رئيس جمعية المراسلين الأجانب: «السادات» قال لى قبل اغتياله بـ4 أيام إنه قادر على تأديب الإخوان و«اللى هييجى بعده مش هيقدر» فلم يُنشر الحوار
فولكهارد فيندفور
عندما تجلس معه وتستمع لحديثه لا تشعر أنه أجنبى، من طلاقة لسانه بالحديث المتقن باللغة العربية، ومصريته التى تطغى على ألمانيته، إنه فولكهارد فيندفور، رئيس جمعية المراسلين الأجانب، فقد عمل طوال أكثر من ستة عقود فى مصر، قام خلالها بتغطية العديد من الأحداث المهمة والساخنة سواء فى مصر أو خارجها. أثناء الحوار معه والتنقل بين الحقب التاريخية المختلفة، تجده محللاً وعالماً بمجريات الأمور، وطبيعة الشعب المصرى الحقيقية، فقد التقى بالزعيم عبدالناصر وتأثر به، حتى إنه وصف نفسه بأنه ناصرى، وكان صاحب آخر حوار فى حياة الرئيس السادات، وعاصر مبارك، ووصل لعام حكم الإخوان، الذى عرف بنهايتهم منذ اليوم الأول، ويرى أن الرئيس «السيسى» هو الرجل المناسب فى الوقت المناسب وأنه أنقذ مصر من حرب أهلية.
«فيندفور» لـ«الوطن»: «السيسى» منع حرباً أهلية كان مخططاً لها من حكومات ووسائل إعلام.. وهو يشبه «محمد على» مؤسس الدولة الحديثة
■ كيف ترى وضع مصر حالياً؟
- مصر دولة كبيرة وعريقة، وموقفها الأساسى من حلول المشاكل التى يعانى منها الشرق الأوسط، هو موقف معترف به عربياً ودولياً، وأرى أن زيارة بابا الفاتيكان فرنسيس الأخيرة للقاهرة، تأكيد لصحة هذا الموقف المصرى، ورؤيتها للتعامل مع القضايا المحيطة بها والقضايا الدولية، فإن أهم مشكلة تعانى منها دول الشرق الأوسط والدول الإسلامية وحتى الأوروبية، فى الوقت الحالى هى كارثة الإرهاب، ومصر كانت من أوائل الدول التى حذرت من خطورة الإرهاب، وذلك يرجع إلى أنها صاحبة خبرة طويلة فى التعامل مع هذه الجماعات المتطرفة.
■ هل العالم الآن ينظر لمصر على أساس خبراتها فى التعامل مع الإرهاب؟
- الخبرات المصرية كبيرة فى التعامل مع هذه الجماعات، ومصر تعرف من يقف وراءهم، وأذكر أن الرئيس مبارك أعطى أوامر وقت حادث الأقصر بالتعامل الفورى وكما يجب مع هذه الجماعات، ونجح بالفعل فى ذلك بدليل عودة السياحة بعد عام ونصف من وقت الحادث، إلى ما كانت عليه قبله، خاصة أن السياحة شريان مهم لمصر، لأنها مصدر رئيسى للعملة الصعبة، ومصر حذرت دول الخارج وتحديداً بريطانيا، التى استضافت عدداً لا بأس به من الإرهابيين، الذين اتضح أنهم دبروا معظم العمليات الإرهابية، وعندما تستضيف دولة إرهابيين، ويكون من بينهم من اعترف ويتفاخر بما فعل مثل أبوحمزة المصرى، ولا تتحرك السلطات المسئولة يكون هناك أمر ما.
