مطلقات يواجهن تمييز المجتمع ضدهن بتأسيس صفحات على «السوشيال ميديا»: «الأحزان تجمعنا»
منار و ابنها
«مطلقة»، لقب تحمله السيدة إذا ما استحالت العيشة بينها وزوجها لأسباب عدة، ولكن جزاء الانفصال واللقب تتحمل تبعاته وحدها ليس دون مُعين فقط ولكن يُضاف عليه نظرة المجتمع لها فى ترقب إلى خطواتها التالية باعتبارها كائناً إن عاش وحيداً فسد.
البعض يستسلم، وكثيرات يواجهن الواقع الذى يصب اللوم كله عليهن عند الانفصال، فوقفت سمر عبدالحميد، 34 عاماً، أمام تلك الظروف بعدما نجت بنفسها وأولادها من ظلم وبخل زوجها: «استحملت كتير زى أى ست مصرية أصيلة بس اللى ييجى على ولادى ماعرفوش حتى لو كان أبوهم»، ورفضت المضى فى هذه المعيشة لسوء نفسية أولادها، ما أثر على مستواهم التعليمى، ولمواجهة الظروف والحفاظ على قوتها عمدت إلى شراء ماكينة خياطة: «عملت ملايات ومفارش بالطلب لأهل المنطقة اللى كنت عايشة فيها واتعرفت بشغلى الممتاز وبقى عندى زباين كتير».
حرصت «سمر» على إيجاد عمل من منزلها حتى تستطيع متابعة أولادها ودراستهم، وعاشت وحيدة دون أهل أو أصدقاء بين أناس لا يعرفونها ولا يعرفون قصتها ليعوضها الله فى أبنائها خيراً.
«منى» : نعقد لقاءات أسبوعية لمواجهة مشاكلنا.. و«منار»: لجأت إليهم بعد ابتعاد صديقاتى المتزوجات.. و«هند»: ساعدونى فى مواجهة أولادى بقرار الانفصال
شعور بالوحدة سكن منى السيد، الأرملة الثلاثينية، طوال خمس سنوات، كانت فيها الأب والأم فى حياة طفليها، وعلى الرغم من وجود عائلتها إلى جوارها، فإن عدم تفهمهم لمشاعر الإرهاق والألم التى لازمتها كامرأة معيلة منذ وفاة زوجها، دفعها للبحث عمن فى مثل ظروفها، فى محل إقامتها بالجيزة.
سبع عشرة امرأة لا تعرف إحداهن عن الأخرى شيئاً، سوى الإقامة بمحافظة الجيزة، إلى جانب حملهن للقب «مطلقة»، كانت نتاج بحث «منى»، عبر مواقع التواصل الاجتماعى، لتكوّن بهن عائلة جديدة، أطلقت عليها «سوبر ماما الجيزة»، تتشابه ظروف أفرادها، لتبدأ لقاءاتهن الأسبوعية، يتجاذبن فيها أطراف الحديث عن مشاكلهن «القانونية، النفسية، الاجتماعية، والمادية»، ومحاولة إيجاد حلول لها، لمواصلة حياتهن بشكل طبيعى.
على الرغم من النجاح الذى حققته منار إبراهيم، الموظفة الثلاثينية، فى حياتها المهنية، بعد طلاقها، بدءاً بالانتظام فى عملها، وحتى التميز فيه كمنسقة مبيعات بإحدى الشركات، إلى جانب تنميتها لموهبة ابنها ذى الخمسة أعوام فى التمثيل، من خلال التقديم له فى المكاتب الخاصة بالإعلانات التليفزيونية، لتحقق حلمه بالظهور فى إحداها، بعد مرور خمسة أشهر فقط من إتمام انفصالها عن والده، إلا أنها لم تتمكن من التغلب على مشاعر «الوحدة»، خاصة بعد ابتعاد صديقاتها المتزوجات عنها بعد طلاقها، ما دفعها للانضمام لعائلة «سوبر ماما الجيزة» بدافع أن «المطلقة مابيحسش بيها إلا المطلقة اللى زيها».
