«المطرية»: مبنى ضخم تكلف 50 مليون جنيه ولا يوجد به أطباء ولا تمريض
مستشفى بأعلى تكلفة ويعانى من نقص الأطباء والخدمات
على بعد نحو 200 متر من شاطئ بحيرة المنزلة، تم تشييد مبنى ضخم ليكون مستشفى لخدمة أهالى مدينة المطرية بالدقهلية التى يعمل أغلب سكانها فى الصيد، المبنى مرتفع، ووجهاته الخارجية من الزجاج، ومدخله من الرخام، وعلى باب المستشفى جلس فردان من الأمن بزيهما المميز، يراقبان الداخل والخارج من المستشفى.
مستشفى المطرية بالنسبة للأهالى كان حلماً طال انتظاره، لبعدهم عن مدينة المنصورة نحو 70 كيلومتراً، وتم بناء المبنى وتجهيزه بأحدث أجهزة، وتكلف إنشاؤه 50 مليون جنيه، منها 10 ملايين جنيه للأجهزة فقط، وقد بدأ العمل فيه عام 2007، وظل حتى عام 2014 إلى أن تم تشغليه دون أن يتم تسليمه نهائياً حتى الآن.
فى ساحة واسعة يتوسطها عدد من الأشجار التى لا يزيد عمرها على عامين، جلس محمد على، شاب ثلاثينى بوجهه الذى تملأه علامات المرض، يلتقط أنفاسه ويستعد للصعود إلى الطابق الثالث من المستشفى للبدء فى إجراء عملية الغسيل الكلوى التى يجريها الشاب ثلاث مرات أسبوعياً.
عشرات من المرضى يفترشون الأرض أمام العيادات الخارجية يومياً فى انتظار العلاج.. وأحدهم: بنفضل منتظرين الدكتور 4 ساعات وفى الآخر مابيجيش
«محمد» أحد أبناء المطرية، وكان يعمل فى الصيد، شأنه شأن 90% من أبناء المدينة البعيدة، لكنه أصيب بفشل كلوى قبل نحو 5 سنوات، وظل يعانى من السفر إلى مدينة المنصورة لتلقى العلاج، وتارة أخرى إلى مدينة المنزلة، لكن بفضل الله وجهود الأهالى تم شراء 4 أجهزة للغسيل الكلوى كانت بالنسبة لهذا الشاب طوق النجاة من المرمطة فى المستشفيات البعيدة والتى لا يجد فيها خدمة تذكر، على حد تعبيره.
داخل غرفة الغسيل الكلوى، جلست ممرضتان بجوار بعضهما البعض، وأمامهما ثلاثة أجهزة، يجلس ثلاثة من المواطنين عليها لتلقى العلاج، تقوم إحداهن بالمرور على الأجهزة ومتابعة كل تفاصيل عملية الغسيل، تحدث «محمد» عن أكبر المشاكل التى تواجهه فى مستشفى المطرية قائلاً: «فى نقص كبير فى الأدوية، أنا مريض ومابقدرش أشتغل، لكن الناس بتساعدنى وبقدر أشترى الأدوية، بس محتاجين الحكومة توفرها، الحقيقة الخدمة هنا ممتازة والممرضات بيقوموا بدورهم كويس، والحمد لله الأجهزة لسه جديدة، ومفيش حد بيتأخر عننا فى أى حاجة».
فى مبنى العيادات الخارجية بالمستشفى، جلس العشرات من المرضى أمام أبوابها، لدرجة أن طرقات المبنى لم تعد تتحمل المرور بالقدم، زحام شديد، وأكثر ما يميز الحضور فى المستشفى سيدات يرتدين النقاب، منهن سيدة جلست أمام عيادة الجراحة تنتظر حضور الطبيب، الذى تأخر عن موعده أكثر من ساعتين، فبكاء ابنتها التى لم تبلغ العشر سنوات لم يجعلها تغفل لها عين، بعد أن وقع عليها إناء «الشوربة المغلية» أثناء لهوها فى المطبخ، مما تسبب فى حرق جزء كبير من جسدها النحيل.
تتحدث الأم عن معاناتها فتقول: «بنتى اتحرقت وهى بتلعب فى المطبخ، وأنا قاعدة هنا من الساعة 7 الصبح ولسه الدكتور ماجاش، ما يرضيش ربنا الألم اللى بنتى فيه ده، طيب المستشفى مافيهوش قسم للحروق، ورضينا بالجراحة، طيب الدكتور مايجيش ليه، ولا إحنا يعنى مانستاهلش إن حد يسأل فينا».
«ناجى»: العلاج الاقتصادى معطل.. و10% من الأطباء أساسيون والباقى منتدب مما يتسبب فى حدوث عجز
حال الطفلة المحروقة لم يختلف كثيراً عن حال طفل آخر فى قسم الأسنان، حيث منعه الألم فى ضرسه من أن تغفل عينه طول الليل، وقرر فى الصباح أن يأتى به والده لخلع الضرس، لكن دون فائدة، فالطبيب لم يحضر، ولكن حضر المرضى بالعشرات وافترشوا الأرض وجلسوا أمام العيادة فى انتظار مجىء الطبيب، الذى فى الأغلب لن يأتى، بحسب والد الطفل وليد عبدالله.
