«الفيلاريا» يستوطن «برج مغيزل».. والأهالى يطلبون الرحمة من «الصحة»
«عايدة» أقعدها مرض «الفيلاريا» فى غرفتها بعد وفاة زوجها
5 كيلومترات فقط تفصل بين قرية «برج مغيزل»، التابعة لمركز مطوبس، ومشروع الاستزراع السمكى الذى يتزين لاستقبال الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أولى محطات زيارته المرتقبة لمحافظة كفر الشيخ، أهالى القرية يعيشون معاناة لا تنتهى مع الأمراض المختلفة التى تنهش فى أجسادهم، فلسعة بعوضة واحدة كانت كفيلة بشل حركة العشرات من أبناء القرية، التى ينتشر فيها مرض «الفيلاريا»، المعروف باسم «داء الفيل»، بسبب العديد من المسطحات المائية الملوثة التى تنتشر على بعد أمتار قليلة من القرية، والتى تحولت إلى مأوى للكثير من أنواع الحشرات، ومنها بعوضة «كيولكس»، التى تسببت فى إصابة عدد كبير من أبناء القرية بذلك المرض اللعين.
مدير الأمراض المتوطنة: بعوضة «كيولكس» نشرت الوباء.. و22 حالة ما زالت تحت العلاج
وعلى الطريق إلى قرية «برج مغيزل»، من جهة المشروع السمكى، تنتشر أشجار النخيل وسط المساحات الخضراء، لتشكل لوحة فنية رُسمت بعبقرية، ولكن عند الاقتراب من القرية عبر الطريق الرئيسى، تُفاجأ بأن القرية تحاصرها البرك والمستنقعات، تتخللها الحشائش وتسكنها مختلف أنواع الحشرات، وصولاً إلى مبنى متواضع تعلوه لوحة صغيرة مكتوب عليها «وحدة صحة الأسرة ببرج مغيزل»، وعلى أبواب وجدران المبنى تنتشر بعض المنشورات التى تحمل إرشادات خاصة بمكافحة العدوى، وتعريفات مختصرة ببعض الأمراض التى تتسبب الحشرات فى نقلها للأهالى، ومن بينها أمراض «الفيلاريا» و«الملاريا»، وهما الأكثر انتشاراً بين أبناء القرية.
ويتكون مبنى الوحدة الصحية من طابقين، الأول يحتوى على غرفة للكشف وأخرى للملفات وثالثة للتطعيمات، تجاورها غرفة رابعة خاصة بالصيدلية التى يتم صرف الأدوية منها للمترددين على الوحدة من المرضى، أما الطابق الثانى فيحتوى على مكتب «تنظيم الأسرة»، وعدد من المكاتب الإدارية، وغرفة «نادى المرأة»، وسكن للأطباء والتمريض، إلا أن الملاحظ هو شكاوى غالبية المرضى من عدم الاهتمام بحالاتهم، بسبب نقص الإمكانيات والمستلزمات.
حملات لتحصين الطلاب داخل المدارس.. و«حليمة»: كانوا بيوزعوا علينا الدواء ودلوقتى منعوه
ورغم وجود وحدة لمكافحة «الأمراض المتوطنة» بالوحدة المحلية لقرية «الجزيرة الخضراء»، التى تتبعها قرية «برج مغيزل»، وتبعد عنها بنحو 3 كيلومترات، مهمتها الأساسية هى مكافحة الأمراض المعدية والقضاء عليها، مثل «الملاريا» و«الفيلاريا»، إلا أن «داء الفيل» تمكن من مداهمة العشرات من أبناء القرية، وأقعدهم عن الحركة.
وخلال جولة للتعرف أكثر على حجم المأساة التى يعيشها أهالى «برج مغيزل» بسبب انتشار حالات الإصابة بـ«الفيلاريا» بها، لاحظت «الوطن» أن غالبية الأهالى يرفضون الحديث عن هذا الأمر، الذى أرجعوه إلى انتشار أشجار النخيل، التى تستوطن بها أعداد كبيرة من البعوض، دون مكافحتها من قبل وزارة الصحة، إضافة إلى التلوث الشديد الذى أصاب الترعة المارة أمام القرية، وكذلك غرق بعض شوارع القرية بمياه «المجارى»، بسبب عدم وجود شبكة للصرف الصحى بها.
