بالفيديو والصور «ليلى».. نموذج لفتاة مسلمة نشأت فى منزل مسيحى وتربت على «صحيح الإسلام»
«ليلى» فتاة مصرية، فى أوائل الثلاثينات من عمرها، بسيطة وأنيقة، إسكندرانية صاحبة قصة نادرة تعكس صورة حقيقية للمجتمع المصرى، المتسامح، صاحب النسيح الواحد.
قصة «ليلى» تبدأ من لحظة زواج فتاة مسيحية من رجل مسلم على غير رغبة الأهل، ليثمر الزواج عن قدوم «ليلى» إلى الدنيا، وبعد 4 سنوات تنفصل عن والدها، لتعيش الفتاة بين الإسلام والمسيحية، تدرسهما وتمارس شعائرهما، تقضى يومها بين الكنيسة وسجادة الصلاة، الصليب والقرآن الكريم، وطوال 8 سنوات لم تعان الفتاة من أى تشتت فكرى أو دينى، وكانت تشعر براحة وصفاء مع النفس فى مقابل نظرات الإعجاب والتعحب فى نفس الوقت، فى عيون من يعرف قصة زواج والديها.
وعندما بلغت 12 سنة، قررت «ليلى» اختيار الإسلام ليكون دينها عن قناعة داخل بيت «مسيحى»، تصلى وتصوم وتزكى فى بيت «الخواجات»، كما يطلق عليه أهل المنطقة، بسبب أصوله اللبنانية، وسط تشجيع جدها «جون» الذى وافته المنية، وجدتها «أوديت» التى تعيش معها.
«الوطن» قضت يوماً كاملاً فى منزل ليلى بمدينة الإسكندرية، لتروى قصة حياتها ومعايشتها لمظاهر الدين الإسلامى والمسيحى فى آن واحد داخل منزل يضم النموذجين، لتؤكد فى البداية أن «الفتنة الطائفية» موجودة فقط فى العقول المريضة، ولتقول رأيها فى استخدام «الدين» ودخوله عالم السياسة «الملوث».
منزل يجمع بين البساطة والأناقة، على واجهته «صليب» وداخل إحدى غرفه «مصحف»، تُوضع صورة «العدرا مريم» على «البوفيه» أمام باب الشقة مباشرةً، وبالقرب منها غرفة نوم يزينها عدد من «السبح الإسلامية» وسجادة صلاة، صور العائلة فى كل مكان، وعدد من ملصقات لمؤسسة «صناع الحياة» الخيرية، غرفة مكتب تشبه كثيراً المعارض الفنية، تضم مكتبة تحمل عدداً لا حصر له من الكتب معظمها كتب دينية إسلامية.
ومن داخل منزلها تبدأ «ليلى» روايتها لتقول: «فى البداية وافقت أتكلم عن حياتى الشخصية من أجل تكريم عائلتى، لأنها البطل الحقيقى لقصة اختيارى للإسلام، إنها العائلة المسيحية التى اختارت تربية مسلمة داخل جدران منزلها، رغم وجود حق الرفض المنطقى بوجود عائلة والدى المسلمة التى كان من الممكن أن تقوم هى بنفس الدور».
وتكمل «ليلى»، خريجة مدارس الراهبات: «تعلمت الدين الإسلامى فى المدرسة، والدين المسيحى فى البيت، ماكنتش شايفة أى تناقض بين الدينين أو أنى مسلمة وأتردد على الكنيسة، خاصةً أن عائلتى كاثوليك، أى إنهم يعتبرون عيسى نبياً ويعلمون أن الله واحد».
وتتابع الفتاة الإسكندرانية، أنها لم تواجه التشتت إلا فى أسئلة من حولها، وعن ذلك تقول: «مكنتش عارفة يعنى إيه انتى مسلمة ولا مسيحية، لحد ما بقى عندى 12 سنة، الأستاذ محمد علمنى الوضوء والصلاة، ومنذ ذلك الوقت وقررت أن أكون مسلمة عن اقتناع»، وتابعت: «رغم كونى مسلمة فى شهادة الميلاد بحكم أن والدى مسلم، فإن الاختيار كان أمامى بقوة، خاصةً أننى كنت أعيش الدين المسيحى بكل صوره، ولكنى اقتنعت تماماً أن الدين الإسلامى هو حقاً دين الفطرة» وتتمم: «الحقيقة أنى تعلمت أخلاقيات الإسلام مثل الإخلاص والتسامح والصدق فى بيت مسيحى».[FirstQuote]
ملامح التأثر كانت تظهر على «ليلى» أثناء حديثها عن عائلتها، حيث طلبت عدة مرات وقف الحديث، قبل أن تستطرد: «جدى كان يوقظنى فى بعض الأحيان لصلاة الفجر، لأنى قلت له إن أجر صلاته مضاعفة، وجدتى كانت تنتظر فى رمضان حتى موعد الإفطار لإعداد سفرة عائلية، كان الجميع يشعرنى بالجو الأسرى مثل كل البيوت المسلمة».
