المدرسون يشكون التهميش ومعاناة التدريس: «الطالب بيخاف من اللى بيسمعه»
صعوبة فهم الطلاب للدروس أبرز المشاكل التى تواجه مدرسى المعاهد الأزهرية
حياة مختلفة وطبيعة عمل خاصة يعيشها معلمو المعاهد الأزهرية على اختلاف تخصصاتهم، حيث لم تقتصر صعوبات الدراسة الأزهرية على الطالب وحده، وإنما كان لمعلمه هو الآخر قسط أصابه من هذه الصعوبات، فمنهم من اقتصرت شكواه على تهميش معلمى الأزهر بالمقارنة بغيرهم من معلمى المدارس العامة، ومنهم من لم يقف عند هذا الحد، وامتدت شكواه إلى طبيعة المناهج نفسها، التى قد تشكل فى بعض الأوقات صعوبة على الطالب والمدرس معاً، فضلاً عن بعض المشكلات الأخرى الخاصة بترتيب منهج المادة الواحدة، إلى جانب أسباب ودوافع الدراسة فى الأزهر التى انحرفت حالياً عن هدفها الحقيقى، حسبما قالوا.
محمود الحداد، مدرس لغة عربية بأحد المعاهد الأزهرية، فى أواخر عقده الثالث، لم ينكر التغييرات التى طرأت على المواد العربية فى المرحلة الإعدادية، حيث أصبحت الآن جميعها فى كتاب واحد، إلا أن الأزمة ما زالت قائمة بالنسبة للمرحلة الثانوية، وهو ما يشكل نوعاً من الصعوبة عليه وعلى الطالب فى آن واحد: «المنهج بيكون صعب جداً، وأحياناً الطالب نفسه بيكون مرتبك وخايف من اللى بيسمعه»، مشكلات فى ترتيب منهج المادة الواحدة، يواجهها «الحداد» أثناء عملية التدريس للمرحلتين الإعدادية والثانوية على حد سواء، اعتبرها واحدة ضمن أصعب ما يمكن أن يواجهه المعلم، وذلك عندما تكون هناك دروس فى منتصف الكتاب أو فى آخره كان يجب أن يتم وضعها فى بداية المنهج، حيث الترتيب المنطقى لها: «مثلاً فى أولى إعدادى تلاقيه بادئ بعلامات الحرف وبعدها بكام درس تلاقى درس تانى أقسام الحرف، بالرغم من إن الطالب كان مفروض يعرف إيه هو الحرف الأول وبعد كده يعرف علاماته، وخد من ده كتير»، الأمر الذى يضع عبئاً آخر على عاتق «الحداد» فى إعادة ترتيب هذه الدروس مرة أخرى أثناء الشرح، موضحاً أن أسس علم التربية يتلخص فى ترتيب عرض المعلومات، سواء كانت داخل الدرس الواحد أو فى الدروس المتعددة: «لازم لما أشرح تكون المعلومة مترتبة على مدار الدروس المتعلقة بيها، والمشكلة ديه بتكون موجودة بشكل كبير فى مادة النحو، لأنه مادة عبارة عن معلومات يبنى بعضها بعضاً».
نفقات الدروس الخصوصية أحد أسباب الالتحاق بالمعاهد.. و«صابر»: «اللى حابب الأزهر بينجح فيه».. و«نادية»: المجتمع يعتبرنا أقل من غيرنا
جانب آخر من المعاناة تطرق إليه «الحداد» فى حديثه، كان محوره عدم المساواة بين معلمى الأزهر وغيرهم من معلمى المدارس العامة، رغم أن طبيعة مناهج الأزهر، حسب «الحداد»، تحتم أن يكون معلم الأزهر على كفاءة أكثر من غيره: «فى العام بياخدوا قشور، إنما فى الأزهر بياخدوا كل تفصيلة مع اختلاف كل مرحلة تعليمية، وبالرغم من ده مدرس الأزهر مابياخدش نفس القدر اللى مدرس العام بياخده، ولو كان الفرق بينا وبينهم فى المجهود المبذول بس، فده كفاية لأن المناهج عندنا أصعب فى الكم والكيف، وحتى نقابة المعلمين بتعتبرنا دخلاء عليهم».
مشكلة التهميش كانت حاضرة أيضاً عند «نادية نادى»، مدرسة المواد الشرعية فى أحد المعاهد الأزهرية بحلوان، فهناك حق مهدور لمعلمى المعاهد الأزهرية، حسب ما قالت، مرجعة ذلك إلى أسباب متعددة: «طبيعة المجتمع اللى إحنا عايشين فيه فاكرين إن مدرس الأزهر خريج 50% وإنه فى مرتبة أقل من غيره، ودايما فاكرين إنه معندوش مادة علمية»، وهو الأمر غير المقبول لدى «نادية»، التى قالت إن الدرجة العلمية لدى المعلم تختلف من واحد لآخر، وهو الأمر بالمثل فى كافة المدارس وليس الأزهر وحده.