«قبل 4 سنوات، وبعد قليل من وفاة زوجى، الذى كان يعمل صياداً، فوجئت بأرجلى تتورم بصورة كبيرة، حتى تضخمت لدرجة أننى لم أعد أستطيع تحريكها»، بهذه الكلمات بدأت «عايدة م. ح»، إحدى سيدات القرية، حديثها لـ«الوطن» عن بداية إصابتها بـ«الفيلاريا»، مشيرةً إلى أن زوجها ترك لها ابنتين، استطاعت تزويج إحداهما، إلا أن زوجها توفى هو الآخر، تاركاً لها طفلين، يتشاركون جميعهم فى المعاش الذى تتقاضاه شهرياً من الشئون الاجتماعية، والذى لا يتجاوز 320 جنيهاً، مما اضطرها إلى الامتناع عن شراء العلاج، الذى يكلفها 250 جنيهاً كل أسبوع، وأحياناً يساعدها «أهل الخير» بشراء بعض الأدوية لها، أو بمساعدات مادية.
«عايدة» تعجز عن رعاية ابنتها الأرملة وأحفادها و«كريم» سافر إلى ليبيا لتوفير العلاج لوالدته وعاد صفر اليدين و«أحمد» أخرج ابنه من المدرسة لينفق على إخوته
ولم تتمالك «نسرين.ع» نفسها من البكاء على الحالة التى وصلت والدتها إليها، وقالت بينما تحاول التغلب على دموعها: «أمى تعبانة من بعد وفاة أبويا، ومبقتش قادرة تمشى»، وأشارت إلى أن والدتها كانت تصنع «الأقفاص» من جريد النخيل وتبيعها للمساعدة فى تدبير نفقات الأسرة، إلى أن أصاب المرض كلتا قدميها، وتم علاج إحداهما، حيث كانت الإصابة بها خفيفة، بينما تمكن المرض من الأخرى، ولم يمكن مداواتها بسبب عدم قدرتها على شراء العلاج.
بينما لفتت إلى أن هناك عدداً كبيراً من أبناء «برج مغيزل» أصيبوا بـ«الفيلاريا»، نظراً لأن القرية معروفة بزراعة النخيل، مما يسبب انتشار البعوض والحشرات الضارة، فقد ناشدت «نسرين» الرئيس عبدالفتاح السيسى «النظر إلى الغلابة»، الذين وصفتهم بأنهم «مطحونين فى دوامة الحياة»، واختتمت بقولها: «نفسى أمى تتعالج وتقدر تتحرك وتشتغل تانى زى زمان، وماننتظرش عطف الناس علينا، أولادى بيبقوا محتاجين للجنيه ومش بيلاقوه يا ريس».
حالة أخرى لسيدة توفى زوجها غرقاً فى البحر، وترك لها طفلين كانا فى الثانية والثالثة من عمرهما، ولم يترك لها من حطام الدنيا شيئاً، ولا حتى معاشاً يساعدها على تربيتهما، حيث كان يعمل صياداً، لجأت «حليمة م. أ» إلى العمل فى الزراعة باليومية، واستطاعت تزويج ابنتها، إلى أن أصابها المرض فأقعدها عن الحركة ولم تستكمل مشوارها فى تربية ابنها، الذى اضطر للسفر إلى ليبيا، بحثاً عن دخل ليساعد نفسه، ولكنه عاد صفر اليدين.
وأشارت السيدة السبعينية إلى أن «بتوع الصحة كانوا بيمروا على البيوت زمان يدونا برشام، ولكنهم منعوه، مش عارفين ليه، اسمى متسجل فى وحدة الملاريا بقرية الجزيرة الخضراء، وكل لما أروح أسال على العلاج، يقولوا مفيش، ومش بيتباع فى الصيدليات، لأنه خاص بوزارة الصحة»، وتوجهت هى الأخرى إلى مناشدة للرئيس السيسى بقولها: «إحنا غلابة ياريس، ومنعوا عنا العلاج اللى كان بيخفف آلامنا فى وحدة الملاريا، وأنا تعبانة ومبقدرش أمشى، وعاوزة أتعالج».
