محمد ياسين: الدولة تعتبر دعم الثقافة والفن نوعاً من الرفاهية وعليها أن تدرك أن خيال المبدع يفوق خيال السياسى بمراحل
المخرج الكبير محمد ياسين
بعد النجاح الكبير الذى حققه فى رمضان الماضى بمسلسله الأخير «أفراح القبة»، يستعد المخرج الكبير محمد ياسين لخوض تجربة جديدة ومختلفة، خارج نطاق سوق الإنتاج المصرى، من خلال عمل درامى يتناول تفاصيل معاناة اللاجئين السوريين فى لبنان وألمانيا، وهو من تأليف الكاتب السورى عروة الأحمد، ومقرر أن يبدأ العمل عليه بعد انتهاء مرحلة الكتابة.
المخرج الكبير لـ«الوطن»: صناعة الدراما باتت أشبه بـ«أمر التوريد».. ونفتقد فى الوسط الفنى فكرة المشروع «الحلم»
محمد ياسين الذى فتح مجالاً مختلفاً وجديداً للدراما التليفزيونية منذ تقديمه مسلسل «الجماعة» فى 2010، مروراً بـ«موجة حارة» و«أفراح القبة»، يعد بتجربته المقبلة فى حال اكتمالها، أول مخرج مصرى فى جيله يقدم عملاً خارج السوق المصرية، وبالتحديد سوق الدراما السورية، التى طالما استعانت الدراما المصرية بمخرجيها مثل حاتم على وشوقى الماجرى.. وغيرهما.
فى حواره لـ«الوطن» يتحدث المخرج الكبير عن أسباب ابتعاده عن موسم الدراما التليفزيونية العام الحالى، وعن تفاصيل مسلسله الجديد، والمشاريع التى يجرى الإعداد لها، كذلك يتحدث عن رؤيته لحال الدراما التليفزيونية ورأيه فى ورش الكتابة وآلية الإنتاج الدرامى، وأخيراً يتطرق لسوق الإعلام وما يشهده من تغيرات كبيرة، وأيضاً يتحدث عن رأيه فى موقف الدولة من دعم الثقافة والفنون.
■ لماذا قررت ألا تخوض سباق الدراما الرمضانية هذا العام؟
- الحقيقة أننى طوال الوقت لا أحسب الأمور وفق توقيت العرض فى رمضان، والدليل أننى فى التجارب الثلاث التى قدمتها بداية من «الجماعة» وحتى «أفراح القبة» مروراً بـ«موجة حارة»، كانت بينها فواصل زمنية تصل إلى عامين تقريباً، فأنا من الأساس لا أحرص على الوجود بشكل سنوى فى رمضان، وما يشغلنى هو الموضوع الذى أقدمه وأتحمس له وأرى أنه من المناسب طرحه، ومن الأسباب التى جعلتنى لا أقدم عملاً هذا العام أيضاً حجم الإرهاق غير الطبيعى الذى تعرضت له فى «أفراح القبة»، فهذا العمل تحديداً واجهنا فيه كفريق عمل ظروفاً صعبة وقاسية جداً، وخرجت من التجربة منهكاً إلى مدى بعيد، وشعرت أننى بحاجة لفترة أستريح بها، ليس جسدياً فقط، وإنما ذهنياً، حتى أتمكن من تحديد الخطوة المقبلة بذهن صافٍ، خاصة أننى دائماً أبحث عن التواصل مع الناس من خلال أعمالى، وتشغلنى فكرة تقديم الأفكار والموضوعات بشكل مختلف، وبالتالى أحتاج لفترة تجهيز لاختيار الشكل والموضوع الذى أقدم فيه الفكرة التى تناسب اللحظة الراهنة بكل متغيراتها.
■ أنت دائماً تملك أكثر من مشروع قيد التحقيق.. فلماذا لم تنفذ أحدها؟
- بالفعل أملك العديد من المشروعات، ولكن دعنى أتحدث بصراحة فى هذا الشأن، فسوق الإنتاج الدرامى تشهد منذ أكثر من 6 سنوات العديد من المتغيرات على المستوى الاقتصادى، ولا تزال حتى الآن تعانى من مرحلة عدم استقرار، فهناك قنوات فضائية تتعثر مادياً، ولا تملك تسديد مديونيات جهات الإنتاج، فى الوقت الذى تدخل فيه كيانات عربية كبيرة لسوق الإنتاج ثم تتوقف.. وهكذا ينعكس كل هذا الحراك على العملية الإنتاجية بكل تفاصيلها، والمبدع دائماً يسعى لأن تكون له شراكة إنتاجية تؤمن بما يملكه من خيال وفكر وتفعل كل ما يريد ويطمح له، والحقيقة أن ذلك الأمر بات فى غاية الصعوبة وتزداد صعوبته يوماً بعد يوم، للدرجة التى بات معها أن هناك مشروعات طموحة ولكن السوق المصرية لا تستوعبها.
