«العائدون».. مفتاح الحركات المسلحة لإيجاد «ملاذات مؤقتة» فى بلدانهم
اليمن واحدة من الدول المرشحة لعودة الإرهابيين إليها بسبب الغياب الأمنى بها
أثبتت مرحلة «الحرب فى أفغانستان» وما تلاها من بروز العمليات المسلحة، والجيل الجديد من الجهاديين، أنه حال «العودة» تحدث العملية الانشطارية، وينتشر التنظيم الأم من المركز إلى الهوامش، ليخلق كيانات بديلة، وهو المتوقع أن يحدث الآن، فى مرحلة ما بعد العراق وسوريا وليبيا.
ولم يخف تنظيم القاعدة مخططه منذ البداية، فمنذ حرب العراق 2003، تعددت رسائل أسامة بن لادن، زعيم التنظيم الراحل، ومن بعده، أيمن الظواهرى، الزعيم الحالى، الداعية إلى استهداف المنطقة، إلا أن بعض الدول اعتمدت فى تعاملها مع دور التنظيم فى العراق، منذ تلك الفترة، نظرة قصيرة المدى، حيث نظرت بعض الأطراف إلى هذا الدور على أنه خادم لاستراتيجيتها المرتبطة بإغراق الولايات المتحدة وقواتها فى المستنقع العراقى، فسهلت بالتالى عبور عناصر «القاعدة» إلى العراق، أو تغاضت عن عبورها ولم تقف ضده.
ليبيا وتونس ونيجيريا والصحراء الأفريقية هى المناطق الأكثر جاذبية للجماعات الجهادية حالياً.. ومحطات كبرى للعائدين من سوريا والعراق
فى المقابل، رأت بعض الدول الأخرى أن حرب «القاعدة» بعد مرحلة «أفغانستان»، حرب أمريكية، ستنتصر فيها الولايات المتحدة بما تملكه من إمكانات كبيرة، لكن ما حدث كان العكس، وتبين فيما بعد أن قدر المنطقة هو أن تدور فى حلقة مفرغة من تصدير المسلحين وإعادة استيرادهم، فى مناطق رخوة حاضنة، تعانى أفكاراً سلفية لا تفرق بين الحدود الجغرافية والعقدية، وفيها ظروف مشجعة على العودة.
ومرت التنظيمات التكفيرية المسلحة بعدد من المراحل؛ الأولى أفغانستان، ثم تحولت إلى شبكة لا مركزية، فرأينا فى 2007 كيف انضمت جماعات مثل «القاعدة» فى شبه الجزيرة الهندية، وفى العراق، ودمج التنظيم بالكامل فى شمال أفريقيا، وبروز رموز مثل أبويحيى الليبى، وأبوحمزة المهاجر، ومع انتهاء عام 2011 كان هناك 300 عضو من المؤسسين على الأقل، ما زالوا على قيد الحياة، وفى هذه الفترة تلقى التنظيم 30 مليون دولار كتبرعات، فى وقت كان العالم يتحدث عن ضعف التنظيم، وأثر الضربات التى تلقاها، فيما قسم «القاعدة» العالم إلى 7 مناطق، منها شمال أفريقيا، التى تخضع مصر لها حتى الآن، وفكر التنظيم فى الملاذات المؤقتة، فكان منها السودان، ووسط أفريقيا مثل كينيا التى وجد فيها أبوعبيدة البنشيرى، الذى غرق فى بحيرة فيكتوريا.
من المتوقع نشوء جماعات إرهابية متنوعة جديدة فى آسيا وأوروبا مثل حركات «شام الإسلام» و«كتيبة صقور العز» و«الكتيبة الخضراء»
فكّر «القاعدة» فى خلق مفتاح صراع، وإمارة فى اليمن (هى المقر المركزى لإعلام تنظيم القاعدة) مع العمل فى خطة استراتيجية هدفها إشعال جذوة الجهاد، واستخدام ذلك فى التجنيد، وضم العناصر الجديدة، لتدخل التنظيمات بعدها فى المرحلة الأخطر، وهى مرحلة الطائفية والفوضى، وخلق ملاذات دائمة، فى العراق وسوريا.