المرضى يستغيثون: «حالتنا صعبة ومطحونين فى دوامة الحياة.. والمرض أكل رجلينا وأقعدنا عن الحركة»
أما ابنها «كريم أ»، 20 سنة، فقال بينما ارتسمت علامات الحيرة على وجهه: «كنت بأسافر ليبيا أشتغل على مراكب الصيد، ولما الحرب قامت والوضع اتدهور، رجعت من غير فلوس، كان نفسى أشتغل علشان أشترى علاج لأمى، وأشترى مكان أسكن فيه بدل الأوضة اللى عايشين فيها بالإيجار»، وطالب بمنحه وظيفة تساعده فى الإنفاق على والدته.
وفى شارع ضيق تغمره مياه الصرف الصحى، تعيش «فوزية ج. خ» مع اثنين من أبنائها داخل غرفتين استأجرتهما بأحد المنازل المبنية بالطوب «البلوك»، مقابل 300 جنيه شهرياً، بعد وفاة زوجها قبل ما يقرب من 20 سنة، تتقاضى معاشاً يبلغ 740 جنيهاً، بدأت حديثها عن إصابتها بمرض «الفيلاريا»، قبل 6 سنوات، حيث كانت تعمل فى صنع الكراسى، لتوفير ما يساعدها على تربية أبنائها، إلى أن أفقدها المرض القدرة على الحركة.
وبنبرة يملؤها الحزن قالت لـ«الوطن»: «معندناش سراير ننام عليها وعيشتنا صعبة، ولولا مساعدات بعض الجيران وأهل الخير كنا متنا من زمان»، ضحية أخرى لمرض «الفيلاريا» بين أبناء «برج مغيزل»، هذه المرة لأحد رجال القرية، هو «أحمد م. ى»، 40 سنة، الذى يعيش مع أسرته المكونة من زوجته و3 أبناء، أكبرهم لم يتجاوز الـ15 عاماً من العمر وأصغرهم 5 سنوات، مصاب بضمور فى المخ، داخل منزل ضيق من 3 غرف، بدأ حديثه مع «الوطن» قائلاً: «أنا أرزقى على باب الله، بقالى 3 سنين قاعد مش قادر أتحرك بعدما أصابنى المرض، طلعت ابنى الكبير من المدرسة علشان يشتغل ويصرف على إخواته».
أما زوجته فقالت بنبرة غلب عليها الحزن,
من جانبه، أكد مدير عام الإدارة العامة للأمراض المتوطنة بمديرية الصحة فى كفر الشيخ، الدكتور عصام صالح، أنه تمت مكافحة مرض «الفيلاريا» بقريتى «الجزيرة الخضراء» و«برج مغيزل»، التابعتين لمركز مطوبس، مشيراً إلى أنهما كانتا «موبوءتين» بالمرض، وأضاف أنه «مازالت هناك 22 حالة إصابة، وقد خاطبنا وزارة الصحة لإنشاء عيادة للأمراض المتوطنة، بعد توفير مكان لعلاج هذه الحالات، كما تمت مخاطبتها لتوفير مساعدات اجتماعية لهؤلاء المرضى، وصرف العلاج اللازم لهم، ولكن لم تتم الاستجابة لهذه المطالب حتى الآن».
وأضاف «صالح»، فى تصريحاته لـ«الوطن»، أنه تم إنشاء «مركز تدريب المتوطنة» بقرية «الجزيرة الخضراء» سنة 2013، وتم افتتاحه فى العام التالى، ويضم طابقين من مستشفى «التكامل وطب الأسرة»، بعد إلغائها، لافتاً إلى أنه تم اختيار القرية نظراً لأنها إحدى المناطق الموبوءة بالأمراض المتوطنة، كما أشار إلى أنه يتم إجراء تقييم سنوى لطلاب المدارس الابتدائية والإعدادية، وتم إعطاء جرعات للوقاية من مرض «الفيلاريا» لأهالى «الجزيرة الخضراء» فى أبريل 2016، وسيتم «تجريع» المواطنين فى مراكز الحامول ومطوبس وقرى كفر الشيخ، اعتباراً من بداية العام الدراسى المقبل.
«فوزية» مصابة بمرض داء الفيل وتنتظر العلاج
.. و«حليمة» تعانى منذ 18 عاماً