«بلكون» دراما ترصد معاناة اللاجئين السوريين بين لبنان وألمانيا وأسعدنى ترشيح المؤلف وجهة الإنتاج لمخرج مصرى.. وورش الكتابة تذكرنى بدورات الآلة الكاتبة.. وأندهش من تقديم بعض المؤلفين عملين بموسم واحد.. و«شريهان» تملك إرادة حديدية وجاذبية لا ينافسها فيها أحد.. وعودتها حدث أنتظره بلهفة
■ وهل تلقيت عروضاً فى الفترة السابقة؟
- هناك عمل عُرض علىّ مؤخراً وأستعد لتقديمه، وهو عن اللاجئين السوريين فى لبنان وألمانيا ومعاناتهم، والحقيقة أنها خطوة مهمة استغرقت وقتاً كبيراً منى فى التفكير، فالدراما المصرية اعتادت فى فترة سابقة أن تستعين فى بعض الأعمال بمخرجين سوريين والاستفادة من خبراتهم، ولكن هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها الاستعانة بمخرج مصرى ليخرج عملاً يعبر عن هموم الشعب السورى، وهو ما جعلنى أتخوف من التجربة، خاصة أننى أول مخرج فى جيلى يقدم عملاً خارج سوق الدراما المصرية، وقد سبقنى من قبل أساتذة كبار مثل يوسف شاهين، وصلاح أبوسيف، وتوفيق صالح، وعاطف الطيب، لذلك شعرت بالحماس الشديد للتجربة.
■ وما تفاصيل العمل؟.. وكيف عُرض عليك؟
- اسم العمل «بلكون» وهو مسلسل 30 حلقة تدور أحداثه بين سوريا ولبنان وألمانيا، عن معاناة اللاجئين السوريين، وقد فوجئت باتصال من مؤلف العمل عروة الأحمد وهو كاتب سورى أخرج بعض الأفلام الوثائقية وكتب عدة أعمال للمسرح، وسعدت باتصاله بسبب أن يكون هناك ترحاب من الكتّاب السوريين أن يتواصلوا مع مخرجين مصريين، كما أن جهة الإنتاج خليجية، وقد أرجأت تنفيذ العمل لما بعد رمضان لكى يختمر على مستوى الكتابة والتحضير، لأنه عمل مهم من وجهة نظرى، وينبغى أن يأخذ وقتاً كافياً فى كل تفاصيله حتى أتمكن من العمل عليه، حيث انتهى مؤلفه من كتابة 6 حلقات فقط، والتواصل الآن يتم فيما يتعلق بمرحلة الكتابة، ولن أبدأ قبل أن أكون راضياً عن السيناريو بنسبة 100% ولن يتم ذلك بطبيعة الحال قبل اكتمال الكتابة.
■ وبالنسبة لأبطال العمل.. هل هناك ترشيحات مبدئية؟
- أبطال العمل جميعهم سيكونون إما سوريين أو لبنانيين، باستثناء شخصية واحدة لمصرى مقيم فى الإمارات ولم يتم تحديدها بعد.
■ كيف كنت ترى استعانة الدراما المصرية فى فترة ما بمخرجين سوريين؟
- أمر جيد أن تتم الاستفادة من عناصر الدراما السورية وخبراتها فى الدراما المصرية، ولكنى أؤكد أن الدراما المصرية بكل عناصرها وتاريخها ومبدعيها هى سيدة الوطن العربى، وليس هناك أدنى شك فى ذلك، هذه هى الحقيقة حتى لو كانت قد شهدت حالة تراجع فى فترة ما، ولكن يظل المخرجون المصريون هم الأهم فى الوطن العربى مثل كاملة أبوذكرى وتامر محسن وهانى خليفة وأحمد نادر جلال.. وغيرهم من هذا الجيل الذى أعتبره الأفضل.
