دمياط.. أكبر أسطول بحرى للصيد فى الشرق الأوسط يواجه «المجهول»
وقفة احتجاجية لعدد من أهالى المحتجزين للمطالبة بالإفراج عن الصيادين فى دمياط
الموت غرقاً أو الفقدان أو الاختطاف أو الاعتقال، تلك هى النهاية المحتومة للعديد من الصيادين أبناء محافظة دمياط، الذين هجروا الشواطئ المصرية ولجأوا للصيد فى دول أخرى، بعدما ضاقت بهم مياه البحر بما رحبت، فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، ألقى القبض على عدد من مراكب الصيد المصرية فى السودان واليمن، بدعوى دخول المياه الإقليمية لتلك الدول، وذلك بخلاف من فُقدوا وماتوا على متن مركب «زينة البحرين»، الذى كان يحمل على متنه 14 صياداً، مات منهم 2، وعاد آخران، بينما فُقد 10 آخرون.
ويبلغ عدد الصيادين فى منطقة بوغاز «عزبة البرج» نحو 33 ألف صياد، يعملون على متن 2700 مركب، يسعون بحثاً عن الرزق على سواحل البحرين المتوسط والأحمر، وتبلغ نسبة المراكب العاملة فى البحر المتوسط منها نحو 80%، بينما يتوجه عدد قليل من مراكب أسطول الصيد بدمياط إلى البحر الأحمر.
صيادو «زينة البحرين» خرجوا بحثاً عن لقمة العيش فعادوا جثثاً.. «عظمة»: «لا بد من عقد اتفاقيات مع دول الجوار».. و«مروان»: «أنقذونا من مافيا التراخيص»
«أشرف شتا»، أحد الصيادين من أبناء دمياط، بدأ حديثه لـ«الوطن» بقوله: «نعانى من سوء المعاملة وقلة الإنتاج من الأسماك»، معتبراً أن صيد الزريعة والصيد الجائر من أهم الأسباب وراء انخفاض إنتاج سواحل البحر المتوسط، مطالباً بتدخل المسئولين، والنظر بـ«عين الرحمة» إلى الصيادين، وتطهير بوغاز عزبة البرج، والقضاء على ظاهرة صيد الزريعة السمكية، التى كانت سبباً مباشراً فى القضاء على أرزاقهم بالسواحل المصرية.
أما «أحمد محمود»، «ريس» مركب، فأكد لـ«الوطن» أن تكلفة مستلزمات الصيد من سولار وثلج ومواد غذائية للصيادين، واحتياجات أخرى، تصل لنحو 300 ألف جنيه للمركب الواحد فى الرحلة الواحدة بسواحل البحر الأحمر. وأضاف: «المسئولون يسمحون لنا بالصيد فقط فى برانيس السويس، ونظراً لانخفاض الإنتاج بما لا يغطى التكلفة، نضطر للبحث عن أرزاقنا على سواحل الدول المجاورة»، وتابع: «خلال فترة عملى كصياد، لم أتعرض للقبض على واحتجاز مركبى إلا مرة واحدة، وتم وقف المركب عن العمل لمدة 6 أشهر، بدعوى اختراق المياه الإقليمية لليمن، علاوة على قيام مسئول الطب البيطرى فى السويس، عقب عودتنا، بإعدام السمك على متن مركبى ومركبين آخرين، مما أدى لخسائر بلغت 2 مليون و700 ألف جنيه عن المركب الواحد، بإجمالى 8 ملايين و100 ألف جنيه للمراكب الثلاثة، بعدما أصر الطبيب البيطرى على إعدام السمك، بعد رحلة شاقة قضيناها بين مياه البحر، والاحتجاز فى اليمن، بدعوى عدم صلاحية الأسماك للاستهلاك الآدمى على غير الحقيقة»، بحسب قوله.
