على خلاف غيره من أبناء جيله، قادته الصدفة إلى مجاله، ليكتشف امتلاكه موهبة ضخمة سعى إلى تكليلها بالعلم والأدوات المناسبة، حيث صاغ مهارته في الإخراج التليفزيوني بدقة، إلى جانب بساطته النابعة من بيئته الريفية المصرية الأصيلة، ما جعل أعماله الفنية تستحوذ سريعا على قلوب الجماهير، ليصبح المخرج إسماعيل عبدالحافظ أحد أبرز المخرجين في تاريخ الدراما العربية.
ولد عبدالحافظ، في 15 مارس 1941 بمحافظة كفر الشيخ، وتخرج في كلية الآداب قسم لغات شرقية بجامعة عين شمس في العام 1963 بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، لكنه رفض العمل معيدا بالكلية لحصوله في ذات الوقت على خطاب تعيين للعمل بالإذاعة والتليفزيون، ليعمل في 1963 كمساعد مخرج في مراقبة الأطفال، ثم انتقل في العام 1965 إلى مراقبة المسلسلات، وسريعا ما انتقل للعمل كمساعد مخرج في العام 1969، ثم مخرجا للأعمال الدرامية في العام 1970، ليحقق فيما بعد نجاحات ضخمة بأعماله.
في أحد اللقاءات التليفزيونية النادرة، قال "عم إسماعيل"، وهو اللقب الذي اتفق نجوم الفن على إطلاقه على المخرج الكبير دون ترتيب، إنه بعد انضمامه للعمل في الإذاعة والتلفزيون، تم توزيعه للعمل في الإذاعة، إلا أنه بمحض المصادفة انتقل إلى فريق التلفزيون، مضيفا: "من هنا بدأ مشواري وعشقي للدراما اللي جه بالصدفة، ويبدو أن كان في أساس للموهبة مع اجتهادي وبدأت عملي كمساعد مخرج كان أمر جيد".
شهد العام 1980، تحولا دراميا ضخما، على يد الثنائي المكون من المخرج إسماعيل عبدالحافظ والسيناريست أسامة أنور عكاشة، ليصنعا أعمالا شكّلت نقلة كبيرة في الدراما المصرية والعربية، ودشّنا سويا مدرسة جديدة عُرفت باسم "الواقعية التليفزيونية"، تركز على اختراق المشكلات والغوص في تفاصيل المجتمع المصري ورصد تحولاته السياسية والأخلاقية، كما هو الحال بالمسلسلات المعروفة "الشهد والدموع، ليالي الحلمية، امرأة من زمن الحب، الوسيّة، العائلة، حدائق الشيطان، والمصراوية".
اعتبر "عم إسماعيل" أن مسلسلي "ليالي الحلمية" و"الشهد والدموع"، هما "درة التاج للأعمال الدرامية العربية بحكم المشاهدة"، على حد قوله في حوار آخر، قائلا: "مش عارفين عملناهم إزاي أنا وأسامة وفيهم نفحة غربية نابعة من المناخ العام والخاص اللي كان مساعدنا على ده، إلى جانب حب العمل من اللي اشتركوا فيهم، والإخلاص والجدية"، حيث وثّق الثنائي عصر الملك فاروق، حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي، من خلال حي "الحلمية"، الذي كان في بدايته راقيا للطبقة الأرستقراطية، ثم تحول لحي شعبي يقيم فيه البسطاء من عامة الناس والطبقة الوسطى ودون الوسطى من الشعب المصري، وهي الفترة التي كانوا شهودا عليها وأرادوا نقلها للأجيال التالية.
ووصف عبدالحافظ علاقته بأسامة أنور عكاشة بـ"فولة وانقسمت نصين"، في لقائه الإذاعي ببرنامج "هنا القاهرة"، موضحا أن علاقتهما كانت مبكرة منذ المرحلة الثانوية، كصداقة عادية بحكم كونهما زميلين بنفس المدرسة والكلية، ليكون اللقاء الحقيقي الأول "في سباعية بأسوان في العام 77 "، ليبدآ معا مشوارهما الفني الحافل الذي لا يزال حيا حتى الآن رغم وفاته منذ نحو 5 أعوام.
لم تخل حياة المخرج الكبير الراحل من الصعوبات، حيث شعر في فترة من الفترات بأنه "بيدّن في مالطا"، حيث قال: "في الفترة من 75 وحتى 78 كان إحساسي فيها بالخنقة على المستوى العام جامد، كنت بقدم أعمال تترفض كتير لحد ما بصعوبة طلعت عمل فيها، الإخراج التلفزيوني مش بيجيب همه المالي، إنما بيجيب جماهيرية والرسالة المنشودة بصورة ضخمة".
تعليقات الفيسبوك