■ هل يمكن أن تعتبر أن جزءاً من أسباب ترشيحك لهذا العمل ناتج عن النجاح الكبير لـ«أفراح القبة» فى الوطن العربى؟
- بكل تأكيد احتواء مسلسل «افراح القبة» على ممثلين سوريين وأردنيين، كان له عامل كبير فى ارتفاع نسبة مشاهدته والترحيب به فى عدد كبير من الدول العربية، خاصة بلاد الشام، وقد تم استقباله بحفاوة شديدة وخلقت حالة من التجاوب الجميل معه، وقد كان ينقلها لى الفنان جمال سليمان والفنانان إياد نصار وصبا مبارك، ولا تتصور كم سعادتى بردود الفعل التى وصلتنى لأنها أول مرة حقيقة أشعر بهذه الحفاوة لعمل أقدمه فى الوطن العربى، وقد لمست ذلك بنفسى فى الأردن على سبيل المثال حين سافرت هناك، وربما كان هذا من ضمن الأسباب التى حمستنى لخوض التجربة فى «بلكون» لأن أى مبدع يبحث عن مساحة أرحب وأوسع من الحرية، خاصة حينما تكون المعاناة واحدة بيننا كعرب، باعتبارنا أبناء لتلك اللحظة الصعبة والهم المشترك، فعندما أجد نفسى قادراً على تقديم صيغة فنية تحتوى وتعبر عن هذا الهم وتلك المعاناة فى هذه اللحظة أعتبر هذا إنجازاً كبيراً أسعى لتنميته وتحقيقه.
اشتركت مع 4 كتاب كبار فى حلقات «جنة الرمان».. والمشروع توقف لكنه لم يُلغ
■ قضية اللاجئين السوريين بكافة تفاصيلها يتعرض لها يومياً الجمهور فى نشرات الأخبار بشكل بات فيه اعتياد.. ماذا يمكن أن تقدمه الدراما فى معالجة مثل هذه القضية من وجهة نظرك؟
- الحقيقة أن السنوات الأخيرة شهدت حالة جنونية من طغيان الإعلام على ذهن وعقل ووعى المواطن العربى، وباتت طبيعة الأحداث الجنونية فى واقعها تتعدى خيال أى كاتب، لكن فى النهاية يبقى للمبدع والكاتب القدرة على أن يتمكن وسط هذا الزخم الجنونى من استلهام تفاصيل عالم جديد مختلف وصيغة فنية فيها حكمة ووعى وتحليل دقيق، وهذه هى المشكلة الحقيقة التى نواجهها كصناع دراما فى الفترة الحالية وليس فى هذا العمل فقط، هذه الفترة تحتاج لكتّاب كبار لهم قدرة على صناعة واستلهام الواقع وبلورة الأزمة الإنسانية التى يمر بها المواطن المصرى والعربى فى اللحظة الحالية.. لم يعد لدينا نجيب محفوظ أو فتحى غانم أو عبدالرحمن الشرقاوى أو يوسف إدريس للأسف، بعضنا يلجأ للتاريخ ويستلهم لحظات تشبه الواقع الحالى ويعمل عليها، وبالنسبة لـ«بلكون» فقد التقط الكاتب تفصيلة مهمة وهى حدوث أكثر من حالة انتحار للاجئين سوريين من «بلكون» فى لبنان، ويصيغ من خلال ذلك فكرة تشير إلى أننا جميعاً على حافة الانتحار.
■ أعمالك الأخيرة بدءاً من «موجة حارة» و«أفراح القبة» وحتى المشاريع التى تحضرها تعتمد على نصوص أدبية.. هل هذا متعمد؟
- هذا ما أشرت إليه فى حديثى أننا نعانى من مأساة حقيقية فى كتابة السيناريو، خاصة فى الدراما الرمضانية، فكتّاب السيناريو يقدمون العمل فى رمضان، وبمجرد انتهائه يتعاقدون على العمل الرمضانى التالى له، والذى سيبدأ تصويره فى خلال شهور قليلة، وبعضهم يتعاقد على أكثر من عمل، وأندهش حقيقة من تلك القدرة على تقديم أعمال بهذا الشكل، والإقدام على خوض تجارب متتالية دون أن يكون هناك فاصل ومساحة للتوقف والتأمل فيما يدور حوله ويتمكن من الإبداع بشكل حقيقى، وبالتالى صارت مشكلة أن تجد كاتب سيناريو يعمل على نفسه وتطوير أدواته ومعارفه، ويعطى لنفسه مساحة من التأمل والعمل بتركيز فيما يكتب.
