أهالى الموصل يروون «حكايات الذل» وسط جحيم «داعش»
دمار وخراب.. كل ما خلفه تنظيم داعش الإرهابى فى الموصل
«ثلاثة أعوام عجاف من المواجهات الحية بين مواطنى مدينة الموصل مع عناصر تنظيم داعش الإرهابى، مرت كأنها الدهر بأكمله من هول الحصار وانتشار الأوبئة والأمراض وانقطاع الاتصالات والمعارك والقصف وأصوات مختلف أنواع الأسلحة، حتى نسى الموصليون طبيعة حياة المدن».. هذا ما استهل به الشاب العراقى فارس عابد كلامه عندما بدأ فى الحديث عن الوجه الآخر لملامح الحياة تحت رايات هذا التنظيم التكفيرى.
واسترجع هذا الشاب الموصلى فى اتصال هاتفى أجرته «الوطن» معه كيف قضى أكثر من عامين فى ظل حكم داعش، بين ركام المنازل ودخان المعارك، لم يغادر فيها مدينته، قائلاً: «المواطن الموصلى عانى كثيراً من الظلم وقت داعش، كانت الحياة متوقفة تماماً، لا وجود للمدارس ولا للجامعات، تعمل المستشفيات فقط وأغلب زوارها من الجرحى الذين سقطوا فى المعارك ومات الكثيرون بسبب نقص العلاج، وبعد مرور السنة الأولى أصبح الفقر يسيطر على المدينة بأكملها».
«عابد»: 900 ألف نازح هربوا فور احتلال المدينة عام 2014.. و«العبيدى»: «التنظيم أكثر وحشية من المغول»
«مرت الأيام والشهور ازداد فيها الوضع سوءاً، حتى جاء يوم السادس عشر من أكتوبر الماضى، فعلت أصوات التكبيرات وتم إعلان نفير الحرب وبدأت معركة تحرير الموصل انطلاقاً من الجانب الأيسر الذى استسلم فيه التنظيم أمام المقاومة متجهاً إلى الجانب الأيمن، إلى حيث انتهت المعركة» وفقاً لـ«عابد» الذى أضاف أن «المعركة لم تكن سهلة واستمرت عدة أشهر زاد خلالها حجم الدمار وارتفعت أعداد الجثث فى الشوارع ولم تُكشف الأرقام الحقيقية، ورغم ذلك لم يعتمد المواطن الموصلى على أى تدخل خارجى على إعادة إعمار الجانب الأيسر بما فيه المستشفيات والمدارس وكل أشكال الحياة، وكانت المأساة الحقيقية فى الجانب الأيمن».
وواصل المواطن الموصلى كلامه قائلاً: «لم يقتصر الدمار الذى لحق بالمدينة الثكلى إلى حد تدمير المنازل والمدارس، حيث قامت قوات التنظيم والتحالف بهدم الجسور الخمسة التى تربط الجانبين الأيسر بالأيمن من المدينة، ما زاد تفاقم الأزمة وكانت المنطقة القديمة من الموصل هى الأكثر تضرراً، وهنا اضطرت الأسر للنزوح، وزاد عدد النازحين على 900 ألف نازح هروباً من الحياة الصعبة هناك، سواء كان نزوحاً داخلياً أو خارج العراق».