سألنى «عبدالناصر»: أنت مصرى أكثر أم ألمانى؟ فأجبته بصراحة فوضع يده على كتفى وقال: «لو قلت غير كده كنت احتقرتك»
■ ومن وجهة نظرك ماذا يعنى عدم تحرك السلطات المسئولة فى بريطانيا ضد إرهابى معترف؟
- هذا يعنى أن هناك تفاهماً، وأنا لا أعلم ما هى مصلحتهم فى ذلك، وأحب أن أشير إلى أن المجموعات الإرهابية النشطة فى جميع أنحاء العالم، مهما اختلفت مسمياتهم، فإنهم جميعاً حركة واحدة فى نهاية المطاف، وجميعهم نشأوا من جماعة الإخوان المسلمين، فهى الجماعة الأم التى خرج منها الجميع، والرئيس السيسى أكد هذا الواقع من قبل، لأنه ملم بطريقتهم وحقيقتهم أكثر من غيره، لأنه كان رئيس المخابرات الحربية، ولذلك أنا أرى أن الموقف المصرى من الإرهاب وكيفية التعامل معه صحيح 100%، ومصر فى الوقت الحالى تحذر العالم أجمع مجدداً من الإرهاب، فى ضوء نشاط الإرهابيين فى سوريا وليبيا والعراق وتونس والجزائر، فدائماً ما كانت التحذيرات المصرية من الإرهاب تخرج، وقد أطلقها جميع رؤساء مصر، ماعدا رئيس واحد حكم مصر 12 شهراً وهو الإخوانجى محمد مرسى، وهذه المحاذير محقة ومفيدة فى آن واحد، وأذكر أن اغتيال السادات على يد جماعات إرهابية منها الإخوان، وأنه فى نفس وقت اغتيال السادات كانت هناك عملية إرهابية كبيرة فى أسيوط، حيث قطع الإرهابيون رؤوس سبعة من رجال ضباط شرطة مسيحيين، وهو ما يعنى أنه كان هناك مخطط كبير جداً ضد مصر، ومع ذلك وقفت مصر فى وجه الإرهاب واستطاعت إفشال مخططات الأشرار.
■ تحدثت عن أن جميع الجماعات الإرهابية خرجت من رحم الإخوان، فهل العالم يعى ذلك الآن؟
- العالم يعى الآن أضرار الإرهاب، وأنهم ليسوا بعيدين عنه، والرئيس السيسى بحكم خلفيته ومعرفته بأمور ومعلومات كثيرة، نجح فى عدم الوقوع فى فخ بعض المغرضين الذين يدعون فجأة إلى «حوار ونقاش مع هذه الجماعات» والدخول معها فى حوار، فكيف يتم الحوار مع حماة الإرهاب؟ ولذلك أعتبر رفض «السيسى» لهذه الدعوات هو شىء طبيعى ومطمئن، وهذا الأمر من أهم مزايا الرئيس «السيسى» بدون شك، وهذا ما بدأ يفهمه الخارج، ومن بينهم البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، بدليل زيارته الأخيرة التى جاء فيها لمصر فى هذا التوقيت، وهو موقف مهم ورسالة بأن خطر الإرهاب لم ينته بعد لا فى الداخل أو الخارج، كما أن مجلس الشيوخ الأمريكى كان على وشك اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وأنا أرى أن هذا الموقف مهم للغاية، لأن خطر الإرهاب لم ينته فى الخارج وفى الداخل، واتضح أن حديث الرئيس السيسى كان صحيحاً، والعالم بدأ يتأكد من موقف مصر الدولة المركزية فى محاربة الإرهاب، ولا يمكن لأى نشاط دولى جاد لمحاربة الإرهاب أن ينجح دون مشاركة مصرية رئيسية، ودونالد ترامب، الرئيس الأمريكى الجديد يفهم ذلك جيداً، وقال فى لقائه الأخير مع الرئيس السيسى، نفس الحديث الذى قاله البابا فرنسيس، وجميع الدول الخارجية الآن تقول، ونسمع هذا فى عواصم كثيرة الآن «ياريت كنا سمعنا كلام «السيسى» من البداية ومحاربة الإرهاب منذ هذا الوقت، وكنا نوفر آلام» وأنه لا بد من الاشتراك فى جبهة مشتركة لمحاربة الإرهاب، وهذا ما بدأنا نسمعه من وسائل إعلام غربية أخذت موقفاً طويلاً لمعرفة الحقيقة، وأرى أن هذا فى حد ذاته ليس قليلاً.
■ إذن أنت ترى أن الموقف من دعوات المصالحة التى تخرج من وقت لآخر هو الرفض؟
- أعتقد أن أى مصالحة مع الإخوان خطيرة، وصعب جداً تصورها، وهى على أى حال لن تتم لأسباب كثيرة، عندما ينقلب الشعب بالكامل على الجماعة ويقيلها من الحكم، وتأتى فى اليوم الثانى وتقول «نجلس ونجرى حواراً»، وكأن شيئاً لم يكن فإن هذا لا يجوز وسخافة، وقد ذهبت إلى اعتصام رابعة ومعى التليفزيونات الأجنبية كى يشاهدوا ما يتم، وسمعناهم يقولون «رجعوا مرسى على أكتافكم وإلا هنولع سيناء»، ومنهم من أضاف نحن موجودون فى جميع الأماكن ولن نستسلم، ما يعنى أن 30 مليون مصرى الذين خرجوا فى مظاهرات صاخبة فى كل ميادين مصر فى 30 يونيو كانوا «خونة»، وبالتالى لا مجال لأى مصالحة، عصر الإخوان ولى بلا رجعة، حتى إن زعماء منظمة حماس المتحالفة مع الإخوان المسلمين أدركوا مؤخراً أن الإخوان الآن ليس لهم مستقبل، فقالوا إننا لسنا معهم، وقالوا «إنهم انفصلوا عنهم».
