رئيس جامعة يورك الكندية: لا بد من إلغاء «المجانية» عن الطلاب الأغنياء فى مصر
الدكتور ممدوح شكرى رئيس جامعة يورك الكندية
أكد الدكتور ممدوح شكرى، رئيس جامعة يورك الكندية، أنه أول مسلم عربى يتقلد منصب رئيس جامعة فى كندا، مشيراً إلى أن الحكومة الكندية لا تتدخل من قريب أو بعيد فى اختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، موضحاً أنه يجب على الدولة المصرية إلغاء مجانية التعليم عن الطلاب الأغنياء، رافضاً نظام تعيين «المعيدين» فى جامعات مصر، واصفاً إياه بأنه أفشل نظام فى التاريخ، حيث يتم تعيين الأول فى كليته كمعيد مهمته مساعدة الأستاذ، والنظام «أشبه بمن يتزوج أخته».
«شكرى»: ميزانية «التعليم» ضحلة.. وضعف أجور المدرسين يؤثر على العملية التعليمية
وقال «شكرى»، فى حوار خاص لـ«الوطن»، إن الطلاب والعاملين فى كندا يشاركون فى اختيار رئيس الجامعة، مشيراً إلى أن ما تشهده مصر من عمليات إرهابية متتالية «مؤسف للغاية»، مطالباً بضرورة تحقيق المساواة بين الجميع للقضاء على التطرف والإرهاب، موضحاً أن زيادة الجرعة الدينية التى يتم تدريسها للطلاب سبب رئيسى فى الانحراف الفكرى، مؤكداً أن إنفاق الأسر المصرية 17 مليار جنيه على الدروس الخصوصية سنوياً يؤكد أن القائمين على العملية التعليمية لم يؤدوا دورهم على الإطلاق، موضحاً أن التعليم فى كندا يعتمد على الاستثمار وانفتاح العقول وعدم التلقين، لكن فى مصر يحدث العكس، قائلاً: «إن الحالة الاقتصادية السيئة وانعدام المواطنة وعدم المساواة عوامل خلقت مشاعر سلبية تجاه الآخر، وذلك يؤدى إلى نجاح الإرهاب فى تجنيد بعض الأشخاص».
وطالب رئيس جامعة يورك الكندية بإلغاء «مجانية التعليم» عن الطلاب الأغنياء ذوى المستوى المعيشى المرتفع حتى يصل الدعم إلى مستحقيه من الفقراء، لافتاً إلى أن حال التعليم فى مصر «مزعج جداً»، وإلى نص الحوار:
■ صف لنا حال التعليم فى مصر؟ وما الفرق بينه وبين نظيره فى كندا؟
- حال التعليم فى مصر «مزعج جداً»، وذلك بسبب تدخل التعليم الدينى الشديد، سواء فى اللغة العربية أو التاريخ، ومن وجهة نظرى لا بد أن يتم فصل الدين عن أمور الحياة مثل السياسة، لأن تدخل الدين فى التعليم يؤدى إلى التطرف، واتساع الفكر التفكيرى لدى العديد من الطلاب، لأنه أحياناً يدرس الدين بصورة خاطئة داخل المدارس، والفرق بين التعليم فى الدولتين كبير طبعاً، لأن التعليم فى كندا يعتمد على الاستثمار ومعتمد على انفتاح العقول وعدم التلقين والحفظ، أما التعليم فى مصر فلا يوجد استثمار ويعتمد أكثر على الحفظ والتلقين، ولا بد أن يقوم العاملون على منظومة العملية التعليمية بتغيير جميع الأفكار لدى الطلاب، إضافة إلى اعتماد المناهج على الخيال العلمى والابتكار.
■ كيف ترى تطوير منظومة العملية التعليمية فى مصر؟
- تطوير منظومة العملية التعليمية فى مصر يحتاج الكثير والكثير، ولكن دعنى أقل إن أول طريق التطوير يبدأ بتغيير المناهج الدراسية، وأن تكون معتمدة على الفهم والنقاش، وأن يكون هناك استثمار مناسب للتعليم، ووضع خطة قومية حتى نكون فى صفوف الدول المتقدمة فى مجال التعليم والبحث العلمى على مستوى العالم.
