البابا والسادات.. قصة الصراع التاريخى مع الرئيس «المؤمن»
الرئيس محمد أنور السادات خلال لقاء سابق بالبابا شنودة الثالث «صورة أرشيفية»
10 سنوات هى عمر العلاقة بين البابا شنودة والرئيس الراحل أنور السادات، إلا أنها كفيلة بترك بصماتها فى تاريخ مصر ورسم العلاقة بين الكاتدرائية والقصر، فقد جاء صعود البابا شنودة إلى الكرسى البابوى عام 1971، مع بدء تولى «السادات» حكم مصر، ونظراً لشخصية البابا التى كانت تتميز بالثورية وتقارب سنه مع الرئيس، أخذت العلاقة بينهما طابع «الندية» الذى تحول إلى صراع.
بدأ الصدام بين البابا والرئيس مبكراً عقب حادثة الخانكة عام 1972، حينما تم حرق جمعية الكتاب المقدس فى منطقة الخانكة، على خلفية قيام بعض المسيحيين بأداء الشعائر الدينية بها تمهيداً لتحويلها إلى كنيسة، رغم عدم حصولها على ترخيص لذلك الغرض، فقامت وزارة الداخلية بإزالة بعض المبانى التابعة للجمعية، التى تدخل ضمن الهيكل العام للكنيسة المزمع إنشاؤها، ومنعت استعمالها فى الصلاة، ليصدر البابا أوامره بتنظيم مسيرة من القساوسة ضمت قرابة ألف كاهن حتى مقر الجمعية وأقاموا بها الصلاة وسط حراسة أمنية، ما أثار النعرات الطائفية فى المجتمع، حيث خرجت مسيرة مضادة من المسلمين فى اليوم التالى من مسجد السلطان الأشرف الذين أطلق عليهم أحد الأقباط النار ليحرق المسلمون منزله وأماكن أخرى للأقباط، ومنذ هذه اللحظة بدأ «السادات» يشعر أن البابا يقود الأقباط وكأنه زعيم سياسى وليس رجل دين واعتبر هذه المسيرة غير المسبوقة تحدياً مسيحياً وتمرداً علنياً على حكمه.
تزايد الأحداث الطائفية ضد الأقباط جعله يصطدم بـ«السادات».. وعرف طريق الاعتكاف فى عهد «مبارك».. والتقى مرشد الإخوان قبل وفاته
إلا أنه فى العام التالى 1973، زار «السادات» المقر البابوى فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية والتقى بالبابا شنودة وأعضاء المجمع المقدس للكنيسة وأدى صلاة الظهر داخل الكنيسة بحسب تصريحات للبابا شنودة نُشرت فى مجلة الكرازة الناطقة بلسان الكنيسة. وعقب حرب 1973 تزايدت أحداث العنف الطائفى فى مصر التى تلقفها أقباط المهجر، خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية، لينظموا مظاهرات ضد «السادات» خلال زيارته إلى واشنطن عام 1975 رغم طلبه من الكنيسة إيقافها ليعتبره تحدياً من الكنيسة له.
وفى 1976 التقى الرئيس مع البابا فى القناطر الخيرية ليشكو له مما يكتبه الأقباط فى المجلات الأجنبية، وظلت المناوشات بين الكنيسة والرئيس خاصة عقب إعلان «السادات» أن تعداد المسيحيين فى مصر مليونان و330 ألف مسيحى، فيما ردت عليه الكنيسة بأن تعدادهم 7 ملايين، وذلك قبيل انتخابات مجلس النواب عام 1976 التى لم يعين فيها الرئيس سوى قبطى واحد بعد أن رشحت له الكنيسة 10 أشخاص، ليأتى الإعلان عن قانون الردة الذى كانت الدولة تعتزم إقراره عام 1977 ليقطع الشعرة التى كانت لا تزال تربط بين «السادات» والبابا، وتعقد الكنيسة مؤتمراً تحت قيادة البابا وتصدر بياناً تطالب فيه بإلغاء المشروع واستبعاد التفكير فى تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين، ودعت الأقباط للصوم الانقطاعى لثلاثة أيام، ليعقبه تسجيل البابا لرفضه اتفاقية السلام مع إسرائيل ورفض الذهاب مع «السادات» إلى الكنيست الإسرائيلى، ليطالب الرئيس بمنع البابا من إلقاء درسه الأسبوعى، ليصدر البابا قراراً بعدم الاحتفال بالعيد فى الكنيسة وعدم استقبال المسئولين الرسميين، احتجاجاً على اضطهاد الأقباط فى مصر، ورفض إذاعة الاحتفال بالأعياد فى أجهزة الإعلام كما جرت العادة وقتها، وكانت هذه المرة الوحيدة التى يقر فيه البابا علانية بوجود اضطهاد للأقباط فى مصر ولم يفعلها بعد ذلك مطلقاً.
وفى يونيو 1981 حدثت أحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء، ليأتى ذروة الصدام مع تحديد «السادات» إقامة البابا فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون عقب اعتقالات سبتمبر الشهيرة، وتشكيل لجنة بابوية لإدارة شئون الكنيسة.
فيما تميزت العلاقة بين «مبارك» و«شنودة» بالهدوء، ولم يكن بها التصعيد الذى تم فى حقبة السبعينات، حيث أفرج عن البابا فى 1985 والتقاه، وعاد «شنودة» لممارسة مهام البابوية، وسارت الأمور فى هدوء، بل وتطورت لصداقة، حيث ساند «شنودة» «مبارك» عقب محاولة اغتياله فى أديس أبابا، ورفض الخروج عليه فى مظاهرات ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 رغم تفجير كنيسة القديسين.
إلا أن عهد «مبارك» شهد العديد من الحوادث الطائفية، قام على أثرها البابا بالاعتكاف فى دير وادى النطرون اعتراضاً على ما يحدث، إلا أنه كان أقل صداماً وحدة فى عهد «مبارك»، ولم يلغ الاحتفالات بعيد الميلاد إلا عقب حادث كنيسة القديسين واعتكف فى الدير حتى ثورة 25 يناير.
وشهد البابا شنودة وصول المجلس العسكرى للحكم بعد الثورة، وخروج الأقباط لأول مرة خارج أسوار الكنيسة، وحدثت الصدامات بين الأقباط والدولة تمثلت فى حادث «ماسبيرو» إلا أن الكنيسة لم تتدخل، وقبل وفاته بأيام التقى البابا مرشد الإخوان، محمد بديع، داخل الكاتدرائية، ليكون هذا هو المشهد الأخير فى رحلته داخل الكنيسة.