«السادات» كان يائساً من العرب ويشعر بمرارة وقال لى فى حواره الأخير: أعطيتهم فرصاً كثيرة لكن فى النهاية طفح الكيل خلاص
■ فى رأيك أنت لماذا انقلب الشعب على الإخوان؟
- الشعب انقلب عليهم بسبب احتكار السلطة بطريقة مبالغ فيها، فإنهم لم يعينوا وزراء مسيحيين أو حتى مسلمين من خارج الإخوان، وحاولوا السيطرة على مفاصل الدولة، وأذكر عندما وقف مرسى أكثر من مرة وقال «لا للهوية المصرية»، وقتها قلت إن أى رئيس مصرى يطلب من شعبه أن يتنكر لتاريخه القديم وحضارته ومصريته العظيمة، فإنه لن يكون مجرد جاهل وإنما يكون غير مؤهل لقيادة حكم الوطن، بل إنه وقع على استمارة إقالته من موقعه، وكان واضحاً أن الإخوان ليسوا مصريين بالمعنى الحقيقى، وعندما سمعته يقول لا للهوية المصرية قلت إنه لا يحتاج إلى جيش لإقالته، لأن الشعب هو من سيقيله، فالمصرى يحب بلده ولديه كرامة خاصة، وقد شاهدنا الكثير، ومن لا يقرأ تاريخ بلده «غبى».
■ بخبرتك الكبيرة إذا أردنا اختيار عنوان لعام حكم الإخوان ماذا يكون؟
- عنوانى لحكم الإخوان هو «تمهيد متقن للإسقاط الذاتى»، فإنهم قاموا بكل الأخطاء التى يمكن أن تسقط أى نظام، وهى أخطاء لا يجب أن تحدث، وعندما فاز مرسى فى الانتخابات الرئاسية، قلت لهم «نهايتكم لن تكون نهاية ديمقراطية لأنكم ستتنكرون للديمقراطية فور الوصول للحكم»، وكان ردهم «احنا وصلنا بإرادة الله، وكان الله يمكن أن يمنعنا، واحنا وصلنا الحكم برغبة الله تعالى»، وأنا كنت متأكداً أنهم «مش هينفعوا» لأنى كنت أعرفهم جيداً من البداية.
■ هل ترى أن تحركات الرئيس السيسى الدولية وزياراته للخارج ساعدت على فهم الخارج لحقيقة الوضع فى مصر؟
- سفريات الرئيس الخارجية ولقاء رؤساء وملوك العالم مهمة، وفى نفس الوقت زيارته لألمانيا مثلاً تركت أثراً جيداً جداً، وكان هناك إخوان حاولوا إفساد الزيارة ولكنهم فشلوا، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رحبت بـ«السيسى»، ولوبى الإخوان حالياً ليس له نفس التأثير فى الخارج، خاصة فى ألمانيا، وحالياً لا تجد جريدة ألمانية واحدة تكتب أن ما حدث فى 30 يونيو كان «انقلاباً عسكرياً»، فالحق يفرض نفسه.
عندما فاز «مرسى» فى الانتخابات الرئاسية قلت لهم: «نهايتكم لن تكون نهاية ديمقراطية لأنكم ستتنكرون لها فور الوصول للحكم».. ذهبت إلى اعتصام رابعة وسمعتهم يقولون «رجّعوا مرسى وإلا هنولع سيناء» وصعب جداً تصور أى مصالحة مع الإخوان فعصرهم ولى بلا رجعة
■ مصر عانت من نشر الأخبار الكاذبة عنها خاصة فيما بعد 30 يونيو فأين النزاهة الصحفية؟
- أحياناً هناك أناس تفترض فيهم الخبرة والنزاهة، ولكن هذه المثل العليا لا يحترمها كل الإعلاميين، والأهم بالنسبة إلى عدد لا بأس به من الصحفيين أن يأتى بخبر مثير، وأهم شىء لديه هو أن يقنع رئيس التحرير بأنه شاطر، ولا يريد أن يضيع وقته فى قراءة التاريخ ومعرفة اللغات ودراسة الخلفيات، المهم طول الوقت هو الخبر المثير، ولذلك هناك شباب انتهى مستقبله الصحفى بسبب خبر مثير.
