النسخة المصرية من «تاج محل» محاطة بكلاب الشوارع
المقابر معرضة للسرقة فى أى وقت
وسط أزقة وشوارع «صحراء المماليك» يقع مبنى قديم يحتوى على قبة محاطة بسور متهالك، وفور أن تقترب من هذا المبنى تبدأ الكلاب التى تحيط به فى النباح، فى محاولة لإبعاد كل من يحاول دخول المبنى، فبعد عدة محاولات لسرقة القبة لم يجد القائمون عليها مفراً سوى الاستعانة بالكلاب لحراسة مبنى كان يوماً تحفة نادرة لا يضاهيها جمالاً سوى «تاج محل» الهند، وكان يحوز لقب «ثانى أهم ضريح فى العالم».
وكيل الأسرة العلوية: أعضاء مجلس قيادة الثورة نقلوا مقبرة محمد على الصغير ودفنوا «عبدالناصر» بها
إنها «قبة أفندينا» التى تضم مقبرة تحمل اسم عالم الذرة المصرى الراحل مصطفى مشرفة، يثير وجودها وسط مجموعة من مقابر أسرة الخديو توفيق الدهشة والتعجب، إلا أن هذا التعجب ما يلبث أن يزول بعدما تكتشف أن رفات «مشرفة» نُقلت إلى هنا بأمر من الأمير محمد عبدالمنعم، الوصى على عرش مصر وقتها، بعد بدء العمل فى مشروع لشق طريق «الأوتوستراد»، وكان مدفن «مشرفة» فى مسار الطريق بعد خطوات قليلة من القبة.
وهناك باب من الخشب مزخرف بحلية نحاسية مفرغة، هو آخر جزء نحاسى باق فى المبنى، بعدما أتى اللصوص على كل ما خف وزنه وغلا ثمنه من منقولات القبة الأثرية، ليتركوا حتى المدخل الرئيسى بلا أستار الكعبة النادرة أو ستائر قبر «سيدنا إسماعيل» التى كانت نسخة فريدة هى آخر ما تبقى من كسوة كانت تصنع فى مصر، كما سرق اللصوص أيضاً أوانى نحاسية ومجموعة نادرة من الشمعدانات.
تاجر عرض شراء كسوة الكعبة وستار قبر إبراهيم الخليل واستبدالها بنسخة مقلدة
وفى داخل القبة 9 تركيبات فوق الأضرحة، منها ما هو مصنوع من الخشب المطعم بحشوات من العاج ومنها المصنوع من الرخام المنحوت بدقة، كما يوجد أيضاً داخل القبة 8 شبابيك جصية معشقة بالزجاج الملون تتيح تعامد الشمس على الأضرحة فى أوقات مختلفة من النهار، وعلى مقربة من الأضرحة، مقاعد وطاولات وأريكة من الأرابيسك مطعمة بالعاج والأبانوس والصدف، قال عنها محمد كمال، وكيل أسرة محمد على، «إنها مقاعد نادرة استخدمت أثناء الاحتفال بافتتاح قناة السويس خلال حكم الخديو إسماعيل والد الخديو توفيق»، وأضاف «كمال» لـ«الوطن» أن «الضريح تعرض لعدة محاولات سرقة، فقد سُرقت بعض التحف من الضريح وتم استرجاع بعض المسروقات، ثم عرض علىَّ أحد تجار الآثار شراء كسوة الكعبة وستار قبر إبراهيم الخليل، واستبدالها بنسخة طبق الأصل ورفضت بشكل قاطع على الرغم من إغراءات المبلغ الضخم، ولكن بعد ثورة 25 يناير نجح اللصوص فى مساعيهم».
وعما يحتويه هذا الضريح من أسرار، قال «كمال»: «لم يتوقف التاريخ عند حقبة محمد على فى القبة، بل تخطاه إلى ثورة 23 يوليو 1952، حيث كانت قبة أفندينا مقراً لاجتماعات مجلس قيادة الثورة عقب النكسة، ليس ذلك فقط، بل حوى هذا المكان مقبرة خالية للأمير محمد على الصغير حفيد محمد على باشا، إذ كان أفراد الأسرة يعدون قبورهم قبل موتهم، ويصمم كل منهم القبة على الطراز الذى يحلو له، وظلت هذه التركيبة خالية بعد ثورة يوليو، ومغادرة أفراد الأمير محمد على مصر إلى تركيا، وعقب الوفاة المفاجئة لجمال عبدالناصر أخذ مجلس قيادة الثورة قراراً بأخذ هذه التركيبة لدفن عبدالناصر بها، خاصة أنها مصنوعة من المرمر وغطاؤها منقوش عليه كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) وكانت مصممة بحيث تنعكس هذه الجملة على الجثمان».
من جهته، قال الأمير عباس حلمى، نجل الأمير محمد عبدالمنعم، آخر وصى على عرش مصر، إن «قبة الخديو التى تحوى رفات الخديو توفيق وزوجته وبمبة قادن والأمير محمد على والأمير عبدالقادر، ورفات عدد من الأميرات، وأغلب مقتنيات القبة من سجاد ومشكاوات وثريات ومقاعد، استخدمت فى احتفال افتتاح قناة السويس، وهى تتميّز بطراز معمارى فريد، وتبعد قليلاً عن قبة الأميرة شويكار، التى تعرّضت أيضاً للسرقة، ونزل اللصوص إليها عبر زجاج القبة، وحتى الآن لم تعد»، وأضاف «حلمى»: «للأسف، فإن وزارتى الأوقاف والآثار لا تقومان بحماية الأضرحة بالشكل الأمثل، فرغم تسجيل قبة أفندينا (الخديو توفيق) أثرياً فى 2001، وتسجيل قبة الأميرة شويكار فى العام الماضى، إلا أن القائمين على وزارة الآثار لديهم الرد الجاهز دائماً، وهو: نحن جهة تتولى الإشراف فقط، ومسألة حماية الأثر تقع ضمن مسئولية الأوقاف، علماً بأن موظفى الأوقاف غير متخصصين، لا فى حفظ الآثار، ولا فى حمايتها، وهم غير مسلحين، ليواجهوا العصابات المسلحة التى تستهدف هذه الكنوز، كما عرضت أن أتولى تركيب شاشات مراقبة وكاميرات لحماية الأثر، ولكن طلبى قوبل بالرفض».