«الخارجية»: قرار «واشنطن» بخفض المساعدات العسكرية يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقات مع مصر
«شكرى» ومستشار «ترامب» فى لقاء سابق بالبيت الأبيض «صورة أرشيفية»
أعربت مصر عن أسفها لقرار الولايات المتحدة الأمريكية تخفيض بعض المبالغ المخصصة فى إطار برنامج المساعدات الأمريكية لمصر، سواء من خلال التخفيض المباشر لبعض مكونات الشق الاقتصادى من البرنامج، أو تأجيل صرف بعض مكونات الشق العسكرى.
«صادق»: القرار سيؤثر على مسار العلاقات.. وحقوقيون: على «قومى حقوق الإنسان» التحرك لتوضيح الصورة المغلوطة وسياسيون: تنويع مصادر السلاح وتحسين مصر علاقاتها مع روسيا والصين أسباب غير معلنة وراء القرار الأمريكى
واعتبرت مصر، فى بيان صادر عن وزارة الخارجية أمس، أن هذا الإجراء يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية التى تربط البلدين على مدار عقود طويلة، واتباع نهج يفتقر للفهم الدقيق لأهمية دعم استقرار مصر ونجاح تجربتها، وحجم وطبيعة التحديات الاقتصادية والأمنية التى تواجه الشعب المصرى، وخلطاً للأوراق بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق المصالح المشتركة المصرية الأمريكية.
وقالت «الخارجية» إن مصر تقدر أهمية الخطوة التى تم اتخاذها بالتصديق على الإطار العام لبرنامج المساعدات لعام ٢٠١٧، فإنها تتطلع لتعامل الإدارة الأمريكية مع البرنامج من منطلق الإدراك الكامل والتقدير للأهمية الحيوية التى يمثلها البرنامج لتحقيق مصالح الدولتين، والحفاظ على قوة العلاقة فيما بينهما، والتى تأسست دوماً على المبادئ المستقرة فى العلاقات الدولية والاحترام المتبادل.
والتقى وزير الخارجية سامح شكرى، أمس، بوفد أمريكى رفيع المستوى برئاسة جاريد كوشنر، كبير مستشارى الرئيس الأمريكى، وعضوية كل من جيسون جرينبلات المساعد الخاص للرئيس الأمريكى والممثل الخاص للمفاوضات الدولية، ودينا باول، نائب مستشار الأمن القومى للشئون الاستراتيجية، وذلك فى إطار جولتهم الحالية فى عدد من دول المنطقة، من أجل التباحث بشأن سبل دعم عملية السلام، واستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى.
وجاء ذلك تزامناً مع البيان الذى أصدرته وزارة الخارجية وأعربت فيه عن أسفها لقرار واشنطن حول تخفيض بعض المبالغ المخصصة فى إطار برنامج المساعدات الأمريكية لمصر، سواء من خلال التخفيض المباشر لبعض مكونات الشق الاقتصادى من البرنامج، أو تأجيل صرف بعض مكونات الشق العسكرى خلال الفترة المقبلة.
من جانبه، قال مدير المركز العربى للدراسات السياسية الدكتور محمد صادق إسماعيل «إن قطع جزء من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر سوف يؤثر على مسار العلاقات العسكرية بين البلدين وسوف يؤثر على مسار العلاقات الأمنية أيضاً بين الجانبين، وذلك بعد أن كان هناك تنسيق جيد فى كل المجالات خلال الفترة الماضية، لاسيما عقب زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى واشنطن». وأضاف «صادق»: «أعتقد أن الولايات المتحدة لم تُبدِ أسباباً حول قطع جزء من المساعدات وأتذكر أنه فى فترة من الفترات حدث مثل هذا الأمر وتم تداول الأمر من خلال الكونجرس وتم إعادة المساعدات لمصر بعد عدد من جلسات الاستماع».
وأوضح «صادق» أن قطع جزء من المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر دون إبداء أسباب قد يؤثر على العلاقات، ولكن لن يؤثر بشكل كلى، ولكن الولايات المتحدة لم تعلن الضوابط حتى الآن لتدرك مصر ما هى الإجراءات التى يجب اتباعها. وأشار إلى أن هناك دولة مثل إسرائيل تنتهك يومياً حقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية تجاه المدنيين ولم يتم خفض أى مساعدات عسكرية لها، فضلاً عن تركيا التى ترتكب مخالفات فى مجال حقوق الإنسان ولم يتم قطع العلاقات معها أو الإشارة لذلك، مؤكداً أن منظمات حقوق الإنسان ومن بينها منظمة العفو الدولية تعمل لحساباتها الخاصة وليس لمصلحة حقوق الإنسان كما تدعى، مضيفاً: «وبالتالى أرى أن قطع جزء من المساعدات العسكرية لمصر سيكون له تداعيات سلبية بين الجانبين خلال الفترة المقبلة بعد الفترة التى شهدت أجواء إيجابية بين البلدين».