وساهم الاحتلال الأمريكى للعراق بعدها، والطائفية، ثم انتفاضات الربيع العربى فى تطور الحالة، وهو ما تحدث عنه «الظواهرى» سابقاً بقوله إن (الفرصة غير المسبوقة)، فتلك الأوضاع ستفتح الحدود، وتضعف أجهزة الأمنية، وتقضى على حكومات مركزية، فيما نشأ جيل جديد هو الجيل الثالث، قفز على الاستراتيجيات القديمة، وأيديولوجيات «القاعدة»، وتطور من حيث عدد المقاتلين، الذين لم يفرقوا بين الحدود الجغرافية والعقدية، وانقسموا وتشرذموا ليبدأ الصراع بينهم حول قتال العدو القريب والبعيد، وأصبح هناك ما يسمى بالمغناطيس الجاذب والطارد، وبعد أن كان الهدف مواصلة الجهاد والبقاء على قيد الحياة، تطور إلى إقامة خلافة، وإثارة الفوضى فى الأماكن المرشحة الأخرى.
الآن وبعد الدخول فى مرحلة «العائدين» من سوريا والعراق، فمن المرجح أن هذه الجماعات ستتشظى وتتحول لأكثر من جماعة، ومجموعة وخلية، وتنتقل من الملاذات الدائمة، أى الإمارات، التى خلقوها فى أجواء الصراع والحروب، فى سوريا والعراق، إلى الملاذات المؤقتة، التى ستخلقها أجواء السياسة الإقليمية والعالمية، أو ما يطلق عليه (جماعات التوحش الجديدة).
وبالملاحظة يتضح أن هناك فروقاً بين خريطة العائدين بعد مرحلة أفغانستان، والخريطة الحالية التى ينتشر فيها الجيل الثالث من الجهاديين، فعائدو ما بعد أفغانستان توزعوا بين اليمن، وإمارة الصحراء بأفريقيا، والعراق، وسوريا، مع بقايا التنظيم الكامن فى الدول العربية مثل مصر سواء (تائبون)، أو (كامنون).
وعلى سبيل الانتشار، فستكون اليمن محطة كبرى، ومنطقة كازاخستان، وأوزبكستان، ووسط آسيا، وإمارة الصحراء، وليبيا، ونيجيريا، وهو ما حدث بالفعل، فقد رأينا كيف نشأت مجموعات جديدة، مثل (الإمام البخارى)، و(تنظيم الدولة وسط آسيا)، ومن المرجح نشوء جماعات متنوعة جديدة، وتحديداً فى آسيا وأوروبا، وهو ما بدأ فى الظهور بالفعل، مثل ظهور «حركة شام الإسلام»، و«كتيبة صقور العز» و«الكتيبة الخضراء»، وغيرها من التنظيمات الجديدة.
أكثر من 2500 شيشانى ومسلح من شمال القوقاز يقاتلون مع «داعش» ومجموعات أخرى بسوريا والعراق وكلهم سيعودون للداخل ويسببون أزمة كبرى
وبحسب تقرير من «صوفان جروب»، وهو مركز أبحاث يتخصص فى المشاكل الأمنية، هناك أزمة ستحدث فى آسيا، وتحديداً روسيا، حيث إن ما يقرب من 2500 شيشانى ومن شمال القوقاز يقاتلون مع «داعش» ومجموعات متطرفة أخرى فى سوريا والعراق، وكلهم سيعودون للداخل.
سيستغل العائدون أى حالة لفقدان السيطرة الأمنية فى أى منطقة، ومنها على سبيل المثال لبنان، أو اليمن، لاستثمار الطائفية هناك، ورفع رايات الطائفية وستكون هدفاً جهادياً جديداً سيفتح جبهات للصراع مع «حزب الله» وغيره من المجموعات الطائفية فى الداخل العراقى واليمنى والسورى، وحتى الإيرانى.
