أصغر مصنع للأدوية المهندسة وراثياً.. طاقة أمل لمرضى الفيروسات والأورام
باحثة داخل المعمل
«مصنع صغير»، هكذا يصف الكثيرون وحدة التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية التى أنشأها الدكتور محمد على صابر، المشرف العلمى السابق لوحدة التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية بمعهد تيودور بلهارس، الذى يُعد من أقدم الأقسام التى تأسست بالمعهد عام 1967، إلا أن الباحثين نجحوا فى نقل تكنولوجيا الهندسة الوراثية إلى المعهد عام 1980 ليبدأ العمل المستمر حتى اليوم فى تشخيص فيروس «سى» و«بى»، كأول جهة بحثية فى مصر تنجح فى تشخيص هذه الأمراض بالاشتراك مع مشروع «عالم».
قال الدكتور «صابر»، لـ«الوطن»، إن المعمل نجح فى اكتشاف ما يقرب من 3 آلاف جينوم للبلهارسيا باسم المعهد فى مشروع عالمى شاركت فيه إيطاليا، والبرازيل، وأمريكا، واليابان، وسُجلت الجينات الجديدة باسم المعهد، وتوجد نسخة من هذه التسجيلات فى متحف تاريخ الطبيعة فى إنجلترا. ونجح المعمل، كما ذكر «صابر»، فى إنتاج البروتينات التى يمكن من خلالها التعرف على الصفات الوراثية للجينات لمكافحتها، بخاصة أن علاج مرض البلهارسيا يحتاج لأن يكوّن ما يشبه المناعة داخل جسم الإنسان ليمنع تكرار نقل العدوى له عقب شفائه، ومن خلال البروتينات يمكن إنتاج أجسام مضادة يمكنها تكوين مناعة للجسم.
د. صابر «المؤسس»: معظم شركات الأدوية ترفض التصنيع المحلى حتى لا تتعطل أرباحهم السنوية
ولفت «صابر» إلى أن «المعمل نجح فى مرحلة الاختبارات على حيوانات التجارب بنسبة تصل إلى 76%، ونشرها فى دوريات عالمية، مع العلم بأن التجارب العالمية لم تصل بعد لنسبة نجاح تصل إلى 100%، ومن خلال تجارب المعهد توصلنا لثلاث جينات يمكنها تكوين مناعة قوية، وتُعد هذه البروتينات نواة لإنتاج أدوية مهندسة وراثياً تقلل من حاجة الأدوية لاستيرادها من الخارج، فى حال تصنيعها محلياً، خاصة أن المعهد توصل للمرحلة نصف الصناعية لهرمونات مثل الإنترفيرون ألفا، وجاما، وعامل تحفيز المستعمرة المحببة، المستخدم فى علاج السرطان وبعض الأورام، لكن رغم النجاح فى إنتاج هذه البروتينات بتمويل من صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية عام 2014 فإن شركات الأدوية ترفض أن تعطل أرباحها لمدة عامين، وقت إنشاء المعامل والتجارب لإنتاج البروتينات، وتفضل استيرادها من الخارج».
يجد مؤسس المعمل بارقة أمل فى مشروع القانون الذى تقترحه أكاديمية البحث العلمى بأن يُسمح بإنشاء جمعيات تعاونية لشركات صغيرة تنبثق من المعامل والمعاهد البحثية يمكنها الاستفادة بنسب كبيرة من أرباح المنتجات البحثية بدلاً من التعاقد الحالى الذى يعطى نسبة 5 فى الألف للباحث صاحب براءة الاختراع، ما يفتح المجال لكسر احتكار بعض الشركات وإيجاد صناعة وطنية حقيقية لأدوية ومنتجات بحثية يحتاجها المجتمع دون الحاجة لاستيرادها.
د. هند: نجحنا فى إنتاج «بروتين إنترفيرون جاما» بكميات كبيرة
بدأ «صابر» فى شرح مراحل إنتاج البروتينات داخل المصنع الصغير من خلال «البدء فى فصل الجين عن البروتين، ووضعه فيما يمسى (فيرمنتور المخمر) الذى يعطى عوامل مناسبة لتكاثر البروتين مثل درجة الحراة الملائمة، وعقب إنتاج كميات كبيرة نبدأ فى فصلها عن الجهاز وتبدأ مرحلة تكسير بداخل جهاز آخر مجاور يحول البروتين لحالة سائلة، بعدها يُفصل باستخدام أعمدة فصل موجودة بجهاز مجاور للمعمل للحصول على بروتين نقى، وهذه الخطوات هى المتعارف عليها عالمياً فى إنتاج البروتينات المهندسة وراثياً المستخدمة فى تصنيع الأدوية».