حال التعليم فى مصر «مزعج جداً».. وتطويره يحتاج لكثير من الخطوات على رأسها تعديل المناهج الدراسية.. ولا بد من فصل الدين عن أمور الحياة مثل السياسة.. و«25 يناير» انحرفت عن مسارها بعد اختطاف الإخوان لها وتغيير اتجاهها.. فالثورة بدأت بحرية وعدالة اجتماعية وانتهت بالحكم لجماعة لا تسمح بالحرية إطلاقاً
■ تعقيبك على إنفاق الأسر المصرية 17 مليار جنيه سنوياً على الدروس الخصوصية؟
- إنفاق الأسر المصرية لـ17 مليار جنيه سنوياً على الدروس الخصوصية مؤسف جداً، ويؤكد أن المعلمين والقائمين على المنظومة التعليمية لم يؤدوا دورهم الأساسى، ولا بد أن يقوموا به على أكمل وجه لمواجهة تلك الظاهرة، وأيضاً لتطوير منظومة العملية التعليمية بمصر، لإخراج جيل مناسب من الطلاب يكون قادراً على مواجهة التحديات التى تواجهها الدولة، كما أنه لا بد من تقليل الكثافات الطلابية داخل الفصول، حتى يستوعبوا ما يقوله المعلم، ويجب على الحكومة اتخاذ خطوات جادة لبناء مدارس جديدة لاستيعاب جميع الطلاب فى كافة المناطق، لأن ذلك سيقضى تماماً على الجهل ويحارب كل أشكال التطرف والعنف والإرهاب، لأن أى دولة تتقدم عن طريق التعليم.
■ من وجهة نظرك ما أبرز المشاكل التى تواجه التعليم فى مصر؟
- أكبر المشاكل التى تواجه التعليم بصفة عامة فى مصر هى زيادة جرعة التعليم الدينى، التى تؤدى إلى إغلاق العقول وتجعل الأطفال غير قادرين على الانطلاق، وأيضاً الاعتماد على التحفيظ وليس المناقشة، إضافة إلى قلة الاستثمار فى التعليم، كما أن الميزانية المخصصة للتعليم الأساسى والتعليم العالى ضحلة وأقل من بلدان العالم، جعلت المدرسين ليس لديهم حياة كريمة بسبب ضعف الأجور، مما يؤثر على العملية التعليمية، وأيضاً المبانى فى حاجة إلى تطوير، وجميعها يؤثر على الطالب فى المدرسة، خاصة أن شخصية الطالب تتكون بما يحدث خارج الفصل أو المدرج فى الجامعة، كما أن أنشطة المدارس والجامعة قلت بسبب ضعف الميزانيات.
■ ما تعقيبك على مجانية التعليم؟
- فى البداية علينا الإجابة عن سؤال لماذا نحن فى حاجة إلى مجانية من الأساس؟ فالفكرة والمبدأ الذى نسعى لتحقيقه من خلال المجانية هو تكافؤ الفرص بين الناس، برغم كل الظروف، خاصة أن التعليم أفضل وسيلة لحماية التماسك الاجتماعى، وعلى الجانب الآخر، نجد أن المدارس فى كندا مجانية بشكل مطلق، أما فى الجامعة فهى مزيج بين المجانية ودفع مصروفات فى نفس الوقت، خاصةً أن تلك المصروفات لا تغطى الاحتياجات، والطالب العادى فى كندا يدفع 10 آلاف دولار سنوياً، وهناك 1000 نظام للتعامل مع الطالب الفقير، إما من خلال المنح المجانية، أو إعطائه قرضاً بدون فوائد يتم سداده بعد التخرج، أو مزيج من الاثنين، والحكومة هى التى تعطى المنح، ودرجة الفقر هى التى تحدد المنح أو القروض، وأنا أؤيد مجانية التعليم، وهناك أولياء أمور يملكون ملايين ويعلمون أولادهم مجاناً، ولا بد من دراسة الوضع الاقتصادى للطلبة، وعلى الدولة إلغاء المجانية عن الطلاب الأغنياء ذوى المستوى المعيشى المرتفع، وبقاء المجانية لمن يستحقها فعلياً.
