محطة مصر: رحلة تبدأ من طابور على الكشك الصفيح
صورة أرشيفية
يتوافدون من كل بوابة، تهرول أرجل وأخرى تمشى على مهلٍ لثقل ما تحمله، يدخل بجلبابه البسيط تجاوره سيدة تواكب ملابسها أحدث صيحات الموضة، القطار وجهة الجميع، يتفرقون على أرصفة الانتظار فى محطة سكك حديد مصر برمسيس، التى حفظها بعضهم عن ظهر قلب لكثرة تردده عليها، وغيرهم يتساءلون وهم حيارى عن قبلتهم، ولكن الجميع يعلم أنه على قدر قيمة التذكرة تكون الراحة.
صالة رئيسية تتفرع منها البوابات، مصممة على طراز حديث بعد تجديدها منذ فترة ليست ببعيدة، تضم بضعة أكشاك زجاجية، بعضها لقطع التذاكر وواحد للاستعلامات، فى وجهها الطريق المؤدى إلى القطار، وقبل العبور إلى الأرصفة توضع بوابات حديدة يغلقها «كُمسرية» يجلسون على مقعد خشبى كبير يستندون إلى ساعديه ويطالبون الداخلين بإبراز التذكرة الخاصة بهم أو قطع واحدة معهم، يقول أحد الموظفين بالمحطة، الذى طلب عدم الإفصاح عن اسمه لـ«الوطن»، إن بعض هؤلاء «الكُمسرية» ينتظر «الزبون اللى ماقطعش تذكرة من الشباك»، وبدلاً من إخباره بالتوجه إلى الشباك لقطع تذكرة يأخذ منه ثمنها وفوقها الغرامة، التى تقدر فى بعض القطارات بـ«50 قرشاً» و«50 قرش فوق 50 قرش منفعة».
تأخر القطارات عرض مستمر منذ حادث الإسكندرية.. ومصدر: «السواقين قللوا السرعة»
تتفرق الأرجل المتزاحمة بين الأرصفة، وعلى أحدها يقف رجل بجوار زوجته ملامحهما صعيدية، يخبرها باقتراب وصول القطار إلى المحطة منذ ما يقرب من نصف ساعة، سئمت الزوجة الانتظار، لكن قطع تذكرتين منعهما من الخروج واستقلال أى وسيلة أخرى، لكن تقف الراحة حائلاً أيضاً «من يوم ما كنت باجى بيه مع أبويا الله يرحمه لمصر، لا أعرف أركب ولا أرتاح فى غيره».
تلك الظاهرة التى لم تتوقف عند «كرم» وزوجته، ولكن تحدث عنها أيضاً «محمود عطية»، الذى اعتاد ركوب القطار منذ شبابه «وكان القطر بيتظبط عليه الساعة»، إنما لاحظ الرجل الستينى الذى يقف منتظراً قطار المنيا أنه منذ حادثة تصادم قطارى الإسكندرية فى أغسطس الماضى، تبدلت أحواله «بقى بيتأخر وبطىء وبيقف كتير».
يُرجع مصدر بهيئة سكك حديد مصر لـ«الوطن» سبب التأخر إلى السائقين، الذين أصبحوا يخشون الإسراع بسبب تهالك القطارات، «بدل ما يمشى على سرعة 80 مثلاً بقى يمشى على 40، فاللى كان بيوصل فى ساعتين بقى يوصل فى 3 و4 ساعات»، ومن يستغرق فى المسافات الطويلة 12 ساعة قد يأخذ 18، وهو ما خمنه الركاب رغم عدم إطلاعهم على ذلك، فلم يعد كتيب «جدول المسيرات» الذى يحملونه فى أيديهم، ويباع فى شباك التذاكر بـ3 جنيهات ونصف لخط بحرى وبـ5 جنيهات لوجهى قبلى وبحرى، يعبر عن الواقع والمواعيد المضبوطة.
بوفيه نظيف وسجائر داخل القطارات المكيفة، حال بعض القطارات المميزة التى فى قواعدها لا تسمح بالتدخين إلا أن الواقع غير ذلك، فيتأفف الرجل السبعينى الذى يرثى حال السكة التى اعتاد ركوبها منذ شبابه، ويوجه حديثه لأحد مستقلى القطار لإطفاء سيجارته ثم يتمتم بصوت عالٍ «المفروض الهيئة تطبق غرامة على اللى بيشرب سجاير ويوسخ القطر مش معقول قشر اللب اللى على الأرض».
للباحثين عن النظافة.. السجائر واللب زائر دائم لأرض العربات «ولا عزاء للغرامة»
«رسم الدخول 1 جنيه»، عبارة مدونة على لافتة يجاورها عبارة «WC للرجال والسيدات»، تقع على أحد جوانب الخروج أو الدخول إلى قطارات وجه قبلى وأخرى فى الصالة الرئيسية، قيمة واحدة، و«الحمامات» لا تمت لبعضها بصلة، الأول به «ستارة» بنفسجية فاصلة بين دورة مياه الرجال والسيدات مع إضاءة «اللمبات النيون»، تشف ما خلفها، حيث توجد أحواض للسيدات وحمامان «أفرنجى وبلدى»، فى مساحة لا تتعدى متراً وربع المتر، بينما باقى المساحة المتسعة مخصصة للرجال، وعندما تسأل مستأجر تلك المساحة، يقول: «الستارة ساترة»، فالأهم عنده الجنيه، «حتى لو هتشرب بُق ميّة وتخرج»، شتان الفارق بينه وبين حمام الصالة الرئيسية، فتفصل بين الدورتين بضعة أمتار، فى كل واحدة مساحة واسعة للاستخدام، وحمامات وأحواض كافية للاستخدام، تحافظ على خصوصية الركاب.
حمامات قطار قبلى.. الدخول بجنيه و«الستارة» الفاصل بين الرجال والسيدات
من قبلى لبحرى لا تختلف الأحوال، ولكن من مميز لعادة هناك الكثير من الاختلاف، ففى الأخير لا شبابيك، والحمامات «بلدى» شديدة الاتساخ، خاصة فى قطارات المسافات القصيرة، تقبع أمامها أكشاك مصنوعة من «الصفيح» مخصصة لصرافى التذاكر، مساحتها لا تتعدى مترين فى متر وربع، تنبعث منها حرارة لا تُحتمل، خاصة أنها على رصيف قطار ومنها للشمس، ما يجعل الموظفين القابعين بها ينصرفون قبل موعدهم فى أغلب الأحوال هرباً من السخونة المنبعثة، التى تزيد من حرارة الصيف.