وأثار القرار حالة من السخط فى الوسط الحقوقى والسياسى المصرى، وقال سياسيون إن تنويع مصر لمصادر السلاح وتحسين علاقاتها مع روسيا والصين تُعد أسباباً غير مُعلنة وراء القرار، فيما رأى حقوقيون ضرورة التحرك الرسمى المصرى على مستوى وزارة الخارجية، والمجلس القومى لحقوق الإنسان، لتوضيح الحقائق، وأن مصر لديها آفاق للملف الحقوقى. وقال الدكتور صلاح سلام، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن حل هذه الإشكالية يأتى بتشكيل قوى للمجلس القومى لحقوق الإنسان، ليقوم بتحركات رشيقة فى المجتمع الدولى، ويعمل على إظهار حالة حقوق الإنسان فى مصر، وإظهار الصورة الجيدة، والتركيز على الإيجابيات. وأضاف «سلام»، لـ«الوطن»: «المشكلة الحقيقية أننا لا نمتلك وسائل إعلام قادرة على التواصل مع الولايات المتحدة وأوروبا لإظهار الصورة بشكل جيد، وتسويق الإيجابيات التى يشهدها الملف الحقوقى المصرى، أو أن لدينا بعض السلبيات لا نمتلك الشجاعة للاعتراف بها، وحلها».
وقال حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: «يجب أن تسعى المؤسسات الرسمية لتوضيح أن مصر أنجزت مشروع قانون المجلس القومى لحقوق الإنسان، الذى يمنح المجلس صلاحيات موسعة لم تكن موجودة فى السابق، وتصحيح الصورة المغلوطة عن الوضع المصرى، لتصحيح العلاقة بين البلدين، بدلاً من أن تسير فى إطار من الضغوط»، مضيفاً: «المؤسسات المنوط بها ذلك هى المؤسسات الرسمية مثل وزارة الخارجية، والنائب العام، والمجلس القومى لحقوق الإنسان، وليس منظمات المجتمع المدنى».
وقال المستشار محمد عبدالنعيم، رئيس المنظمة الوطنية المتحدة لحقوق الإنسان، إن مصر أكبر وأعظم من تلك الألعاب الصبيانية التى يقودها أقزام العالم، حسب وصفه، مؤكداً ثقته فى قدرة مؤسسات الدولة على إدارة أى أزمة سواء فى الخارج أو الداخل، وأضاف: «اللعبة مكشوفة للجميع، وعلينا أن ننتظر ما ستسفر عنه الأيام»، لافتاً إلى أن مصر أصبحت تنوع فى علاقاتها مع الدول الكبرى، وهو ما بات يؤرق الجانب الأمريكى.
وأشاد الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية، ببيان وزارة الخارجية، معتبراً إياه قوياً وشديد اللهجة، قائلاً «إن القرار سيكون له تداعيات سلبية على العلاقات المصرية الأمريكية، خاصة أن مصر شريك قوى فى الحرب على الإرهاب وحفظ أمن المنطقة»، وأضاف: «اتجاه مصر لتنويع مصادر السلاح، وشراء صفقات من فرنسا وألمانيا وغيرهما، إضافة لتحسين مصر علاقاتها مع روسيا والصين، كلها أسباب غير مُعلنة وراء القرار الأمريكى».
وقال الدكتور سعيد اللاوندى، خبير العلاقات السياسية الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: «إن العلاقات المصرية الأمريكية تمر بمرحلة ليست جيدة»، مضيفاً أنها «ليست المرة الأولى التى تقوم فيها الولايات المتحدة الأمريكية بقطع المساعدات». وأشار إلى أن العلاقات الدولية لا توجد بها مساعدات مجانية، لكنها معونة مشروطة بأن تجعل السياسة الخارجية المصرية تابعة للسياسة الخارجية الأمريكية، وهذا ما لا تقبله مصر.