رفعت السعيد: طلبنا من ابن شيخ الجامع يقول لوالده يخلّص صلاة المغرب بسرعة فرفض «فضربناه علقة سخنة»
رفعت السعيد
«رمضان شهر الذكريات والدفء والحنين، رمضان المنصورة غير أى رمضان، بلدنا الجميلة الممتعة كل شارع فيها بيفكرنى بموقف وحكاية، أحكى إيه بقى ولا إيه، نبدأ بالفانوس»... يستعيد الدكتور رفعت السعيد، رئيس المجلس الاستشارى لحزب التجمع، ذكرياته مع رمضان فى مسقط رأسه بمدينة المنصورة، يتذكر أول فانوس يحصل عليه فى حياته: «كان عندى خمس سنوات، وهذا الفانوس أتذكر مواصفاته تماماً، مصنوع من الصفيح وبداخله زجاج بنظام عاشق ومعشوق، وبداخله مكان للشمعة، وكانت ألوانه مبهجة، والأهم من كل ده إنه كان لازم يلسعك، لأن الشمعة تسيح وتسخن الصاج معاها، وكنا بنكسره ولا نحتفظ به، حتى إن والدتى تقول لى أجيبلك واحد تانى، فلم أكن متحمساً وأقول لها لا خلاص أنا شبعت منه، وكان فى البيت فانوس كبير يوضع فى منتصف المنزل».
وللفانوس مع «السعيد» قصة، يتذكر صانع الفوانيس الذى كان يعمل على صناعة فوانيسه طوال العام، بأحجام وأشكال مختلفة: «كنت أذهب أنا وشقيقى لنجلس إلى جواره، وهو كان يعرفنا ويعرف أسرتنا، ونظل بجواره بالساعات نشاهده وهو يصنع الفانوس، وكيف يقص الصاج ويركب الزجاج ويلونه، وكان إبهاراً ما بعده إبهار حتى إن هذا الرجل كان بالنسبة لنا زى سانتا كلوز بتاعنا، لكن فوانيس بس».
بعد ما كبرنا وخلعنا الشورت ولبسنا البنطلون والطربوش كنا نذهب بعد الإفطار لمقهى الطلبة نلعب طاولة
أما الصيام نفسه فقصصه مع «السعيد» كثيرة جداً، يقول: «أول مرة صيام كامل كان عندى عشر سنوات، وأخى كان أكبر منى بعام ونصف العام، وأذكر أن فطار أول يوم صيام فى رمضان دائماً ما يكون فتة ولحمة مسلوقة وكذلك يوم الوقفة، وبالنسبة ليوم الوقفة كان فيه أكلة أخرى نتناولها بعد الفتة واللحمة المسلوقة، وهى السمك البكلاه، والبقالين كانوا يعلقونه ونجده سمك ناشف فكانوا يحضرونه فى المنزل ويوضع فى الماء وله طريقة معينة فى الطهى».
صمت فى سن العاشرة والفطار كان فتة ولحمة مسلوقة.. والحلو كنافة بالمكسرات
اعتاد «السعيد» وهو طفل أن يستيقظ من النوم فى الساعة الثانية عشرة ظهراً، إذا صادف رمضان الإجازة المدرسية، ما يعطيه الفرصة لأن يلعب كرة القدم لما بعد العصر، ويعود ليستحم ثم ينام قليلاً إلى وقت المغرب، أما أيام الدراسة، فكان يذهب إلى المدرسة، ولا يفهم أى شىء بسبب تعب الصيام، والمدرس كان يقول لهم: «افطروا عشان تفهموا»، لكنهم كانوا يرفضون: «وكنا نقول إحنا كبار ولازم نصوم».