الـ«توك شو» فن إعلامى تجاوزه الزمن.. وينبغى تأسيس علاقة جديدة بين المواطن والإعلام تقوم على خيال ومحتوى مبتكر.. والأعمال الدرامية تحقق 70% من العائد الإعلانى لأى قناة فضائية.. وهى الأقدر من البرامج على تشكيل وعى المشاهد
■ وكيف ترى ظاهرة ورش الكتابة التى زادت فى الفترة الأخيرة؟
- فى البداية كنت أرحب بفكرة ورش الكتابة، ولكن فى إطار مختلف، فمن يصنع ورشة لا بد أن يكون كاتباً كبيراً يملك من الخبرات ما يستطيع نقله إلى أعضاء الورشة، وهو ما لا يتحقق فى كثير من الأحيان، وقد شاركت من قبل فى ورشة سيناريو فى فترة سابقة لعمل لم ير النور مع مريم ناعوم وعزة شلبى ونادين شمس ووائل حمدى، ووجدت فى التجربة استمتاعاً خاصاً من كونها تمثل حالة تكامل بين مجموعة من الكتّاب لكل منهم خبرات حياتية وأفق إدراك مختلف، وبالتالى يخرج منها عمل له قيمة. أما الآن فقد صارت ورش السيناريو أشبه بمراكز تعليم «الآلة الكاتبة» التى انتشرت فى فترة سابقة، بالتأكيد هناك سعادة بوجود كتّاب سيناريو كثيرين فى الفترة الحالية، ولكن هل يمكن اعتبارهم رغم ما يحدث كتاّباً حقيقيين؟.. لا أعتقد ذلك.
■ كان هناك أيضاً مشروع تستعد له بورشة عمل تجمع تامر حبيب وعبدالرحيم كمال ونشوى زايد ووسام سليمان.. فما تفاصيل العمل؟
- بالفعل كان هناك مشروع بهذا الفريق استمر على مدار 8 شهور لحلقات منفصلة متصلة أشبه بالفيلم التليفزيونى مدة كل منها ساعة واحدة تعرض مرتين أسبوعياً، وتحمل اسم «جنة الرمان»، وهو دراما ميوزيكال، وكان من المفترض أن تقوم ببطولته شريهان وينتجه أمجد صبرى، وقد جمعتنا جلسات عمل كثيرة، وكنت فى غاية التحمس للمشروع بشكل جنونى.
■.. ولماذا توقف العمل عليه؟
- فى تلك الفترة جاء مشروع «أفراح القبة» وكان أكثر جاهزية للبدء، فى الوقت الذى انشغل فيه بعض أطراف العمل بأعمال أخرى، وحدثت بعض الظروف التى فرضت تأجيله ولكنه لا يزال مطروحاً ومرحباً به من جميع الأطراف.
■ كيف رأيت عودة شريهان من خلال مشروعها المقبل مع شركة «العدل»؟
- شريهان طاقة فنية كبيرة، وقد عملت معها من قبل فى عدة أعمال كمساعد مخرج مثل «ميت فل» لرأفت الميهى، و«جبر الخواطر» لعاطف الطيب، و«سوق النساء» ليوسف فرنسيس، عودة شريهان حدث فنى كبير جداً، فهى تملك من الجاذبية التى لا ينافسها فيها أى أحد، تملك رصيداً كبيراً عن الجمهور، وأتمنى أن تكتمل التجربة بشكل مرضٍ يليق بها وأتحمس وأتلهف لمشاهدتها، وشريهان تستطيع أن تفعل ما تريد وقت ما تريد، فهى تملك إرادة حديدية نادرة، ولا أحد يتصور سابقاً أنها بعد أن تعرضت لحادث كبير أن تعود للاستعراض بهذا الشكل المبهر فى «شارع محمد على»، ولكنها الإرادة الجنونية التى تتمتع بها شريهان ولا أحد سواها، وفى تصورى أنها ستعود بحالة كبيرة من النضج التى ستتحلى به كممثلة ناتجة عن الخبرات الإنسانية التى مرت بها، إضافة إلى جاذبيتها الخاصة.