مشكلة التعليم العالى والبحث العلمى فى مصر تكمن فى عدم تفرغ الباحثين للدراسة.. ويجب على الدولة ترشيد مصروفاتها على البعثات
■ وماذا عن اختيارك كرئيس لجامعة يورك الكندية؟
- توليت رئاسة جامعة يورك فترتين من 2007 وحتى العام الحالى، وليس هناك قانون يمنع استكمالى لفترة ثالثة، ولكن هناك عُرفاً ينادى بالتغيير وهذا المتعارف عليه، وأى رئيس جامعة «هيقعد بعد 10 سنوات هتطلع عينه»، وأنا فى السنة العاشرة فى حاجة إلى تغيير العمل، وبعد نشر مواصفات الرئيس المقبل فى الجرائد تكون العملية سرية للغاية، ولا تتم معرفة المرشحين لرئاسة الجامعة إلا عند توليه المنصب بشكل رسمى، وقد عملت فى مجال التعليم العالى لفترة طويلة، حيث توليت رئيس قسم فى كلية الهندسة بجامعة «ماكماستر» الكندية فى سن صغيرة، وكذلك فى مجال الصناعة، ورجعت الجامعة كأستاذ فى الجامعة، وكل أبحاثى فى الصناعة أعطتنى التميز لارتباطها باحتياجات الصناعة، وأعطتنى فرصة أكبر لجمع قدر كبير من المال، وطلاب كثيرون أقبلوا على أبحاثى لرغبتهم فى العمل فى «الصناعة»، وزملائى اختارونى كرئيس للقسم بكلية الهندسة بالجامعة، وكنت من أصغر رؤساء الأقسام، وعينت عميداً، وكنت أول عميد مسلم وعربى ورئيس قسم ناجح، ورئاسة الجامعة فى كندا تختلف عن رئاسة الجامعة فى مصر، لأن رئيس الجامعة الكندية يتمتع باستقلالية كبيرة، فينظرون إليك فى المجتمع على أنك واحد من المثقفين الذين يتحدثون فى القضايا العامة فى الدولة، واختيارى كرئيس لجامعة يورك كثالث أكبر جامعة فى كندا ليس له علاقة بكونى مسلماً أو غير مسلم.
■ كيف يتم اختيار رئيس الجامعة فى كندا؟ وهل هو قائم على الانتخاب أم التعيين؟
- ما يحدث فى اختيار رؤساء الجامعات فى كندا مزيج بين الانتخاب والتعيين، لا سيما أنها كيان مستقل تماماً، ولديها مجلس أمناء مكون من شخصيات عامة لهم مكانة كبيرة بالمجتمع ومسئولين عنها، وتتكون من قوائم على غرار البرلمان، وهم مسئولون عنها مالياً، وكل شىء يخصها من تعيين وعزل رئيس الجامعة عدا الشئون الأكاديمية، وهناك مجلس آخر مُشكل من الأساتذة «لإدارة الناحية الأكاديمية»، ورئيس الجامعة يكون عضواً فى المجلسين، فعند بدء برنامج جديد يتم اتخاذ القرار بين رئيس الجامعة ونائبه ومجلس الإدارة الأكاديمى، وأعرض عليهم البرنامج ومواصفاته لإبداء الموافقة أو الرفض عليه، مثلما يحدث فى البرلمان تماماً، ويتم عمل تصويت للموافقة عليه ودراسة تكاليفه وتحديد المبنى بالتنسيق مع مجلس الأمناء المختص بالنواحى الإدارية، ولا بد من اتفاقهما، كما أن وزير التعليم العالى ليس رئيسى فى العمل، ودور الحكومة دفع نصف «الميزانية»، وهذه هى السياسات العامة فى التعليم الكندى.
■ كيف يتم اختيار المعيدين داخل الجامعة؟
- «نظام المعيدين» فى مصر أفشل نظام فى التاريخ، حيث يتم تعيين الأول فى كليته كمعيد، مهمته مساعدة الأستاذ، أما فى الجامعات الكندية فطلاب الدراسات العليا من خارج الجامعة هم من يقومون بمساعدة الأستاذ، نظير الحصول على مقابل مادى، والجامعة فى حاجة إلى طلبة دكتوراه، والطالب الذى يحضر الدكتوراه ليس بالضرورة أن يكون من خريجى الجامعة، والطالب الذى يحضر دكتوراه يقوم بمساعدة الأستاذ، ومهمته تنتهى عند حصوله على درجة الدكتوراه، والجامعة ليس لها أى التزام ناحيته، وتختار الأساتذة من خلال الإعلان، ومعظم الجامعات تفضل اختيار أساتذة جدد من خارج الجامعة لتغيير دمائها، وما يحدث من تعيين الأساتذة فى الجامعات المصرية «أشبه بمن يتزوج أخته»، فالأستاذ يدرس للمعيد الذى يساعده فى تدريس مادته، ثم يتدرج المعيد للأساتذية ليدرس نفس المادة، لذلك لا جديد فى الجامعات المصرية.