«بروتين إنترفيرون جاما» نجحت الدكتورة هند عكاشة، مدرس بالمعهد، فى إنتاجه بكميات كبيرة، بحسب قولها، ويُستخدم علاجاً لتقليل خطورة الإصابات المتلازمة مع داء الحبيبى المزمن ويقلل تأثير مرض هشاشة العظام حتى لا يتحول إلى أورام خبيثة، ومن خلال مشروع بحثى انتهى العام الماضى، نجحت «عكاشة» فى إنتاج هذه الكميات لأول مرة فى مصر داخل المعمل نصف الصناعى للهندسة الوراثية الموجود بالمعهد، وتقدر هذه الكميات التى أنتجت من البروتينات بملايين الجنيهات فى حال لجوء شركات الأدوية لاستيرادها من الخارج، فمثلاً استيراد 5 لترات من الإنترفيرون يكلف نحو 10 ملايين جنيه، إلا أنه فى حال إنتاجه محلياً يتكلف فقط 10 آلاف جنيه.
ومن خلال مزارع متخصصة، استطاعت أمنية على، مساعد باحث بالمعمل، إنتاج كميات كبيرة من بروتين الإنترفيرون «ألفا بى تو» المستخدم فى تصنيع أدوية لعلاج فيروس «سى» و«بى» وبعض أنواع السرطانات، وفى حال تبنى إحدى الشركات لنشاط المعمل فى إنتاج هذا البروتين يمكن تعديل العلاج الحالى لإنترفيرون بأن تتحول جرعاته إلى جرعة واحدة بدلاً من ثلاث جرعات يُحقن بها المريض حالياً، نظراً لأن تحضير هذا البروتين محلياً يساهم فى زيادة عدد ساعات بقاء الدواء داخل الجسم لتصل إلى 80 ساعة دون تكسير سريع، مثلما هو الحال فى العلاج الحالى.
وبداخل غرفة صغيرة مجاورة للوحدة نصف الصناعية، أشار الدكتور محمد شميس، رئيس وحدة التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية، لنشاط الوحدة فى الكشف عن الفيروسات مثل فيروس «سى» و«بى» بأسعار رمزية للمواطنين مقارنة بالمستشفيات الأخرى. وأضاف «شميس»، لـ«الوطن»، أن الباحثين داخل المعهد استطاعوا من خلال منح السفر إلى بلدان مثل ألمانيا نقل التكنولوجيات المختلفة مثل «النانوتكنولوجى» للمعمل من بين أوائل المعامل على مستوى مصر التى بدأت مبكراً فى هذا المجال، بالتعاون مع أحد معاهد الفيزياء فى ألمانيا، بعدها بدأ المعمل فى التعاون مع عدد من الجهات الدولية لزيادة وتحديث خبرات الكوادر الموجودة.
ومن بين أحدث أنشطة المعمل، كما ذكر «شميس»، اتفاقية وُقّعت هذا العام مع المعهد الألمانى لمشاركة المعهد فى قياس مخاطر استخدام النانوتكنولوجى فى التجارب المعملية، بقياس نسب السميات وتأثيرها على الإنسان والبيئة باستخدام تقنيات حديثة، على أن يجرى جزء كبير من التجارب فى ألمانيا، على أن يكون هذا التعاون نواة لمساهمة مصر بشكل رسمى فى إنشاء ما يشبه لائحة للأخلاقيات فيما يتعلق باستخدام النانوتكنولوجى فى الاختبارات.
ولفت «شميس» لمشروع آخر للتعاون مع جنوب أفريقيا باستخدام تقنيات النانو الموجودة بالمعمل المصرى، بإنتاج «نانو كبسول» يحمل الدواء بشكل موجّه تجاه الخلايا المصابة، بخاصة فى علاجات السرطان. كما يعمل المعمل على إرسال طلاب ماجستير ودكتوراه للتدريب فى فرنسا وجنوب أفريقيا ونقل هذه الخبرات لباقى الباحثين الموجودين بالمعمل، للتعرف دوماً على أحدث ما توصل له العلم.