«ساجدة»: «حالات نفسية مدمرة بالكامل وأطفال يعجز الكلام عن وصف حالتهم.. ويجب تقديم الدعم المعنوى والتأهيل النفسى للأهالى»
صور الركام التى اختلطت برائحة البارود ومشاهد الدمار الذى لحق بشوارع المدينة التى كانت هادئة، يتذكرها الشاب العراقى يحيى العبيدى، وهو يروى ملامح الأيام الصعبة فى ظل حكم داعش، والتى انتهت على صوت أحد الجنود وهو يهتف الله أكبر رافعاً علم العراق على ما تبقى من إحدى البنايات، لتعلو ابتسامته ويتذكر أن الكابوس قد انتهى. يصف «العبيدى»، ذو الـ23 عاماً، أحد سكان مدينة الموصل العراقى، وتحديداً إحدى القرى التى سيطر عليها تنظيم داعش فى الساحل الأيسر للمدينة الحياة فى الموصل قبل ظهور داعش: «كانت المدينة هادئة، الرواتب جيدة، حركة السوق مستمرة.. لا يعكر صفوها إلا بعض التفجيرات لكنها لم تؤثر بأى حال على حياتنا اليومية»، حتى كان يوم 10 يونيو 2014، وتحديداً الساعة الـ12 منتصف الليل، عندما تغير كل شىء حولنا.. فى تلك الليلة، قرر داعش غزو الجانب الأيسر من مدينة الموصل، يتذكر بدقة «العبيدى» خلال حديثه لـ«الوطن» تفاصيل ذلك اليوم.. «كنت مع أصدقائى قررنا مراقبة الوضع فى الشارع.. كان إقبال المواطنين على النزوح إلى دهوك وأربيل (مدن فى كردستان) غير طبيعى»، وبالرغم من ذلك كان لدى «العبيدى» وأصدقائه أمل فى عودة الهدوء مرة أخرى فى الساعات الأولى من الصباح. وقال: «عندما دقت الساعة السابعة صباحاً أخيراً بعد ليل طويل قضيناه بدون نوم بسبب أصوات الانفجارات التى لم تتوقف، بدأ هدوء نسبى فى المكان، لنخرج ونكتشف أن الجيش العراقى ترك مواقعه، وأن المدينة بأكملها أصبحت تحت سيطرة «داعش»، حتى أغلب الأهالى نزحوا إلى دهوك».
رائحة الدخان تملأ المكان، النيران فى كل مكان، المبانى إما شبه خاوية أو أطلال، هكذا كان المشهد فى تمام الثامنة من صباح ذلك اليوم بحسب ما يتذكر «العبيدى»، بعد أن تعمد تنظيم داعش حرق كل شىء، يضيف: «تخيل قريتك تحترق أمامك.. أُصبت بصدمة شديدة.. لم أشاهد المغول لكن أعتقد أنهم أكثر وحشية منهم». ويستمر فى كلامه قائلاً: «ثمانية أشهر أخرى، مرت على الموصل وهى فى قبضة التنظيم، الأوضاع زادت سوءاً، بشكل لم يعد يحتمل، وداعش يواصل جنونه، هنا بدأت المقاومة». ويوضح «العبيدى»: «كان فيه ناس تقاوم داعش، عن طريق السلاح الأبيض والحى، بكافة الطرق، أثناء هذه الحالة داعش دخل فى حالة هستيريا وجنون، بحيث إذا رأى أى داعشى خط أو شريحة تليفون فيكون هناك إعدام فورى». وقال إنه تعرض فى تلك الأثناء إلى اعتقال من قبلهم وكانت التهمة هى التجسس لصالح القوات العراقية. «خوف شديد من بطش التنظيم، حالات نفسية مدمرة بالكامل، أطفال يعجز الكلام عن وصف وضعهم» هذه حصيلة الخسائر المعنوية التى خلفها داعش فى نفوس أهالى الموصل، حسب قول ساجدة محمد، أحد الناشطين المدنيين بالمدينة، والتى وصفت تحرير المدينة بفضل القوات العراقية بـ«النصر العظيم»، وأضافت: «الوضع بالموصل تعبان للغاية، لا أحد يستطيع العيش فيه كإنسان، شاهدنا بأعيننا أشياء نعجز عن وصفها، لكن الحمد لله بفضل قوات الأمن تحررت الموصل وقدموا مساعدات للأهالى الذين كانوا فى حالة ذعر وخوف من داعش». وتضيف «ساجدة»: «بعد تحرير الموصل أصبح الأهالى فى حاجة شديدة للدعم المعنوى والتأهيل النفسى بعد حالة الذعر التى عاشوها تحت قبضة التنظيم، ولذلك لدينا برنامج خاص بمرحلة ما بعد داعش وهو التأهيل النفسى لأهالى الموصل بصورة خاصة، باعتباره أكثر مجتمع تأذى من داعش بفكره الإجرامى» وتتوقع «ساجدة» أن يكون الدور المقبل فى التحرير على تلعفر والشرقة والساحل الأيسر، وتقول: «عمليات التحرير مستمرة وتحرير العراق من داعش بات قريباً».