■ وهل وقعت أنت فى فخ «الخبر المثير»؟
- أذكر مرة أننى أرسلت خبراً مثيراً لمجلتى «ديرشبيجل» التى خدمتها مديراً لمكتبها فى القاهرة 40 سنة، ولكنه كان خبراً صحيحاً أيضاً إلى جانب الإثارة، وكان الخبر أن صدام حسين سوف يحتل الكويت خلال 14 يوماً، وفوجئت برئيس قسم الخارجى متردداً فى نشر الخبر خوفاً على مصداقية المجلة إذا لم يحدث هذا الغزو، وهو فى النهاية لم يندم لأن دبابات صدام حسين دخلت الكويت بعد نشر الخبر بـ12 يوماً فقط.
■ هل هناك وسيلة إعلام حيادية 100%؟
- لا.. لا توجد، ولا يوجد حياد أصلاً فى كل المجالات والظروف، وأحب أن أبرز زاوية مهمة، فهناك فظائع تحدث فماذا أكتب عندما أرى شخصاً يُعذَب حتى الموت، فهل أكتفى بالنقل العادى البارد للخبر «بحياد مطلق»، فالصحفى ليس آلة ميكانيكية ميتة، فالحياد فى الكوارث فى حد ذاته جريمة، وإلا لماذا إذن نحتاج صحفياً فيمكن أن نكتفى بالبيانات فقط، والحياد 100% يضيع أمام خبر مثير.
■ بماذا تنصح مصر بالتعامل مع وسائل الإعلام الأجنبية؟
- إذا نظرنا إلى تليفزيون الجزيرة الذى بدأ بداية جيدة ومهنية بشكل غير عادى، وبأسماء كبيرة، نلاحظ أن هذه القناة تحولت إلى وسيلة هجومية رخيصة تخدم سياسات ضد مصر، وهناك دوائر مشبوهة تستخدم القناة كما تشاء، ومصر تستطيع أن تنشئ أداة مهنية من الدرجة الأولى لا تقل مهنية عن الجزيرة فى الماضى، وممكن أن تكون أقوى وأنجح، ولكن هذا الشىء سوف يتكلف أموالاً كثيرة، ويتطلب الالتزام بأمور معينة، وهذا ممكن أن نفعله، لأنه مفيد أكثر مما يتخيل البعض، وسبق وقدمت أفكاراً تفصيلية لكيفية تطبيق هذا الاقتراح.
■ كيف ترى حكم الرئيس السيسى؟
- الرجل المناسب فى الفترة المناسبة، وهو يشبه محمد على مؤسس الدولة المصرية الحديثة فى رغبته فى النهوض بمصر على كل المستويات، وليس رغبة فى اكتساب مال أو شهرة أو نفوذ، بل حرصاً على استقلال ووحدة مصر شعباً وأرضاً، والنهوض بكل ما يخدم بلده، والتحديات التى تمر بها مصر من نوفمبر 2012 بالتحديد، منذ الإعلان الدستورى المشئوم للإخوانجى مرسى، عندما قال قراراتى لن تخضع لمراجعة دستورية أو برلمانية، فوقف «السيسى» مع زملاء له فى الجيش المصرى لإنقاذ مصر من السقوط، ومنع حرباً أهلية كان مخططاً لها بطريقة غير عادية، وقد شاهدنا مخازن السلاح التى يمتلكها الإخوان، وكانت هناك دول وحكومات تساعد على هذا، وهناك أيضاً أجهزة إعلامية استخدمت فى هذا، و«السيسى» منع حرباً أهلية كان مخططاً لها، وأتذكر الشيخ يوسف القرضاوى عندما أعلن فى مقره بالدوحة عن «جيش مصر الحر» كما حدث فى بداية الحرب الأهلية وانقسام الجيش فى سوريا، والإخوان كانوا يتفاخرون بتجهيز أعضائه وتسليحهم، فإن الإخوان كانوا وسيلة لإثارة قلاقل شديدة فى أكبر دولة عربية وهى مصر، على أمل أن يكون الوضع على الشكل السورى، ولذلك حرق الإخوان 120 كنيسة، وكانوا يتوقعون أو هدفهم أن يحرق الأقباط المساجد، وهذا كان تفكيرهم لأنهم لا يعلمون من هم المصريون، فالمصرى يلتزم بروحه القديمة التى تجمع المسلم والمسيحى لمصر.
