«الألفى»: «ماكرون» مرشح «البيزنس».. و«لوبان» ضعيفة.. وإقصاء «فيون» متعمد لأنه صاحب برنامج
الكاتب والمحلل السياسى الدكتور محمد الألفى
قال الكاتب والمحلل السياسى الدكتور محمد الألفى إن الانتخابات الرئاسية الفرنسية تحولت إلى مشهد عبثى بعد أن صعدت مرشحة اليمين المتطرف والمرشح الوسطى إلى الجولة الحاسمة، مع إقصاء مرشحى أحزاب التيار اليمينى المعتدل وتيار اليسار.
المحلل السياسى لـ«الوطن»: فرنسا فقدت «الهوية الوطنية» وأصبحت تابعة لألمانيا وموافقة لقراراتها بالتبعية
وأكد «الألفى»، لـ«الوطن»، أن المرشح الوحيد الذى كان لديه برنامج انتخابى واضح هو فرانسوا فيون، رئيس الوزراء الفرنسى السابق، واعتبر أن «ماكرون» مرشح رجال الأعمال وجماعات الضغط التى لها تأثير كبير على السياسة الفرنسية، واعتبر لوبان ضعيفة.. إلى نص الحوار:
■ كيف تنظر إلى المرشحين للجولة الثانية؟
- أولاً علينا أن نعلم جميعاً أننا أمام مشهد عبثى كبير، فالأمر أكبر من مجرد انتخابات رئاسية فى فرنسا بين مرشحين أحدهما مارين لوبان المرشحة عن «الجبهة الوطنية» والآخر هو إيمانويل ماكرون المرشح الوسطى الليبرالى. فرنسا تحدد مصيرها فى هذه الانتخابات. المرشح الأول «ماكرون» لا يحمل أى رؤية مستقبلية ودون أى خبرة سياسية وليس لديه أى دراية عن كيفية إدارة دولة كبرى بحجم فرنسا تحتل المرتبة الـ5 فى أكبر دول العالم اقتصاداً، ويُعد هو ممثل لرجال الأعمال وأصحاب الأموال فى هذه الانتخابات، فهو «بالونة مصنوعة» تعمل لصالحهم، فالأمر ليس مجرد تصويت فى انتخابات. وهو ليس له برنامج انتخابى واضح لكنه يتحدث عن أفكار ورؤى، وخطابُه مُرسل. أما فيما يتعلق بمرشحة «الجبهة الوطنية» مارين لوبان فهى تتخذ هذه الجبهة وراثة عن والدها، وكراهية الناخبين لها نابعة من تصريحات والدها المتطرفة، واعتقادهم بأنها شربت من نفس الكأس، على الرغم من أن جزءاً كبيراً من خطابها موجه إلى المواطن الفرنسى غير المتشدد، فهى تدعو فى خطابها إلى أن «فرنسا أولاً» وقالت إنها تريد أن ترى عبارة «صُنع فى فرنسا» على الكثير من المنتجات مثلما كان يحدث قديماً. فرنسا فقدت الهوية وأصبحت تابعة بشكل كبير لألمانيا وهو الأمر الذى تراه «لوبان»، وهو حقيقة، فألمانيا أصبحت القاطرة فى الاتحاد الأوروبى وما توافق عليه توافق عليه بالتبعية فرنسا وباقى دول الاتحاد. لكن أعتقد أن أهم عيوب «لوبان» هى أنها ضعيفة فيما يتعلق بالشق الاقتصادى فهو غير واضح لديها، مثل اقتراحها لخروج فرنسا من الاتحاد لأوروبى فى حال فوزها لم توضح ماذا ستدفع للاتحاد الأوروبى وكيف ستتم إجراءات الفصل ولم تذكر إذا خرجت ما هى الأسواق التجارية التى ستتعامل معها بدلاً من الاتحاد وكيف ستعيد استخدام العملة الفرنسية؟ كما أن جزءاً كبيراً من الفرنسيين يعملون فى دول الاتحاد الأوروبى، فهى فى النهاية اقترحت الأمر دون أن توضح مدى الخسائر التى ستعود على فرنسا.
■ من تتوقع أن يكون الأقرب للفوز فى هذه الانتخابات؟
- كل شىء وارد فى الانتخابات، مثلما حدث فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة التى فاز بها الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب، رغم أن الرئيس السابق باراك أوباما وحزبه الديمقراطى كان يوجه دعمه بالكامل لوزيرة خارجيته السابقة هيلارى كلينتون، كما أن وسائل الإعلام الأمريكية كانت مع «كلينتون» وكل استطلاعات الرأى كانت تؤكد فوزها، حتى إن الكثير من الدول الأوروبية بدأت التواصل مع مدير حملتها الانتخابية على أنه رئيس مكتبها بالبيت الأبيض.