■ هل المناهج فى بعض الكليات مثل دار العلوم والدراسات الإسلامية سبب الانحراف الفكرى لدى بعض الطلاب وانضمامهم للجماعات الجهادية؟
- فكر التطرف وزيادة الجرعة الدينية وعدم فصل الدين عن أمور الحياة مثل السياسة وخلافها، يؤدى إلى التطرف، وانتشار ثقافة الصحراء، ووهبنة الإسلام، ساهمت فى الانحراف الفكرى.
■ كيف قرأت مشهد استقطاب الإخوان لشباب الجامعات للقيام بأعمال تخريبية بعد عزل محمد مرسى؟
- ما حدث شىء مؤسف، وكشخص مسلم ليبرالى أؤمن بفصل الدولة عن الدين، خاصة أن الحكم والسياسة أنشطة دنيوية تعتمد على نظم معينة من ضمنها الأخلاق، وتدخل الدين فى السياسة يضر كلاً من السياسة والدين، وكون اهتمام الطلبة بالسياسة فى الجامعة من سن 18 إلى 25 ليس له مانع، وهذا شىء طبيعى ولكن الظروف تغيرت فى مصر بعد قيام ثورة 25 يناير، وبعد انتشار ثقافة الصحراء والتفسير الدينى لها، لا بد من مواجهة هذه الأفكار بالأفكار.
■ هل شاركت فى الأبحاث النووية التى تجرى بمصر؟ وكيف ترى المشروع النووى؟
- لم أشارك فى أى أبحاث فى مصر، والمشروع النووى فى غاية الأهمية لأنه أحد مصادر تنويع الطاقة، ولا بد من دراسة احتياجات مصر الفترة المقبلة، وعلى المدى الطويل، المفاعلات النووية بها مميزات كثيرة جداً تكمن فى أنها أقل فى درجة التلوث، والجيل الجديد من المفاعلات أكثر أماناً من الجيل السابق، كما أنها تعتبر جزءاً من المحطات، وستساعد على رفع مستوى الصناعة بمصر، وشاركت فى أبحاث مفاعلات نووية فى كندا، ولكن يجب النظر للمفاعلات على أنها مصدر آخر للطاقة.
■ هل الإنفاق على المبعوثين بالخارج يرهق ميزانية الدولة؟
- يجب على الدولة ترشيد مصروفاتها على البعثات، ولا بد من إيجاد طريقة لحل مشكلة الشخص الذى يوجد فى الجامعة منذ تخرجه وحتى خروجه على المعاش، ولا بد من إرسال بعثات وفقاً للميزانية وللاحتياجات المهمة الفعلية التى تحتاجها الدولة، من خلال التخطيط العام من المفترض أن تُحكم البعثات، وعلى الدولة معرفة أين تنفق ميزانيتها، ومشكلة التعليم العالى والبحث العلمى فى مصر عدم تفرغ الباحثين للدراسة، والإصرار على تحضير الماجستير والدكتوراه فى ذات الجامعة التى يتخرج فيها، فالمدرس فى كندا الذى يبدأ يتراوح راتبه من 90 إلى 100 ألف دولار فى العام، والأستاذ يتراوح راتبه من 180 ألف دولار إلى 200، ويدفع 35% ضرائب.
■ كيف استقبلت ثورتى 25 يناير و30 يونيو؟ وكيف ترى تأثيرهما على الوضع الاقتصادى بمصر؟
- استقبلتهما بالترحاب، لكن ثورة 25 يناير فقدت اتجاهها، حيث بدأت بحرية وعدالة اجتماعية، وانتهت بالحكم لجماعة لا تسمح بالحرية إطلاقاً، وفى الوقت الحالى علينا إيجاد طريقة مُثلى لمكافحة الإرهاب، وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادى الحالى، فخطوة «تعويم الجنيه» صحيحة، ولكن علينا توضيح الهدف منه، وهل الهدف الرئيسى تصدير المنتجات المصرية؟ أم المساعدة على الاستثمار الأجنبى؟ وعلينا تحمل الأسعار المرتفعة، وإذا لم نقم بعمل السياسات المناسبة التى تشجع على تصدير المنتجات المصرية، وزيادة الاستثمار الأجنبى، وتحقيق أهدافه فسيكون قرار «تعويم الجنيه مقلب»، وعلى الأسر البسيطة التى تعانى حالياً منه الضغط على الحكومة، حتى تقوم بعمل المطلوب وتضغط على المنتجين المصريين والصناعة، خاصةً أن الضغط على الحكومة ليس نقداً، ولكن لإجبارها على السير على الطريق الصحيح، و«هيوقفها على طراطيف رجليها للاستمرار فى الطريق السليم».