الصيادون يهجرون السواحل المصرية بسبب صيد الزريعة والصيد الجائر إلى الاعتقال أو الموت غرقاً ويطالبون المسئولين بالنظر إليهم بـ«عين الرحمة»
وطالب «الريس أحمد» بمد مدة الرحلة لكل مركب إلى 40 يوماً بدلاً من شهر، حتى لا يتجه الصيادون للصيد فى مياه الدول المجاورة، مؤكداً: «شهر واحد لا يكفى كى نغطى تكاليف رحلتنا، ودفع أجور البحارة»، وتابع: «أبرز ما يواجهنا من عقبات خلال فترة الصيد فى سواحل الدول المجاورة، الاعتقال أو مصادرة المركب، خلاف الغرامة»، لافتاً إلى أن المركب قد يتعرض لسوء الأحوال الجوية، خلال رحلته، مما يدفعه للتأخر فى الوصول إلى برانيس السويس عن المدة المحددة وهى شهر، وحال حدوث ذلك، نفاجأ بصدور قرار من الجهات المختصة بوقف المركب عن العمل لمدة شهرين، مما يتسبب فى قطع رزق العديد من الصيادين، مشيراً إلى أن 4 مراكب على الأقل تعرضت العام الماضى للاحتجاز، بمن عليها من بحارة، علاوة على غرق 2 من الصيادين وفقدان 10 آخرين، كانوا على متن مركب «زينة البحرين»، واختتم بقوله: «فى الغالب نتجه للصيد فى دول إريتريا والسودان، لتوافر الأسماك بسواحلها، ولا تواجهنا أى عقبات فى بيع الأسماك، عقب عودتنا من رحلتنا».
أما «ج.أ»، صاحب مركب صيد تعرضت للفقدان بمن عليها من بحارة، فقال إن المياه المصرية فقيرة فى الإنتاج السمكى، حيث بدأت تتفاقم تلك الأزمة منذ 10 سنين، ونظراً لعدم تنسيق الدولة مع هيئة الثروة السمكية، وكذلك جمعيات الصيد بالمحافظات، لتسهيل الحصول على التراخيص، مما يضع الصياد تحت رحمة «عصابات النصب»، فضلاً عن تعرضه للإهانة، فى سبيل الحصول على رخصة الصيد، مضيفاً أن أى صياد يبحث عن مكان به وفرة فى الأسماك، كى يتمكن من تعويض خسارته المتمثلة فى تكاليف رحلة الصيد.
وأرجع مالك المركب السبب فى هجرة الصيادين السواحل المصرية بحثاً عن أرزاقهم، إلى الصيد الجائر وصيد الزريعة فى البحر المتوسط، وعدم كفاية الإنتاج فى سواحل البحر الأحمر، مما يدفعه للبحث عن مكان آخر، وتابع بقوله: «لا بد من تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى، ومساعدة السلطات المصرية للصيادين، كى لا يتعرضوا للنصب من قبل أشخاص يوهمونهم بتسهيل حصولهم على التراخيص للصيد فى مياه الدول المجاورة، ثم يفاجأون عقب ذلك بتعرضهم للنصب، مناشداً المسئولين النظر للصياد بـ«عين الرحمة»، لدعمه اجتماعياً ونفسياً وصحياً، وعقد اتفاقيات مع دول الجوار، لمساعدة الصيادين والحفاظ عليهم وعلى أرواحهم، وكذلك التصدى لمشكلة صيد الزريعة، التى تفاقمت فى دمياط بصورة كبيرة، معتبراً أن سواحل إريتريا والسعودية واليمن هى أفضل المناطق التى يقصدها العديد من الصيادين المصريين، لتوافر الثروة السمكية بها.
وتابع قائلاً إن مدينة «عزبة البرج» تساهم بنحو 65% من الإنتاج السمكى، باعتبار أنها تضم أكبر أسطول بحرى فى الشرق الأوسط، ولا بد من تسهيل الحصول على التصاريح، ودعم مستلزمات الإنتاج، باعتبار أنه «أمن غذائى قومى»، ودعم المحروقات لمراكب الصيد.