وعلى مائدة الإفطار كان التقليد فى عائلة السعيد أن يتناول الجميع الشوربة، ثم يبدأون فى تناول الطعام، ولأنه لم يكن يحب الشوربة، ويرى أنها معطلة عن تناول الطعام الأساسى، فكان يرفض تناولها، ويذهب إلى اللحم والخضار والخبز، وظل لسنوات طويلة يكره الشوربة، وامتنع عن تناولها: «أذكر فى أيامنا الأولى للصيام، كنا متعودين على وضع الطعام، ولكن لا أحد يأكل ألا بعد أن يبدأ الحاج والدى فى الأكل، ولكن والدى كان عنده مزاج يفطر على بلح ثم يذهب لصلاة المغرب وبعدها يعود ونبدأ الطعام، وإحنا هنموت من الجوع، وعاوزين ناكل، ومش عارفين نعمل إيه، كان لنا صديق هو ابن شيخ المسجد فطلبنا منه أنا وشقيقى أن يقول لوالده إننا نريد أكل الطعام ولا نستطيع أن نفعل هذا إلا بعد أن يأكل والدى، فاطلب من والدك أن ينصح والدى بأن يأكل أولاً ثم يصلى، فخاف صديقى ابن الشيخ ورفض أن يقول هذا لوالده، فكانت النتيجة أننا ضربناه علقة سخنة فذهب إلى والده يبكى، وحكى له ما حدث من البداية، فوقف الشيخ فى المسجد أثناء خطبة التراويح وقال: لا تكرهوا أولادكم فى الصيام، وعليكم تناول الإفطار أولاً، حتى لا تعذبوا أبناءكم فشعر والدى أن هناك أمراً ما، فذهب إلى الشيخ وقال له ماذا حدث، فحكى له، فما كان من والدى ألا أنه ضربنا علقة مظبوطة بس المهم إنه بقى يفطر بعد كده الأول وبعدها يذهب للصلاة».
صيام رمضان كان بالنسبة للسعيد رمزاً للرجولة، ولذلك لم يكن يتخلى عنه لأى سبب، حتى عندما كان يصادف وقت الامتحانات وتطلب منه والدته أن يفطر، فكان يرفض، ولذلك تفتق ذهنها عن حيلة عجيبة، إذ كانت تغلق نوافذ الحجرة حتى لا يرى السعيد النهار هو وشقيقه، ثم توقظهما من النوم وتقدم لهما الطعام على أنه السحور، فكانا يأكلان ويشبعان ثم يذاكران دروسهما أو ينامان لبعض الوقت، ويذهبان للامتحان بصحة جيدة لأنهما يكونان قد تناولا طعامهما، منذ وقت قريب، وحين يكتشفان ما فعلته معهما أمهما، كانا يعوضان أيام الإفطار بأيام أخرى بعد رمضان.
يتحدث السعيد عن عشقه لأطباق العاشورة التى كانت تعدها والدته: «أذكر أن العاشورة عملت مشكلة كبيرة، فبعد سجنى ودخولى المعتقل، منعت أمى عمل العاشورة فى المنزل، والجيران لم يكونوا يعلمون فأرسلوا لنا طبق عاشورة فما إن رأته والدتى ألا وأخذت تصرخ (ابنى.. ابنى)، وكانت مشكلة كبيرة، كما أنى كنت من عشاق الكنافة بالمكسرات وحتى الآن أنا لا أعتبر الكنافة كنافة إلا بالمكسرات فقط، وأمى تعلم حبى الشديد لهذا النوع، وبعد خروجى من السجن والدى كان يحكى لى أن والدتى كانت تعملها على مضض وهى حزينة».
أما ليالى رمضان فيتذكر المفكر السياسى رفعت السعيد أن المنصورة لم يكن فيها سهرات بالمعنى الخاص بالعاصمة، وكان بعد الفطار الأطفال يذهبون للعب، والرجال يذهبون إلى المقهى، وبمناسبة المقهى كان هناك تقليد غريب فى المنصورة أن هناك مقهى للمدرسين، وكان ممنوع الطلبة يمروا من أمامه، «مش يدخلوا يقعدوا عليها»، وباقى المقاهى للكبار، وعندما انتقل للمرحلة الثانوية كان يجلس وأصدقاؤه على مقهى معين ومحدد للطلبة وهو مقهى «رمسيس» وهى مرحلة يطلق عليها السعيد: «مرحلة خلع الشورت وارتداء البنطلون»، إذ إنهم قبل الثانوية لم يكونوا يرتدون سوى الشورت، أما فى الثانوية فكانوا يرتدون البنطلون ودائماً ما يكون الطربوش منفوخاً والقميص مكوياً، ويجلس الجميع على المقهى ليلعبوا «طاولة».