وكما قدّم أفراد عائلتها الجديدة الدعم المعنوى لها كما تبتغيه، تحاول الموظفة الثلاثينية جاهدة البحث عن فرصة عمل داخل نطاق شركتها والشركات الموجودة بمحيط عملها، لمن تحتاج منهن إلى دخل مادى.
وكان التغلب على الحالة السيئة الناجمة عن إتمام طلاقها الذى لم يمر عليه سوى شهرين، هو دافع سلمى محمد أحمد، الشابة العشرينية، للانضمام إلى صديقاتها الجدد، قائلة: «كنت حاسة إن أنا لوحدى، وضعيفة أوى لحد ما قابلتهم، ولقيت إن فيه حاجات مشتركة بينا، وإن فيه مطلقات ظروفهم أصعب من ظروفى، وده هوّن عليا كتير».
وكان توفير «محامى ثقة»، على حد قول «سلمى»، للسير فى الإجراءات القانونية السليمة لاسترداد حقوقها المادية، خوفاً من وقوعها تحت وطأة استغلال بعض من يرتدون الروب الأسود، هو المساعدة الثانية التى قدمتها لها قريناتها الجدد.
العيسوى: المطلقة تشعر بنقص لا مبرر له يجعلها مفرطة الحساسية
بينما وقف خوف هند عبدالقادر، السيدة الثلاثينية، من عدم تفهم صغارها لفكرة انفصالها عن والدهم، وراء انضمامها إلى «سوبر ماما» فى محاولة لإدماج ذويها بين أطفال آخرين لهم ظروف مشابهة، حتى يستطيعوا تخطى الأزمة النفسية التى صاحبت تلك المرحلة، وإكمال حياتهم بصورة طبيعية.
من جهة أخرى، ترد على كل هذا د. هبة العيسوى، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، مؤكدة أنه على الرغم من التقدم العصرى الذى نعيش فيه، فإن العقل البشرى لم يتقدّم بالشكل الكافى الذى يجعله يغير نظرته للمطلقة وتتغير معه نظرة المجتمع الظالمة لها والقيود التى يفرضها عليها، كما أن المرأة نفسها ما زالت تخجل من وضعها كحاصلة على لقب مطلقة، وهذا الوضع يصل بها فى بعض الأحيان إلى إحساس بالنقص لا مبرر له يجعلها مفرطة الحساسية، بمعنى لو لم تتصل بها صديقة فتفسر ذلك سريعاً بأنها تحاول الابتعاد عنها.
وأشارت «العيسوى» إلى أنها لا تغفل أن هناك بعض السيدات المتزوجات يفضلن الابتعاد عن المطلقة خوفاً من أن يعجب بها زوجها أو العكس، أن يرفض الزوج أن تكون صديقة زوجته مطلقة، وفى حالات كثيرة تجد المطلقة أن أفراد أسرتها يلقون بأعبائهم عليها دون تقدير لمجهوداتها.
ولذلك تنصحها أستاذ الطب النفسى بالتوجه إلى ما يسمى بـ«حديث الذات»، بأنها سيدة كاملة الأنوثة وأنها إذا لم توفق فى زيجتها فهذا لا يعنى أنها نهاية العالم، فيمكن أن تبدأ من جديد مع أولادها إذا كان لديها، ويمكن أن تخلق لها طريقاً جديداً تكون أنجح فيه، كما تقوم بزيادة عدد الأصدقاء ومد جسور المودة مع الأقارب، فكل ما زادت شبكتها الاجتماعية يزداد إحساسها بالدفء الاجتماعى والأمان النفسى، ولا تنسى أن تعطى «وقت مستقطع» لنفسها لممارسة الرياضة بشكل منتظم لإخراج الطاقة السلبية.