«أنا باتعالج من ضيق التنفس، ولما باجى المستشفى مابلاقيش أى أجهزة، قافلين عليها وكل مرة بيحولونى على مستشفى المنزلة، والله أوقات بكون هموت ومش قادرة أتنفس»، كلمات قالتها مريم خالد، سيدة ترتدى النقاب، وتمسك فى يدها مجموعة من الأوراق وتقف أمام عيادة الباطنة، فى انتظار حضور الطبيب: «يرضى ربنا اللى إحنا فيه ده؟، أنا بقالى أكتر من 4 شهور عمالة أجرى علشان أعمل لجوزى عملية ومش عارفة»، وتواصل: «الناس هنا كلهم غلابة وبيشتغلوا صيادين ومالهمش مصدر رزق غير الصيد، وللأسف ماحدش بيسأل عننا خالص، أنا بدوخ علشان ألاقى الأنسولين لأمى المريضة».
شكوى محمود السيد، أحد المواطنين، كانت من نوع آخر، حيث اشتكى من وجود 10 حضانات فقط فى قسم الحضانات بالمستشفى، رغم أنها تستقبل حالات مركز بالكامل، ولا تكفى لتعداد سكان مركز ومدينة المطرية والقرى المجاورة، قائلاً: «فى 9 حضانات بالمبنى القديم طالبنا مراراً وتكراراً بضمها للمبنى الجديد ولا حياة لمن تنادى، فى كتير من أهالى المطرية مايقدروش على الحضانات الخاصة لغلاء ثمنها، وأخيراً عرفنا أن مديرية الصحة عايزة توزع الـ9 حضانات للمراكز الأخرى على أساس إن المطرية مواطنين درجة تالتة».
السيد المنسى، أحد أبناء المطرية، قال: «بنشكر الدولة على وضع المستشفى الحالى، إحنا بالفعل فى أمس الحاجة إليه منذ عشرات السنين، فقد تم إنشاؤه على أحدث طراز لمستشفى عالمى، وتم تجهيزه أيضاً بأجهزة لأول مرة تدخل مستشفى بالدقهلية، وكذلك سكن الأطباء مجهز بنظام فندق 5 نجوم، ولكن لا يوجد أطباء ولا تمريض، فالمستشفى يحتاج إلى أكثر من 100 طبيب لا يوجد منهم سوى اثنين أو ثلاثة يومياً».
ويضيف: «افتتاح المستشفى وهو بالحال ده من غير أطباء يعتبر إهداراً للمال العام وسوء إدارة، وسيتحول فى وقت قصير إلى مستشفى لا نجد فيه أى طبيب أو جهاز، علشان كده أرسلنا تلغراف لوزير الصحة نناشده بتوفير طاقم أطباء ذى كفاءة عالية، بالإضافة إلى أنه لم يتم تسليم المستشفى إلى الآن، وهو ما يتسبب فى تهالك مرافقه بسرعة كبيرة».
«قاعدة عندنا أن الطبيب لو عمل انتداب كلى يحضر للمستشفى يوم واحد فى الأسبوع، ولو تم عمل انتداب جزئى للطبيب يحضر 12 ساعة فى الأسبوع» هكذا وصف أحد الأطباء الحال فى المستشفى، وعلل ذلك بـ«بُعد المسافة عن المنصورة وأن معظم الأطباء منتدبون ولا يحضرون إلا فى أوقات بسيطة، وهذا يجعل الحمل كبيراً على الأطباء من أبناء المدينة أو القرى المجاورة، فنحن من نتحمل العبء كاملاً وبدون مقابل».
وأضاف «يومياً يحضر لنا فى العيادات الخارجية ما لا يقل عن ألف مريض، وفى الاستقبال أكثر من 500 مريض، والجميع نتعامل معه، ويحصل على الدواء المتاح، وهذا يدل على الجهد الكبير الذى نبذله، ولكن هذا لا يرضى المواطن لأنه لا يحصل على الوقت الكافى للكشف الطبى».
وأشار إلى أنه معنى أن يتم عرض 150 مريضاً على عيادة من العيادات يومياً أن كل مريض لو حصل على دقيقتين محتاج إلى 5 ساعات عمل متواصل وهذا جهد لا يبذله أى طبيب فى مستشفى حكومى، والتردد الشديد على المستشفى نتيجة أنه عندما يأتى مواطن للكشف الطبى يأتى معه باقى أفراد أسرته ويطلبون الكشف عليهم أيضاً.
وأضافت صيدلانية «نعانى من نقص الأنسولين طويل المفعول فى المستشفى لأن مديرية الصحة لا تصرفه مباشرة وإنما أرسل لها احتياجاتى وتوفرها بعدها بأسبوع، وأيضاً بالنسبة للأنسولين فالبعض يشتكى من عدم صرف الحقن له لأن الأطباء غيروا الصرف من الحقن إلى الأقراص، وهذه ليست مشكلتنا ولكن فى لجنة نفقة الدولة».
وأضاف أنه نظراً للعجز فى الأطباء فإن لجنة العلاج على نفقة الدولة من المفروض أن تكون 3 أطباء، ولكن يقوم بها طبيب واحد بمفرده، وهذا يجعل العبء عليه كبيراً، ويعطى الأنسولين حسب رأى الطبيب المعالج سواء كان أقراصاً أو حقناً.
ومن جانبه قال الدكتور محمود ناجى، مدير المستشفى، إن قسم العلاج الاقتصادى فى المستشفى لا يعمل نظراً للحالة الاقتصادية السيئة للمواطنين فى المنطقة، والمفروض أن نوفر قيمة المستلزمات الطبية من إيرادات العلاج الاقتصادى وهذا لا يحدث، ولذلك نلجأ إلى المديرية فى توفيرها ونعانى حالياً من نقص فى السرنجات. وأضاف «ناجى» أن نحو 10% من الأطباء فقط أساسيون بالمستشفى والباقى منتدبون، وهو ما يتسبب فى عجز الأطباء فى بعض الأحيان.