بروفايل|«بديع».. المحرض العام
مَن يلعب الشطرنج، يعلم أن اللاعب بحركة إصبع، يحرك أمامه جيشاً، من عساكر وخيول وفِيَلة، ويبقى هو فى منأى يؤمنه وزير وعساكر، بالأمس كان ثمة لاعب اسمه محمد بديع، خسر أدواراً عديدة، وعزله الشعب، وقيده الجيش، فبدا كلاعب جريح يريد أن يبسط رقعة الشطرنج لمرة أخيرة، لا ينفذ فيها إلا خطة واحدة: الهجوم بكل ضراوة بكل جانب، حين اندلعت ثورة يونيو، كان بديع ابن المحلة فى محافظة مرسى مطروح، بعيداً عن الاشتباكات، وفى معزل عن المقر العام بالمقطم، الذى شبت فيه النيران، وفتحت خزانته، لكنه كان يرتع فى مكان آخر، الملك آخر قطعة تسقط فى الشطرنج، فى قواعد اللعبة حين يقول اللاعب: «كش ملك»، فإن حيز الخطر يحدق بالآخر من كل جانب، عندما قرر شباب «تمرد» الاعتراض على حكم الإخوان، قالوا لبديع: «كش ملك»، «بديع» ليس ملكاً إلا على أفراد رقعته وحسب، ساعة نُصب مرشداً عاماً للإخوان المسلمين، وقف مزهواً بتاج الإمارة، واضعاً يديه، يقبلها كل الإخوان المسلمين، يبجلونه ويظهرون له الولاء والطاعة، يقنعون بأنهم مجرد جنود فى المعركة، يحركهم كيف شاء وأنى أراد، يقذف فى قلوبهم كلاماً معسولاً، مفاده أن ذلك ابتغاء الله، ونصرة للإسلام، وهم مغلوبون على أمرهم، منذ ترعرعوا فى كنف جماعة نشأت منذ أكثر من ثمانين عقداً.
بالأمس ظهر «بديع»، بعد غياب، ظهر وسط حشوده وأفراد رقعته، يتحدث عن دماء الشهداء، التى جاء عليها الإخوان لسدة الحكم، ينادى بسقوط العسكر الذين هادنوه من أجل مقاعد برلمانية، يتعسل بأدعية قالها الرسول ساعة فتح مكة، يردد من خلفه الجموع فى ميدان رابعة العدوية، الذى يعتصم فيه التيارات الإسلامية المنادية، بحسبهم، بالشرعية والشريعة، يعرف أن الأزهر ساند تحرك السيسى، لذا ينادى بأن شيخه لا يمثل المسلمين، وأن البابا تواضروس لا يمثل الأقباط، يصف الإعلام بسحرة فرعون، ويفضل السحرة عليهم، يهتف: «ثوار أحرار حنكمل المشوار»، نسى أنه ترك الثوار فى ميادينهم دون مشاركة، أدرك الملك أنه فى خطر، لذا تحرك من مكمنه، يقول مرشد الجماعة التى حُظرت قانوناً وقت مبارك، وشعبياً عقب ثورة يونيو: «انزل إلى الميادين وأعلن موقفك»، أنهى «بديع» الكلمة، التى بدت كل جملة منها، كحركة بإصبعه فى رقعة الشطرنج، تحركت عساكره من أفراد الجماعة فى كل محافظات مصر، سادت الاشتباكات التحرير كما حدث فى موقعة الجمل، وفى الإسكندرية والصعيد، قُبض على الوزير، خيرت الشاطر والفيل أبوإسماعيل، ودحض الثوار أفراد الجماعة من عساكر وطابية وخيول، ووقف «بديع» عقب تحريضه وحيداً، تارة يقال إنه فى «رابعة»، وتارة لا يُعرف مخبؤه، لكن حصار «كش ملك» الذى بدأه الشباب، لن ينتهى إلا و«بديع» سيكون خاسراً الدور، ومعتزلاً للشطرنج للأبد.