت إلى منزلى فى (كوبانى) لم أجد أياً من ذكرياتى، فقط وجدت بقايا الدواعش، صعب جداً أن تفقد ماضيك بسبب هؤلاء»، وجمع الضابط الصور وبحث عن شنطة وضعها فيها بعناية ووضعها داخل دولاب، قائلاً: «أتمنى عندما يعود أصحاب هذا البيت ألا يشعروا بحجم الألم الذى عانيته عندما رجعت إلى بيتى فى (كوبانى) بعدما تخلصنا من (داعش)».
كانت أصوات الطلقات مستمرة لا تتوقف، بينما هناك جندى يجلس على سلم البناية خلف فتحة صغيرة فى الجدار يراقب تحركات عناصر «داعش». أشار الجندى بيده: «هناك يوجد المستشفى على بعد 200 متر، هناك يتحصنون». لم يكد يكمل حديثه حتى دوى صوت انفجارات ضخمة غطت على صوته.. «الطائرات تقصف محيط المستشفى»، قالها ببساطة بينما كان يعدل من وضعيته لاستكمال مهمته فى مراقبة الدواعش.
فى هذه البناية كان هناك نحو 15 جندياً يتمترسون فيها، ليؤكد لنا قائد الموقع، عيسى الكردى، أن «الاشتباكات لا تتوقف مع عناصر (داعش)، فقد حاولوا بالأمس العبور ليلاً إلى مبنى على يسار المستشفى، لكننا أوقفنا تقدمهم وتراجعوا مرة ثانية إلى داخل المستشفى.. قاتلناهم فى شارع شارع وبيت بيت، حتى استطعنا أن نحاصرهم من كل الزوايا، ولكننا لا نهاجم نظراً لوجود مدنيين محتجزين داخل المستشفى وهذا ما يمنعنا من مهاجمتهم». صمت الرجل لحظات ليتلقى اتصالاً عبر جهاز اللاسلكى باللغة الكردية، انتهى منه ثم خرج من الحجرة مسرعاً ليطلب من القناص الاستعداد لاستهداف أحد العناصر الإرهابية.
فى غرفة مجاورة، جلس قناص أمريكى ضخم الجثة خلف بندقية واستمع للتعليمات حول المكان الذى يجب استهدافه، أخذ نفساً عميقاً ثم أطلق 3 طلقات، جاءت التعليمات عبر اللاسلكى بتغيير الهدف وضرب مبنى يقع على يسار المستشفى يوجد فيه مقاتلو «داعش». وما إن تبادر إلى ذهننا تساؤلات عديدة حول جنسية هذا القناص ومشاركة القوات الأجنبية فى المعارك، حتى أجاب «عيسى الكردى» سريعاً: «الجندى الأمريكى هو واحد من الجنود الأمميين المتطوعين مع قوات سوريا الديمقراطية لقتال (داعش)، وهو لا ينتمى للجيش الأمريكى». صمت القائد الميدانى لبرهة، وأضاف: «هناك أيضاً بريطانى معنا وهو أيضاً متطوع وهناك الكثير من المتطوعين على الجبهة من جنسيات مختلفة».
فى حجرة مجاورة غطيت نوافذها ببطاطين سميكة تحجب الرؤية، أشار «إبراهيم»، وهو جندى عربى من «القحطانية»، نحو كومة من الملابس والمقتنيات، وقال: «هى لـ(داعش).. كانت تعيش هنا أسرة «داعشية». كانت تلك الكومة تحتوى على ملابس تدريب عسكرية وجلابيب أطفال وعلم «داعش»، فضلاً عن عدد من الصواعق التى تستخدم فى التفجير عن بعد متناثرة بإحدى الحجرات».
تحذيرات متكررة: لا ترفعوا رؤوسكم فـ«الدواعش» حولنا.. ولا تلمسوا أى شىء فقد يكون مفخخاً.. و«بروار»: لغموا الترع وفرع نهر الفرات وهدموا الجسور لمنع تقدمنا
لحظات وتلقى أحد الجنود اتصالاً عبر اللاسلكى يطالبه برصد تأثير ضربة ستوجه لمبنى تتحصن فيه عناصر «داعش»، وعبر فتحة مستديرة قطرها نحو 30 سم، وقف الجندى يراقب عبر نظارة مكبرة الضربة وتأثيرها لإبلاغ مركز القيادة بنتائج الضربة. «بدأنا عند منتصف الليل هجوماً على عناصر (داعش) والآن مع الثالثة عصراً سنطور الهجوم»، قالها القائد الميدانى وقطع حديثه أصوات انفجارات متتالية بعدما أطلق مقاتلو «داعش» التكبيرات عبر مكبرات الصوت. بعدها بدأت اشتباكات عنيفة بين الطرفين استمرت نحو عشر دقائق، وبعد لحظات هزت قذيفة أطلقتها طائرة على موقع قريب من مكان وجودنا، جعلتنا جميعاً نشعر بآثارها.
