بروفايل | شريفة فاضل.. تم البدر بدرى
«تم البدر»، استدار واكتمل، هذا بيان للناس بأن الشهر الكريم قد أوشك على الرحيل، إذ لا يتم البدر عادة إلا ليبدأ مرة أخرى فى النقصان، أياماً معدودة يختفى تماماً من صفحة السماء قبل أن يولد هلالاً مع مطلع شهر جديد، وها هو البدر يكتمل فى منتصف شهر رمضان، لكنك لن تدرك أن البدر قد تم، وأن الشهر يكاد ينقضى دون أن تسمع ذلك الصوت الرخيم وهو يناجى البدر فى تمامه، ويلومه لأنه «تم بدرى»، أو مبكراً، ثم يتواصل العتاب «والأيام بتجرى»، وفى النهاية تتحسر صاحبة الصوت على الشهر الفضيل، فتنهى مطلع أغنيتها وهى تخاطبه قائلة «والله لسة بدرى يا شهر الصيام».
لجد، اشتهر كواحد من أفضل قارئى القرآن فى بداية القرن الماضى، ولدت شريفة فاضل فى القاهرة عام 1938، ولأن الجد الشيخ أحمد ندا، كان قد ذاع صيته كأحد قارئى القرآن المحترفين، فإن الحفيدة على ما يبدو ورثت عنه جمال الصوت، ولم تسع لتوظيف ذلك الجمال إلا فى مطلع شبابها، عندما اختارت أن تتخذ من الغناء حرفة فتخرج لتغنى على الناس.
ظهر الطريق أمامها صعباً وشاقاً للغاية، غير أن فتحة صغيرة لاحت أمامها فى الأفق، متمثلة فى عرض زواج قدمه لها كاتب السيناريو والممثل الشهير السيد بدير، عندما رآها للمرة الأولى، ووافقت هى على العرض، لظنها كما تقول بأن زواجها سيفتح أمامها الأبواب المغلقة. إلا أن الزوج الذى كان يكبرها بأعوام عديدة، رفض أن يجعلها تعمل بالتمثيل أو الغناء، والأسوأ من ذلك أنه منعها من مغادرة المنزل، ولم يكن أمامها إلا أن تطلب الطلاق، لتواجه الحياة وحيدة وطفلها «سيد»، المكسب الوحيد الذى خرجت به من زيجتها القصيرة.
بعد الطلاق بدا أن الشابة الصغيرة كانت قد عرفت طريقها جيداً، انطلقت لتحقق حلمها فى اختراق عالم الغناء، وتحقق الحلم بالفعل، عندما دارت العجلة وراحت تسجل الأغنيات واحدة تلو الأخرى، من «حارة السقايين» مروراً بـ«فلاح كان فايت»، و«أمانة يا بكرة»، و«سألت فين حينا»، و«يا حلو فهمنا»، و«يا معجبانى»، و«ورق العنب»، و«يا حلاوة الإيد الشغالة». على أن أروع أغانيها على الإطلاق تلك التى غنتها فى أعقاب استشهاد ابنها الوحيد «سيد» فى حرب 1973، إذ كان سيد طياراً مقاتلاً، ضمن وحدات الجيش المصرى، وحدث أن خرج فى عملية عسكرية فلقى ربه، ساعتها حاولت السيدة أن تتماسك قدر المستطاع، ثم سجلت واحدة من أجمل الأغنيات الوطنية «أم البطل»، وهى الأغنية التى تحولت لما يشبه النشيد القومى لكل سيدة فقدت ابنها أو عزيزا عليها، والجميل أن المطربة الشهيرة كانت حريصة وهى تغنى لابنها الوحيد أن تبدو فخورة بالبطل الذى أنجبته، وراح وهو يحاول أن يرفع اسم مصر عالياً.