لا توجد وسيلة إعلام محايدة 100٪.. والصحفى ليس آلة ميتة لنقل الخبر.. والحياد فى الكوارث جريمة
■ متى حضرت إلى مصر؟ ولماذا؟
- حضرت إلى مصر عام 1955 وكان عمرى 18 سنة، والتحقت بالمدرسة الألمانية فى الزمالك، وكنت قد حصلت على الثانوية العامة من ألمانيا، والقانون المصرى قال نأخذ الثانوية المصرية، فأخذت الثانوية المصرية، ومنحنى كمال الدين حسين أحد الضباط الأحرار ووزير التربية والتعليم، منحة دراسية، والتحقت بآداب جامعة عين شمس قسم اللغات الشرقية ودرست «الفارسية والعبرية والتركية»، وعملت فى الإذاعة المصرية منذ عام 1959، وكنت أميل لمنهج الرئيس جمال عبدالناصر، الذى وهب نفسه لخدمة الفقراء والكادحين، وعبدالناصر كان زعيماً وطنياً، وأراد أن يخرج بريطانيا المهيمنة على مصير وطنه، وأن مصر تستقل نهائياً، وبنفس الشعور ساعد الجزائر فى حربها للاستقلال من فرنسا، وساعد العديد من الدول، وأسس مع كبار زعماء دول الحياد الإيجابى طريقاً ثالثاً، وهذا جعلنى كشاب ألمانى خرج من حرب عالمية، ورأى تقسيم وطنه أربعة أجزاء، وفقد والده فى الحرب، وبعد انتهاء الحرب وحريق كل شىء وموت عدد كبير من أقاربى، رأيت فى عبدالناصر قائداً مقنعاً، كان هدفه خدمة شعبه دون إثارة مشاكل مع دول أخرى، وعندما ووجه بحصار سياسى ومالى صمد، وعندما وقعت حرب 1967 والهزيمة لم يغير موقفه الأصلى حتى وفاته، فقد كنت ناصرياً، والدتى جاءت للعمل فى المدرسة الألمانية فى مصر، لأنهم احتاجوا مدرسين، وكان معى أخى، وعبدالناصر كان فى نظرى زعيماً شعبياً محبوباً، ومن يقول غير هذا لا يعلم شيئاً، فقد كان وطنياً جداً، ولم يهتم بالمال، وعندما جاء للحكم كان 98% من الأراضى الزراعية فى يد 2% فقط، وثلث الـ2% لم يكونوا مصريين، فقام بتغيير هذا الوضع ووزع الأراضى، فقد كان يحب شعبه، وأنا كنت تركت ألمانيا ومشاهد الاحتلال والحرب لا أنساها، خاصة مشاهد الفوسفور الذى يأكل الجلد ويحرقه، وهو يشبه الثلج.
لا توجد صحيفة ألمانية واحدة تكتب الآن أن ما حدث فى 30 يونيو كان «انقلاباً عسكرياً».. فالحق يفرض نفسه ولوبى الجماعة لم يعد له تأثير
■ متى التقيت عبدالناصر أول مرة؟
- أول مرة التقيته كان عمرى 22 سنة، بواسطة محمد حسنين هيكل، وفى عام 1965عندما جاء رئيس ألمانيا الشرقية لزيارة مصر عقب اعتراف القاهرة بها، لأسباب تتعلق بأن ألمانيا الغربية أُجبرت من الأمريكان على إبرام اتفاقية سلاح مع إسرائيل، وعند الزيارة قمت أنا بالترجمة، وعبدالناصر كان وطنياً لا يسعى إلى المال نهائياً، ولم يعط مناصب عليا لأولاده أو أقاربه، وأذكر واقعة حدثت مع عبدالناصر سألنى فيها أنت مصرى أكتر ولا ألمانى، فقلت له لو أنا قلت لك أحب مصر أكثر من ألمانيا هتفرح وجايز مش هتفرح، لكن أنا أحب وطنى أول شىء وأعتز به، فأنا ألمانى وأحب ألمانيا، ولكن أكثر بلد أحبها بعد ألمانيا هى مصر، فقام ووضع يده على كتفى وقال لو قلت غير كده كنت احتقرتك.
■ وأين كنت عندما توفى عبدالناصر؟ وماذا كان شعورك؟
- كنت فى برلين وعلمت بالخبر، وصدمت وقتها، حتى إنى بكيت كثيراً على الزعيم عبدالناصر، فقد كان شخصاً اقتنعت بمعظم ما قام به، وشعرت بأسى شديد، لأنه كان شخصية لا تتكرر.