صعوبة المواد الدراسية فى الأزهر لم تكن من المعضلات أمام «نادية»، التى قضت ما يقرب من 20 عاماً فى مجال التدريس الأزهرى، فهى ترى أن صعوبة المادة وسهولتها تأتى من تقبل الطالب أو المعلم لها، إلا أن الأمر يكون مختلفاً بالنسبة لمن لا يعلمون الهدف الحقيقى من الدراسة فى الأزهر: «فيه ناس بتدخل ولادها الأزهر عشان ياخدوا شهادة وخلاص وفيه ناس تانية عندها فكرة إن الأزهر الناس بتنجح فيه وبتدخل كليات حتى لو جابوا مجموع قليل، ودول بنسبة كبيرة الدراسة فى الأزهر بتكون صعبة بالنسبة ليهم وممكن يفشلوا».
أزمة أخرى يواجهها طلاب المعاهد الأزهرية أشارت إليها «نادية» فى حديثها، كانت عن عدد مواد الثانوية التى قد تبلغ أكثر من 19 مادة، ما بين شرعية وعربية بالإضافة إلى المواد الأدبية أو العلمية، وهو ما يضع الطالب الأزهرى فى مأزق، موضحة أن هناك تخفيفاً أجراه شيخ الأزهر على المواد الدراسية فى المعاهد الأزهرية، خفف كثيراً على الطلاب من خلال جمع المواد الشرعية كلها فى كتاب واحد وامتحان واحد نهاية العام، إلا أن هذا التخفيف كان فى المرحلة الإعدادية فقط دون الثانوية.
ويقول صابر عاشور، مدرس اللغة العربية للمرحلة الثانوية فى أحد المعاهد الأزهرية، إن الاتجاه العام للمقبلين على الدراسة فى المعاهد الأزهرية أصبح ينحصر بشكل كبير فى الطبقات المتوسطة التى تريد أن تهرب من فزاعة الدروس الخصوصية المعروفة فى الثانوية العامة: «الناس بتبصلها من ناحية التوفير شوية»، موضحاً أن الإقبال على الأزهر بشكل عام أصبح ضعيفاً بسبب صعوبة المناهج وكثرة عددها، فإن المناهج الدراسية التى يتلقاها طالب الثانوية الأزهرية فى أعوامه الثلاثة، حسب «صابر»، هى نفس المناهج التى يدرسها الطلاب فى كليات التربية والآداب.
«اللى حابب الأزهر بينجح فيه»، جملة قالها «صابر» واعتبرها حلاً للجدال الدائر حول العقبات التى تواجه طلاب الأزهر من حيث صعوبة المواد وتعددها، أما بالنسبة له فلم يجد أزمة فى التعامل مع مثل هذه المواد، لاسيما مع خبرته التى اكتسبها نتيجة 25 عاماً من التدريس، ليعبر قائلاً: «إحنا كمدرسين أزهر مدربين على ده، لأنى خريج أزهر فمابيكونش فيه أى عقبات بالنسبة لى، لكن لو مدرس عام حاول يشتغل فى مناهج الأزهر بتكون صعبة عليه»، إلا أن هناك مجهوداً أكبر يبذله معلم الأزهر يفوق مجهود معلمى مدارس العام بكثير، حسب ما يرى «صابر» الذى ختم حديثه قائلاً: «مناهج الثانوية العامة ترفيهية بالنسبة للأزهر، وبالرغم من كده معروفة إن مدرس الأزهر دايماً بيقنع بالقليل، وحتى الدروس قليلة فى الأزهر وتعتبر مش موجودة بالنسبة للعام».
وفى أحد المعاهد الأزهرية بمحافظة القليوبية، كان معلم مادة الجغرافيا الستينى «سيد طه»، يرى أن تحفيظ القرآن الكريم هو أحد أسباب الالتحاق بالأزهر لدى كثيرين من الناس، لا سيما قرى الأرياف، فضلاً عن أن الدراسة فى الأزهر، حسب «سيد»، لا تؤرق أولياء الأمور فى مصاريف الدروس الخصوصية، ليعبر قائلاً: «فيه ناس بقى عندها وعى إنهم يخلوا أبناءهم يدرسوا فى الأزهر من أجل الأزهر، لكن فى النهاية مشاكل الأزهر زيها زى مشاكل أى مؤسسة تانية، فيها الصالح وفيها الفاسد».