اقتراحات مرشحة الجبهة للخروج من الاتحاد الأوروبى «غير واضحة».. وخطة المرشح الليبرالى بشأن اللاجئين «كارثية».. وربما تحدث مفاجأة مثل الانتخابات الأمريكية
■ فى رأيك.. كيف سيواجه كلا المرشحين مشكلة اللاجئين والمهاجرين فى فرنسا؟
- فى المناظرة التى أجراها كل من «ماكرون» و«لوبان»، الأربعاء الماضى، قال المرشح الوسطى إنه على استعداد لاستقبال 200 ألف مهاجر، فيما ردت «لوبان» أنها ستستقبل 10 آلاف لاجئ ومهاجر بحد أقصى، وأنا أرى أنها منطقية فى الرقم الذى طرحته، لأنه لو نفذ «ماكرون» ما يقوله فإن الأمر سيتحول إلى كارثة على الميزانية الفرنسية، فجميعنا رأى ما حدث فى فرنسا العام الماضى بعد استقبال عدد كبير من اللاجئين والمهاجرين بشكل عشوائى مع عدم وجود ميزانية كافية لذلك.
أما «لوبان» عندما حددت 10 آلاف فقط، فذلك لأن المشهد فى فرنسا فيما يتعلق باللاجئين والمهاجرين أصبح بحاجة إلى إعادة هيكلة، وهى على عكس الشائع لم تنتقد المهاجرين أنفسهم بل انتقدت القانون الذى يسمح بدخولهم بأعداد كبيرة ولكن لا يعمل على تأهيلهم ودمجهم فى المجتمع الفرنسى وتوفير فرص عمل وأماكن معيشة مناسبة لهم.
■ وماذا عن موقف «لوبان» من الإسلام والمسلمين؟
- الدولة الفرنسية هى دولة مؤسسات ودولة قانون، فالمساجد مثلاً تعمل والشرطة تحميها. وفى بعض الأوقات يكون عدد المحجبات فى الأسواق أكثر من عدد غير المحجبات، فليس هناك اضطهاد للإسلام سواء فازت «لوبان» أو «ماكرون»، لكن هناك ضواحى فى العاصمة الفرنسية باريس أصبح يسكنها أشخاص يرتدون البنطال القصير ويطلقون اللحى، وهناك مشاهد تكون محل انتقاد من الجميع وليس اليمين فقط، وعلى الرغم من ذلك فالمرشحة اليمينية لا تنتقدهم بل تنتقد القانون الذى لم يدعمهم ولم يحرص على تأهيلهم، وهذه المناطق أصبحت فاقدة للهوية فالشخص بها لا يُعد عربياً ولا يُعد فرنسياً. وأعتقد أنها أيضاً لم تهاجم اللاجئين أو المسلمين أو حتى الإسلام، لكنها فقط تهاجم «الإسلام الأصولى» ومنه جماعة «الإخوان» والمتشددون، مثلما قالت فى مناظرتها الأخيرة مع «ماكرون»، عندما اتهمته بدعمهم، وفى المقابل هى لديها سياسة واضحة سبق أن أعلنتها أكثر من مرة وهى أنها ستعمل على طرد عناصر كل الجماعات المتطرفة، وشددت على أن قانون الطوارئ المفروض فى فرنسا الآن والذى تجرى هذه الانتخابات فى ظله يتيح لها سحب الجنسية من أى شخص يُمثل تهديداً للأمن القومى الفرنسى وطرده من البلاد.
وأوضحت «لوبان» أنها ستغلق المساجد التى يخرج منها المتطرفون وليس كل المساجد، وستعمل على إغلاق الجمعيات أيضاً المتطرفة ولن تكون الوحيدة التى تفعل ذلك فسبق أن قام وزير الداخلية الفرنسى السابق بإغلاق 4 مساجد وعدد من الجمعيات التى تضم متشددين، وعلى لسانه أيضاً تم استيقاف 6 ملايين مواطن فى 4 شهور لسؤاله عن هويته. وسبق أن قال المرشح الفرنسى السابق فرانسوا فيون إنه لا يصح أن تُصنف مصر جماعة «الإخوان» كجماعة إرهابية فيما نستقبلهم نحن فى فرنسا، ولكن فى حال فوز «ماكرون» أعتقد أن الأمر واضح وأنه سيُبقى عليهم لاستخدامهم عند الحاجة.