وروى «مروان محمد»، 32 سنة، صياد، لـ«الوطن»، تفاصيل القبض عليه مرتين باليمن، خلال عامين، حيث أشار إلى أنه تم إلقاء القبض عليه فى المرة الأولى على متن مركب «نور الفوارس»، عام 2014، وظل محتجزاً لمدة 40 يوماً، والمرة الثانية فى بداية العام الحالى، على متن مركب «نسر الفوارس»، حيث تم احتجازه لمدة 14 يوماً، بتهمة اختراق المياه الإقليمية، والصيد دون تصريح، وأرجع سبب هجرة الصيادين السواحل المصرية لعدم وجود اتفاقيات مع دول الجوار، علاوة على عدم منح الصياد تصاريح الصيد من وزارة الزراعة أو الثروة السمكية، مطالباً بالسماح للصيادين بالصيد فى الدول المجاورة، وتسهيل الحصول على تراخيص، وحماية الصيادين لمنع تعرضهم لـ«مافيا النصب»، مشيراً إلى أنه كان ضحية لعملية نصب، حيث حصل على «تصريح صيد» من إحدى العصابات، مقابل 10 آلاف دولار، تبين أنه «مزور»، وأضاف: «لم نعلم حقيقة الأمر إلا بعد القبض علينا، وتبين لنا أنهم مافيا»، مشيراً إلى أنه فى مثل تلك الحالات يتم دفع غرامات مالية كبيرة، خلاف احتجاز أو مصادرة المركب، من قبل السلطات فى الدول المجاورة.
وبينما أكد «مروان» ضرورة زيادة مدة الرحلة إلى 40 يوماً بدلاً من شهر، فقد أكد أنه يتم قضاء نصف المدة بين التموين والموانئ، ولا يتبقى من الرحلة غير نصف المدة، وأضاف أنه «حال استمرار الرحلة لمدة شهر، فلن نتمكن من تغطية تكاليف الرحلة، التى تصل لأكثر من 350 ألف جنيه»، كما طالب بضرورة التنسيق مع الوزارات المعنية، لتسهيل الحصول على تصاريح الصيد، وناشد الرئيس السيسى الاهتمام بالصيادين، قائلاً: «يا ريس.. لو عايز تستثمر صح، اهتم بالصيادين، واستثمر فى قطاع الصيد، بدلاً من إقامة مشروع لا نعلم العائد المقبل منه»، وأوضح أن المركب الواحد يوفر ما بين 3 و5 آلاف طاولة سمك، بإجمالى يتراوح بين 90 و150 طن سمك، كما أن كل مركب صيد يفتح نحو 100 بيت، من صيادين وسائقين و«عفشجية»، معتبراً أن أبرز المخاطر التى يتعرض لها الصيادون، تتمثل فى «القرصنة» فى الصومال، واختطافهم فى ليبيا، والقبض عليهم فى السودان وتونس، فضلاً عن احتجاز المراكب العاملين عليها، وتعرضهم للإهانة والغرق والفقدان، مشيراً إلى مركب «زينة البحرين»، التى غرقت العام الماضى.
كما أشار «مروان» إلى أن مراكب الصيد الكبيرة لا يمكنها العمل فى السواحل المصرية، نظراً لأن أسماك البحر المتوسط محدودة بطبيعتها، أما فى البحر الأحمر فالأسماك تتوافر بغزارة، لافتاً إلى أن أكثر الدول التى يلجأ إليها الصيادون هى اليمن وإريتريا والسودان والصومال، وأكد أن نحو 70% من المراكب العاملة بالمياه الإقليمية للدول المجاورة، تنتمى إلى محافظة دمياط، حيث يوجد نحو 2000 مركب فى البحر المتوسط، و40 مركباً فى البحر الأحمر.