وهناك مناطق أكثر جاذبية للجماعات الجهادية، الآن، مثل أفريقيا، وتحديداً ليبيا وتونس، ونيجيريا، والصحراء الأفريقية، ولعلها هى الأقرب لعودة هؤلاء المسلحين للعمل فيها، حيث سيعود السريون من العائدين من سوريا والعراق، وهم الذين ليست لهم ملفات لدى الأمن، للتواصل مع خلايا وشبكات إسناد التنظيمات، وبعض القواعد فى الداخل.
ووفقاً لـ«الاستراتيجيات» سنكون أمام نشوء جماعات (سرية - وقطرية - وهرمية)، وجبهات مفتوحة وجبهات مغلقة، كما ستعود «الذئاب المتفردة» للعمل بقوة، وسنشهد خلايا كامنة فى أوروبا وأمريكا.
الإرهابيون يسعون لاستغلال حالة فقدان السيطرة الأمنية فى أى منطقة مثل لبنان واليمن لاستثمار الطائفية وإشعال الصراعات
ومن السيناريوهات المتوقعة، التفجيرات، التى يتم التحضير لها سراً، كما حدث من جماعة (خراسان) التى استهدفتها الطائرات الأمريكية بالقصف فى حلب، وتفجيرات 2005 فى لندن، وهى سيناريو الإعداد لعمليات تطلب مهارات تدريبية خاصة، مثل صناعة التفجيرات، وهجمات منخفضة المستوى تتم بجهود فردية، يمكن أن ينفذها المتأثرون.
وعلى سبيل الأفكار والرموز، فهناك شخصيات من العائدين لن يكرروا ما فعلوا، فهؤلاء كان لديهم الحماس الشديد للانخراط فى القتال دفاعاً عن الدين، لكنهم اكتشفوا بعد ذلك مدى بشاعة القتال، وقرروا عدم تكرار ما فعلوا مرة أخرى، وهذا النمط لا يمثل خطورة، أما النمط الثانى: فهو «الانزواء النشط»، وهؤلاء لا يقتصرون فقط على الانزواء والندم، لكنهم يحاولون منع ذويهم من المسلمين من الانضمام لتلك المجموعات، والنمط الثالث، هم السياح العابرون للقارات، ويحملون فى البداية أفكاراً مثالية عن القتال، ثم يصطدمون بالأمر الواقع، لكنهم يحاولون خداع الآخرين بنشر أفكار عن «عظمة» الجهاد عند عودتهم إلى ديارهم، وهذا النمط يشكل خطورة، والنمط الأخطر، فهو للمكلفين بالعودة إلى بلدانهم لتشكيل مجموعات وخلايا جديدة، وهم فى ذات الوقت ليست لديهم ملفات أمنية.
ومن المؤكد أن طبيعة العائدين ستتوقف على مدى استمرار الدعم لهم، وإمكانية أن تشكل سوريا ملاذاً آمناً لهم فى حال أى اتفاق، وإذا لم يتحقق هذا فيمكن اللجوء إليهم فى إشعال صراعات أخرى، فمن المرجح أن ينخرطوا فى صراعات طائفية، وهذا هو المتوقع، من خلال فتح جبهات للصراع مع «حزب الله» ومجموعات طائفية فى الداخل السورى، أو قد تدخل فى صراعات إقليمية فى حال ازدياد الانخراط الإيرانى فى الشأن الداخلى السورى والوجود الأرضى المباشر، أو فتح جبهة أو بؤر جهادية مع إسرائيل على هضبة الجولان.
مصر بلا شك ستواجه مشكلة كبيرة فى ذلك، وقد نقلت صحيفة «لوس أنجلوس تايم» عن المركز الدولى لدراسة التطرف والعنف السياسى فى لندن أن هناك ما يقرب من 300 مصرى فى «داعش»، استغلوا ظروف الاضطرابات التى انتابت مصر وتلك الدول بعد ثورات الربيع العربى للانضمام لهذه الكيانات الإرهابية. وبصرف النظر عن هذه الأعداد، وتقديرها إلا أنهم يشكلون خطراً كبيراً على الدولة «حال عودتهم»، وهو يتطلب البحث عن حل.