■ كيف ترى نظرتهما فى مكافحة الإرهاب؟
- المرشحة اليمينية مارين لوبان أوضحت أنها ستلجأ إلى مساعدات اقتصادية عسكرية تمنحها للدول التى تحارب الإرهاب ومن ضمنها مصر ومالى، وحددت أنها ستلجأ لهذه المساعدات إلى جانب الدعم اللوجيستى وتبادل المعلومات، وأعتقد أن هذا إطار واضح ومفهوم للجميع، أما فيما يتعلق بمنافسها «ماكرون» فقد صرح بأنه سيحارب الإرهاب فى سوريا والعراق لكن دون أن يوضح أى خطوات أو أن يضع برنامجاً عن كيفية تنفيذه لذلك، هل سيتدخل بقوات برية مثلما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية سابقاً فى العراق أم سيزيد من مشاركته فى التحالف الدولى أم يضرب بعض الأهداف فقط فى الدولتين ويعود لقواعده، هو غير واضح ولكن أعتقد أنه لن يذهب بعيداً عن توجيه ضربات من قاعدة «شارل ديجول». «ماكرون» لم يحدد لكنه يميل إلى فكر الليبراليين ومؤسسة الرئيس الفرنسى السابق «ساركوزى» فهو سينفذ ضربات خاطفة ويعود لقواعده وهذا ما حدث فى ليبيا، والنتيجة هو ما نرى ليبيا عليه الآن من فوضى، فـ«ماكرون» لم يحدد كيف سيحارب الإرهاب وأى مرشح يجب أن يحدد برنامجه فى هذا الأمر تحديداً. وأعتقد أن كلا المرشحين لن ينسحبا من التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب برئاسة أمريكا، فحتى «لوبان» تريد أن تعيد لفرنسا شخصيتها.
■ فى حال فوز «لوبان».. كيف سيؤثر ذلك على الحركات اليمينية فى أوروبا؟
- بالتأكيد فوز «لوبان» فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية وهى تُمثل تكتلاً يمينياً كبيراً، سيعمل على صعود التيارات اليمينية الأخرى فى باقى الدول الأوروبية، فكل اليمين الأوروبى ينتظر فوزها خاصة بعد اقتراب الحزب اليمينى فى النمسا من الفوز لكنه خسر فى النهاية، فهى الأمل الجديد لهم، خاصة الحركة اليمينية المماثلة لـ«الجبهة الوطنية» فى ألمانيا وهى حركة «بيجيدا». لكن القصة لا تكمن فقط فى صعود التيار اليمينى لكن فى الصراع القائم بين التيار الليبرالى المنفتح والتيار اليمينى. وهو ما حاولت «لوبان» إيصاله من خلال توجيهها سؤالاً لـ«ماكرون» حول «هل لديك القدرة على التعامل مع دول كبرى بحجم روسيا وأمريكا؟ وهل تستطيع التعامل مع بوتين وترامب؟»، فعلى الرغم من مواقفها اليمينية والمعارضة لسياسة كلا الدولتين فإنها نالت استحساناً منهما حتى ولو لم يؤيداها، إلا أن روسيا ترى أنها لن تندفع فى العقوبات ضدها مثلما سيصبح الحال فى حال فوز «ماكرون». هناك شبح يخيف أوروبا كلها وهى «أوكرانيا» والخلاف القائم حول «القرم»، روسيا ترى أن «لوبان» تُرجح التفاوض مع روسيا لإقرار السلام فى أوكرانيا، أما «ماكرون» فيريد الضغط عليها بالعقوبات للتفاوض معها وهو ما ترفضه موسكو، وتعتبر «لوبان» أن أوروبا ليست فى حاجة لصدام جديد مع روسيا.
■ كيف ستتعامل «لوبان» مع العرب؟
- «لوبان» تمتاز بالوضوح الشديد فى برنامجها، فهى سبق أن أعلنت رسمياً أنها ستتعامل بطريقة مختلفة مع قطر مثلاً، وفسرت ذلك بكونها داعمة لعدد من المنظمات والجمعيات المتطرفة فى فرنسا. وأعتقد أنها ستعمل فى البداية على توجيه إخطارات لها بأن تتوقف فوراً عن دعم جماعات متطرفة، وإلا ستضطر لاتخاذ إجراءات أكثر تعقيداً.
■ وكيف سيتعامل «ماكرون» مع الشرق الأوسط؟
- «ماكرون» يعمل لحساب قوى الضغط التى تدعمه كما سبق أن أوضحت ذلك، وهذا يعنى أن تعامله مع الدول سيكون على أساس مصالح هذه الجماعات والشركات معها، فمثلاً إذا كانت هناك شركة من داعميه لها مصلحة ما مع دولة، فإن «ماكرون» سيوطد علاقته بها، ولا أعتقد أن هذا أمر غريب فأصحاب الأموال والشركات العملاقة هم الذين يحكمون العالم ويتدخلون فى اختيار رؤساء الدول الكبرى، مثلما حدث فى اختيار «ترامب» لقيادة الولايات المتحدة، ولكن فرنسا باعتبارها دولة مؤسسات فإن مؤسسات الدولة أيضاً يكون لها يد فى اختيار الرئيس، فمثلاً إذا كانت المؤسسات تريد الخروج من الاتحاد الأوروبى أو تريد التخفيف من عدد المهاجرين لديها فسنرى، إذن، مارين لوبان رئيسة لفرنسا، أما إذا كانت تريد المزيد من الليبرالية والتفتح والبقاء على الاتحاد الأوروبى فسيفوز «ماكرون».