■ ومتى التقيت السادات أول مرة؟
- أول مرة فى أغسطس 1976 ووجدته نشيطاً غير عادى، منفعلاً عندما يتحدث ومؤمناً بمستقبل مصر، وكنا فى حوار معه، فى جزيرة الفرسان بالإسماعيلية عقب افتتاح قناة السويس، وشجعنى على البقاء فى مصر، وكان لنا بعدها لقاءات عديدة، وكانت أبرز أخطائه إخلاء سبيل الإخوان وأمثالهم من السجون حتى الخطرين، وهما اللى جابوا أجله.
■ لماذا لم ينشر حوارك الأخير مع الرئيس السادات؟
- أعتقد لسبب واحد، فقد أجريت الحوار مع السادات قبل وفاته بأربعة أيام، وبالمناسبة كانت عملية اغتيال السادات أكبر عملية إرهاب فظيعة فى مصر، وكنت أتوقع حدوث هذا، لأننى كنت أعلم أن هذه الجماعات لن تتركه، وسألته خلال الحوار عن زيارة كان قام بها قبل الحوار بأيام إلى مدينة المنصورة، رغم تحذيرات من المخابرات بأن هناك محاولة لاغتياله من بعض الجماعات المتطرفة، فقال لى إنك مش المفروض تعرف هذه المعلومات، لكن على العموم هذا الأمر حدث بالفعل، وقال لى أنا لا أخشى منهم، لأنهم فى النهاية أولادى، والأبناء لا يقتلون الآباء، وقال لى إنه اكتشف أن الإخوان ومن على شاكلتهم جاحدون، وإنهم مش ممكن يتغيروا، وأنهم يفعلون معه مثلما فعلوا مع جمال عبدالناصر، ولكن أنا قادر على تأديبهم، فلا يوجد أحد قادر عليهم غيرى أنا، واللى هييجى بعدى مش هيقدر، أعتقد أن هذه الجملة الأخيرة هى التى أوقفت نشر الحوار فى مصر.
■ وماذا قال فى الحوار أيضاً؟
- قال الكثير، فقد قال أنا أعطيت العرب فرصاً كثيرة، ولكننى شعرت أنى مصرى أكثر من عربيتى، فقد كان يائساً من العرب خلال الحوار ويشعر بمرارة، حتى إنه قال خلال الحوار «فى النهاية طفح الكيل خلاص».
■ كنت معه فى رحلته إلى إسرائيل.. ما ذكرياتك عن هذه الزيارة؟
- كانت زيارة السادات إلى إسرائيل حدثاً كبيراً جداً على المستوى العالمى والإنسانى، وأذكر أن السادات نزل من الطائرة والهدوء كان يسيطر على المشهد، والوحدات العسكرية منتشرة، وبالتعبير المصرى «ترمى الإبرة ترن» وكانت هناك حالة من الرهبة والجمود معاً، وبعدها التقى السادات بموشيه ديان، أمسكه السادات من إيده وقال له «يا موشيه دورت عليك فى الميدان ملقتكش وقفشتك دلوقتى» فضحكوا جميعاً، وبهذا كسر السادات حالة الجمود التى كانت موجودة فالموقف كان مكهرب ولو نملة مشيت كنت تسمع صوتها، والحشود كانت كبيرة، ورفعوا لافتات كثيرة، وأذكر أنه كان هناك رجل وامرأة رفعا لافتة مكتوباً عليها مرحباً برئيسنا السادات، فقلت لهما لماذا كتبتما هذا، فقالا لى احنا يهود مصريين ولم نخرج من مصر كراهية فى مصر، ونشعر حتى الآن أننا مصريون وأن السادات هو رئيسنا، وهذا الأمر جعلنى أبكى، وفى نفس اليوم كانت هناك حفلة، وسمعت أصواتاً تتعالى فى صفوف العساكر التى تؤمن الطريق، ووجدت صبياً إسرائيلياً عنده 12 سنة، يتشاجر مع عسكرى إسرائيلى كان يقف ويرفع علم مصر وإسرائيل، وشجار الطفل كان لأن العلم المصرى لم يكن مرفوعاً فى نفس مستوى العلم الإسرائيلى، والولد اعترض على هذا، فإن الزيارة كانت قوية، وإنسانياً فى هذا اليوم الحدث كان كبيراً.