مع احتدام الاشتباكات، وقف «رابى»، الجندى السريانى، خلف فتحة بالحائط ممسكاً بسلاحه يراقب الأوضاع ويشتبك مع مقاتلى تنظيم «داعش». «رابى» هو أحد أفراد كتيبة السريان التابعة للمجلس العسكرى السريانى الذى يقاتل ضمن قوات سوريا الديمقراطية، يقول: «كنت أقاتل مع الجيش السورى خلال فترة تجنيدى منذ عام 2010 وحتى عام 2015، وخرجت من الجيش بعد قرار الرئيس بشار الأسد بمنع وجود أخوين بالجيش، كنت أنا وأخى قد التحقنا بالخدمة الإلزامية وبناء على هذا القرار تم تسريحى، ولأننى جندى مدرب انضممت للمجلس العسكرى السريانى». صمت الشاب الثلاثينى لبرهة، وأضاف: «فى الحقيقة لم أكن أريد أن أترك الجيش السورى أبداً.. كنت أقاتل من أجل الدولة السورية، وكنت أود القتال حتى نتخلص من (داعش)»، ونظر إلى السماء قائلاً: «الحقيقة لا أرغب ولا أريد أبداً أن أقاتل الجيش السورى.. وقد اتفقت أنا وأخى ألا نقاتل أبداً ضد بعضنا البعض.. وإذا دخلت قوات سوريا الديمقراطية قتالاً ضد الجيش السورى سأنسحب فوراً.. هذا شرطى وقادتى يعرفون ذلك، وكذلك أخى طلب من قادته أن ينسحب إذا وجد نفسه يقاتل الشعب السورى، والحقيقة قائده تفهم موقفه ووعده بذلك».
أنهى «أبجر»، الضابط السريانى، قائد وحدة مقاتلة تبعد عن مكان تمركزنا نحو 100 متر، اجتماعاً سريعاً مع «عيسى»، وأشار إلى بناية تقع فى مواجهة مبنى المستشفى، قائلاً: «هناك أتمركز أنا وعدد من الرفاق.. دخلنا إلى هذه المنطقة المتقدمة بصعوبة بالغة بفضل حنكة القائد عيسى الذى نزل وقاتل معنا على الأرض، وأنا مدين له بحياتى». نظر الشاب السريانى نحو قائده، وأضاف: «دخلنا هذا الموقع منذ عدة أيام، كان مقراً لـ(داعش) واستولينا عليه، وداخل المقر وجدت قنابل مكتوباً عليها (تنظيم الدولة) وصواعق وأجهزة تفجير. وأسفل المبنى كانت توجد سيارة مدرعة لـ(داعش) كانت فى الأصل سيارة عادية لكنهم قاموا بوضع دروع لها».
وأضاف «أبجر»: «أعتقد بشكل كبير أن (داعش) تحتجز مدنيين داخل المستشفى.. كنا نكثف من إطلاق النار نحوهم فرفع أحدهم يده لنا لوقف الضرب ورفع طفلاً رضيعاً فى الهواء أمامى ليعرفنى أن هناك مدنيين، كنت أسمع صراخ أمه.. (ابنى ابنى).. أوقفت الضرب وأبلغت القيادة أن هناك مدنيين محتجزين بالمبنى، وبعد ذلك سمعت صراخ عدد من السيدات من الواضح أنهم كانوا يضربونهن لنسمع صوت صراخهن».
اشتدت المعارك وعادت أصوات التكبيرات تنطلق من داخل المستشفى القريب مع كل قذيفة تطلق فى محيطها. «لا نضرب المستشفى لوجود مدنيين به، لكننا نستهدف أماكن وممرات تحاول (داعش) فتحها لفك الحصار عليها»، قالها «عيسى الكردى» وانصرف ليتابع العمليات العسكرية الدائرة عبر جهاز لاسلكى مرتبط بالقيادة.
قاربت الشمس على المغيب، فأخبرنا مرافقونا العسكريون أنه علينا أن نغادر الجبهة سريعاً قبل أن يسدل الظلام ستاره وحتى نخرج بأمان، فاستقللنا المدرعة وانطلقنا بسرعة جنونية وسط أصوات قذائف تدوى من حولنا، ولم تتوقف المدرعة إلا بعد أن خرجت تماماً من محيط الاشتباكات أمام مبنى أنيق زينت واجهته بالرخام المرمرى، وكتب أعلى الباب المفتوح «الدولة الإسلامية» باللون الأسود، إلا أن أحدهم قام بالشطب عليها كعلامة على انتهاء وجود التنظيم بـ«الرقة» وتحريرها من عناصر الدولة المارقة.