■ كيف ترى تأثير الحالة الاقتصادية على الإنتاج الدرامى والسينمائى فى الوقت الراهن؟
- نعانى من كارثة حقيقية، فارتفاع الأسعار الجنونى تأثيره طاغٍ على الصناعة، ومن المنتظر أن يقل عدد المسلسلات التى تقدم فى رمضان هذا العام، وللأسف أننا فى الفترة الأخيرة باتت لدينا مفاهيم مختلفة فى التعامل مع المنتج الفنى سواء الدراما أو السينما، فلم يعد هناك وجود بشكل كبير للعمل «الحلم» بل صار العمل أشبه بأمر توريد، فكرة المغامرة والحلم فى صناعة المشروع التى يتبناها منتج ويشترك معه مبدعون بدأت تتقلص بشكل كبير، وتكاد تكون انتهت وأصبحنا نعمل فى إطار معادلة اقتصادية واضحة أشبه بأمر توريد وليس حلماً، ومع الظروف الاقتصادية الطاحنة ستتقلص نسبة الحلم فى أى مشروع إلى أقصى مدى، بدءاً من اختيارات الممثلين التى تخضع للميزانية، ولم تعد هناك قناعة لدى المنتج لأن يكسب أقل، أو أن يعى الممثل أن أجره ينبغى أن يكون أقل لكى تستقيم فكرة المشروع الحلم، وهذا بات أمراً مرعباً، فأن تجلس وترى أمر توريد بـ30 حلقة أو 60 حلقة لعمل درامى انتهت أحداثه بالفعل فى الحلقة الخامسة، وأمامنا كمشاهدين 55 حلقة من العذاب غير المبرر أمر غير مستحب.
■ وكيف ترى التغيرات التى تحدث فى سوق الفضائيات؟
- أمر جيد بكل تأكيد، ولكن ينبغى أن تحمل تلك القنوات الجديدة فكراً مختلفاً لمخاطبة الناس، فنحن فى لحظة خاصة تمر بها مصر، فالآن يتم تأسيس علاقة جديدة بين الإعلام والمواطن، وكأننا فى 1960 وقت افتتاح التليفزيون المصرى، بكل ما ينبغى أن تملكه من خطة حقيقية لشكل الإعلام الذى يتم تقديمه، وكيفية مخاطبة الجمهور بخيال جديد، وبكوادر قادرة على القيام بتلك المهمة، من خلال وجوه مقبولة تبدأ مرحلة جديدة مع المشاهدين، وصناع يملكون من الخيال الكثير، وأن يتم نسف كل ما يتعلق بالماضى، وأن نصنع محتوى جيداً يليق بالمواطن الذى بات يتطور، وصار يرى كل الكون عبر الإنترنت والفضائيات العالمية، والجيل الجديد الذى رأى أنواعاً مختلفة من الدراما والإعلام، لا ينبغى مخاطبة الناس بنفس الطريقة التى كان يتم بها مخاطبتهم منذ 10 سنوات، لا بد من وجود صيغة حقيقية لحالة التخاطب بين الإعلام والمشاهد الذى اختلف ومر بظروف شديدة القسوة، مع التخلص من كل الأمراض الإعلامية التى عانينا منها خلال السنوات الأخيرة، وأن نجعل المشاهد ينساها ويتجاوزها، من خلال البرامج والدراما والسينما.
■ فى تقديرك ما مدى جدية الدولة فى دعم السينما وحل مشاكلها؟
- الأمر لا يتعلق بالسينما فقط، بل بالمنتج الثقافى ككل، الذى ترى الدولة -فى تقديرى- أن دعمه يعد نوعاً من الرفاهية، وربما تكون الدولة لا تمتلك أى مشروع حقيقى يتعلق بالثقافة، وهذا مؤشر مرعب، وإذا لم تدرك الدولة أن صناعة الرأى فى مصر جزء مهم منه متمثل فى المسرح والسينما والثقافة، وأن دورها فى تشكيل الوعى لا يقل عن الإعلام بل يزيد، فهذه مشكلة حقيقية، فالاهتمام الذى أراه بالمشروع الإعلامى لا يوازيه على أرض الواقع خطوات حقيقية فى الملف الثقافى والفنى تتعلق بصناعة الوعى فى مصر، وهذا سيؤدى بنا لأزمة حقيقية، ينبغى أن تدرك الدولة وتؤمن أن خيال المبدعين يفوق بكثير خيال السياسيين، ويجب أن يتم منح مساحة من الحرية لهذا الخيال لكى ينطلق ويستشرف المستقبل من خلال زاوية رؤيته الأوسع والأشمل، فالسياسى لا بد أن يكون بجانبه المثقف، لمواجهة كل القوى الظلامية والتخلف والتطرف الذى يهدد الوطن، لا أن يتم النظر للمثقفين والفنانين أنهم موجودون لمجرد «إحياء الفرح»، نعم هناك مشاكل اقتصادية وتحديات كثيرة على الأرض تواجهها الدولة، ولكن ينبغى ألا يمنع ذلك من توفير مناخ من الحرية والديمقراطية للمبدع لكى يقدم تجارب حقيقية، باعتبارها حائط الصد المنيع ضد أى هجوم.