وعن أبرز المواقف التى تعرضت لها، تقول «ليلى»: «فى فترة حجابى كنت أحياناً أرتدى سلسلة تحمل الهلال مع الصليب، وكان البعض ينتقدنى، ويقول لى إن ذلك مخالف للإسلام، وآخرون ينظرون لى بتعجب»، وتكمل: «تعلمت أن الدين ليس مظهر، مش لازم عشان أنا مسلمة أنزل ماسكة مصحف ولا لابسة آية قرآنية، الإسلام جوه كل البنى آدم، ولو عايز يعكسه يبقى بتصرفاته مش بس مظهره»، وانتقلت ليلى إلى ما تمر به البلاد الآن من إقحام الدين فى السياسة لتصف الموقف بـ«المأساة»، مستعينة بصورة شهيرة لأحد المسلمين الملتحين، الذى وجه رسالة من خلال صورة حملت كلمات «الإسلام برىء من المنفرين» وأكملت: «أرفض تماماً كلمة الإسلاميين، كلنا إسلاميون، المسلم مش محتاج يقول للناس أنا مسلم، المهم يقول لربنا، قول إنك إخوانى أو سلفى أو مسيحى، لكن متقوليش أنا إسلامى».
وتابعت «ليلى»: «حزينة من اللى وصلنا له، إزاى ناس تسمح لنفسها تحاسب غيرها وتكفرهم وتبيح الدم عشان تنصر فكرتها مش الإسلام، وفى الآخر تقول أنا داخل الجنة وأنت داخل النار؟» وتروى عن فترة الانتخابات الرئاسية وتراجعها عن انتخاب محمد مرسى فى اللحظات الأخيرة وتبدأ: «كنت بقول على الله يعمل دولة إسلامية حقيقية، لكن بعد تفكير تراجعت، لأنى فكرت أن فى حال فوز أحمد شفيق قد تكون الإساءة إلى مصر وقد لا تكون، ولكن إذا نجح مرسى وأساء لن يسىء لمصر فقط بل للإسلام بشكل عام، وهو ما حدث بالفعل»، وأكملت: «مش بعيب فى حد، لكن ماحدش يقدر ينكر أن حصل إساءة للإسلام فى هذا الزمن، نسبة الإلحاد زادت ومن كان فى بداية طريق الإسلام بدأ يعيد تفكيره، وهو ما يثبت وجهة نظرى أن الدين ليس مظهر، أنا لى أصحاب كتير إخوان وبحترمهم، لكنه حر فى وجهة نظره دون احتكار الدين لصالحه».
وتتذكر الفتاة ثلاثينية العمر، أحد المواقف المسيئة للإسلام: «أنا درست فقه بالفرنساوى، وكنت بدرس تجويد، وفى أحد الدروس مع فتاة منتقبة وجدناها تتحدث عن الدباديب وأن بداخلها روح» وتكمل: «الأمر كان مفزعا بالنسبة لى، هل هذه الفتاة اختصرت الدين الإسلامى، بكل ما به من جمال فى الدباديب؟ وهل نحن هنا لتعلم التجويد أم للتحدث فى أشياء أخرى»، ووجهت ليلى رسالة لكل من يضعه الله فى ظروف تجعله يعلم الإسلام للآخرين بأن يستغلها: «الشيخ اللى على المنبر وبيأثر فى الناس ده قدامه فرصة ذهبية، أرجو ألا يستغلها فى إشعال الفتنة كما يحدث فى معظم المساجد الآن».
«ليلى» لها قصة أخرى مع «الحجاب» أو «الطرحة»، كما تحب أن تطلق عليها، والتى ارتدتها لفترة تزيد على 9 سنوات قبل أن تعود وتخلعها مرة أخرى، ورغم تحفظها الشديد على هذه النقطة وعدم رغبتها فى التحدث عنها باستفاضة، فإنها اختصرت الأمر فى عدة محاور، وتروى، «حاربت مع عائلتى لنحو 11 شهراً من أجل ارتداء الطرحة، وأعترف أنه كان الأمر الوحيد فى الطقوس الإسلامية الذى كان عقبة معهم، وذلك لاعتبارهم هذا الموقف مجرد مظهر، كما أننا كنا سنصبح لافتين للأنظار فى الشارع بشكل كبير»، وتابعت: «فى النهاية خضعوا لرغبتى ولبست الطرحة عن قناعة، وعندما خلعتها كان لعدة مؤثرات خارجية».
وأكملت: «خلعت الحجاب فى عهد الإخوان بعدما تأكدت أن الدين ليس مظهر فقط، كنت بمشى فى الشارع عايزة أقول لأى مسيحية والله احنا مش كده»، ورفضت «ليلى» الحديث عن الأسباب التى دفعتها لاتخاذ هذا الموقف، مؤكدة أنها قناعات توصلت لها، من ضمنها استخدام الدين كوسيلة وليس غاية، كما رفضت «ليلى» اختزال الحجاب فى «طرحة» وقالت: «أنا مقتنعة إنى مقلعتش الحجاب، أنا قلعت الطرحة، الحجاب يعنى سلوكيات قبل ما يكون مظهر، بين الرجل والمرأة فى حدود الكلام أو المسافة، وبالنسبة للملابس ما اختلفتش فى الحالتين، لأنى فاهمة كويس فكرة مفاتن المرأة، لكن الحجاب حاجات كتير أوى تانية، لكن احنا للأسف عندنا افتكاسات مصرية إسلامية»،
وأوضحت: «أنا مقدرش أتكلم عن الحجاب فقهياً، لكن أنا فيه حاجات فى قناعاتى وتفسيراتى اختلفت، قد يتفق معها البعض وقد يختلف، لكن فى النهاية أشعر بالراحة الذاتية»، واختتمت حديثها بالقول: «أشكر عائلتى المسيحية التى علمتنى معانى ومبادئ الدين الإسلامى، وأتمنى أن يفهم الجميع أن الدين لله وليس للمجتمع»، مستعينة بالمقولة الشهيرة للشيخ محمد عبده «وجدت فى أوروبا مسلمين بدون إسلام ووجدت فى وطنى إسلاماً بدون مسلمين».