وبدوره أرجع «محمد عظمة»، شيخ الصيادين بمدينة عزبة البرج، سبب هجرة الصيادين الشواطئ المصرية ولجوئهم للبحث عن الرزق فى شواطئ الدول المجاورة، لعدم وجود أسماك تكفى بالسواحل المصرية، وأنهم يتعرضون لمخاطر الاحتجاز والسجن هناك، نظراً لعدم وجود اتفاقيات مع دول الجوار، وأكد فى تصريح لـ«الوطن»، حاجة الصيادين لعقد اتفاقيات مع دول الجوار، وإتاحة الحصول على التراخيص، مشيراً لما يواجهونه من أزمات متمثلة فى ارتفاع أسعار الخامات وقطع الغيار، ومستلزمات الصيد، وارتفاع تكلفة المحروقات، مطالباً بضرورة دعم الصيادين، وتوفير الوقود لهم بأسعار مدعمة، أسوة بالمخابز.
وتابع «عظمة» أنه حال عقد اتفاقيات مع دول الجوار، وتوافر الأسماك بالسواحل المصرية، لن يلجأ الصياد للبحث عن رزقه بسواحل الدول المجاورة، مرجعاً انخفاض الإنتاج بالسواحل المصرية إلى الصيد الجائر، حيث يقوم بعض الصيادين بصيد أمهات الأسماك، مما يؤثر سلباً على الإنتاج، علاوة على صيد الزريعة، لافتاً إلى أن هناك نحو 2387 مركباً من محافظة دمياط، تقوم بالصيد فى مياه البحرين المتوسط والأحمر.
وبدوره، أكد «حمدى الغرباوى»، نقيب الصيادين بمدينة عزبة البرج، ضرورة عقد اتفاقيات مع دول الجوار، للسماح للصيادين بالصيد فى المياه الدولية والإقليمية لتلك الدول، كما طالب بالإسراع فى إقامة «ميناء الصيد»، مما سيؤدى إلى خفض عدد حالات غرق المراكب فى منطقة «البوغاز»، ووجود مأوى للمراكب أثناء «النوات»، بالإضافة إلى تطهير النيل، وزيادة الثروة السمكية، وتسهيل الإجراءات للصيادين فى الدخول والخروج، وصرف الوقود للصيادين بموجب «كارت ذكى»، أسوة بالسيارات، مشيراً إلى أن عدد الصيادين العاملين فى منطقة «بوغاز عزبة البرج»، يصل إلى نحو 33 ألف صياد، يعملون على متن أكثر من 2700 مركب، مؤكداً أن دمياط هى صاحبة «أكبر أسطول بحرى للصيد فى الشرق الأوسط»، وتابع «الغرباوى» قائلاً إنه على الدولة منع صيد الزريعة بكل السبل، حيث بدأت تلك الظاهرة منذ 40 سنة، وكذلك منع استخدام «غزل الكنار»، المستخدم فى الصيد الجائر، ووقف الصيد لمدة شهر كل عام، لتجديد الثروة السمكية.
فى المقابل، أكد مصدر مسئول بهيئة الثروة السمكية فى دمياط، لـ«الوطن»، أن الصيد الجائر وصيد الزريعة أهم أسباب هجرة الصيادين للسواحل المصرية، بحثاً عن أرزاقهم، حيث يمثل كل منهم نسبة 50%، مشيراً إلى تفاقم هاتين الظاهرتين قبل عدة سنوات، حيث بدأت مشكلة صيد الزريعة مع بداية ظهور المزارع السمكية منذ نحو 20 عاماً، مؤكداً أن الظاهرتين تنتشران بصورة أكبر فى سواحل البحر المتوسط، بداية من سواحل العريش شرقاً، وحتى السلوم غرباً.
من جانبه، أكد الدكتور محمد بكير، أستاذ الاستزراع السمكى بمركز البحوث الزراعية، ضرورة إحداث توازن بين طاقة كل مصيد وعمليات الصيد الجارية به، وقال إن «كوتة كل مصيد يجب أن تكون بقدرات معينة»، وأوضح أنه إذا كان مصيد السويس، على سبيل المثال، يتحمل 100 مركب صيد، فإنه فى حالة زيادة عدد المراكب إلى 150 أو أكثر، فإن ذلك يؤدى إلى تعرض المخزون السمكى للإجهاد، ومع استمرار عمليات الصيد بأكثر من «الحد الأقصى المستدام»، فإن ذلك قد يتسبب فى القضاء على الثروة السمكية فى المصيد تماماً.