«الوطن» بين «أهالى المعاناة» على القرى الحدودية
كان يمر على أرضه الموازية للشريط الحدودى متفقداً إياها عندما وجد فلسطينياً يجلس أسفل نخلة وهو يبكى، اقترب منه وسأله عن السبب فأخبره بأنه قدم إلى سيناء لشراء سلاح ليمد به المقاومة إلا أن الشخص غدر به وأخذ نقوده وهو لا يعرف ماذا يفعل. ربت على كتفه وأخذه محاولاً توفير سلاح له دون أن يأخذ منه مقابلاً، مرت أشهر وعاد الرجل الفلسطينى ليسأل عن «عتيق أبوالعبد» طالباً منه توفير سلاح للمقاومة الفلسطينية ولكن هذه المرة بمقابل، وبالفعل عمل «عتيق» على توفير السلاح دعماً للمقاومة إلى أن ذاع صيته ولاحقته القوات الإسرائيلية فى ذلك الوقت وحاصرته وألقت القبض عليه ليتم اعتقاله داخل أحد سجون تل أبيب بتهمة التخابر لصالح الفلسطينيين.
دخل الرجل (عتيق) السجن، وهناك تعرف على الجبهة الشعبية الممثلة لليسار الفلسطينى التى كان يمدها بالسلاح، والتقى بقادة اليسار وتعلم على أيديهم القراءة والكتابة، وتشرّب من كتب لينين وماركس، ليخرج الرجل من معتقله عام 1982 متوجهاً إلى قريته «شبانة» التى تبعد عن الشريط الحدودى مع الجانب الفلسطينى اثنين من الكيلومترات، عازماً على إنشاء قرية نموذجية شبيهة بالأنظمة السوفيتية وهى قرية متكاملة الخدمات يأكل أهلها من زرع أيديهم. ويقوم الرجل بتقسيم أرضه إلى قطع تساوى مساحة الواحدة منها 200 متر مربع والتبرع بها لأهله من قبيلة السواركة شريطة بنائها خلال 6 أشهر.[FirstQuote]
لم يمر وقت طويل حتى فاضت روحه وانتقلت إلى رفيقها الأعلى، تاركاً خلفه أسرة أصغرها كان «سعيد» الذى حاول إعادة تجديد حلم والده بعد ثورة أطاحت بنظام همّش سيناء لمدة 30 عاماً، ولكن الصغير حاول تنفيذ حلم والده ليس لقريته فقط وإنما لبقية القرى الحدودية.
مشروع تطوير القرية الحدودية وتنفيذ حلم «عتيق» قابله إصدار قرار جمهورى حمل الرقم 203 لسنة 2012 يمنع تملك أراضٍ فى منطقة الخمسة كيلومترات من الشريط الحدودى، فيما سمح القرار لغير المصريين بتملك وحدات ومنشآت دون الأراضى ومنحهم حق انتفاع وإقامة لمدة 50 عاماً فى شبه جزيرة سيناء.[SecondImage]
القرار استقبله «عتيق» الابن بصدمة ورآه محاولة لتفريغ المنطقة من سكانها ليقضى القرار على حلمه ببناء بيت لابنه ولأحفاده فى نفس المكان استكمالاً لمسيرة والده قائلاً: «لا أعترض على تفريغ منطقة الـ5 كيلو إن كان الجيش المصرى هو الذى سوف يوجد فيها، فنحن على استعداد لترك بيوتنا لجيشنا، لكن اعتراضى أن يعطى الحق لغير المصريين بتملك وحدات ومنشآت بهدف الاستثمار أو الإقامة فى سيناء». وأضاف «عتيق»: «تقابلت مع المسئولين فى المخابرات الحربية وتحدثت معهم عن أنه لا يوجد عاقل وأجنبى فى دولة محترمة سيضخ أموالاً فى منشآت وهو يعلم جيداً أنه لن يتملك الأرض سوى ابن المخيمات الفلسطينى الذى ضاقت به أرضه، وأن هذا القانون أعطى شرعية لحماس فى الوجود والاستثمار والإقامة فى سيناء بقانون». واستطرد: «بداية أى غزو لأى دولة هى الغزو الاقتصادى، فاليهود عندما دخلوا فلسطين واشتروا أراضى من أهاليها لم يكن يتوقع الفلسطينيون أنهم يبيعون قضيتهم الفلسطينية، واليوم من حق ابن المخيم أن يأتى ويتملك وحدات فى سيناء بقانون، وخاصة أن القطاع سوف يواجه أزمة وانفجاراً سكانياً بحلول عام 2015 فى ظل محدودية الأرض والحصار»، لافتاً إلى أنه ليس لديه مشكلة مع إقامة الفلسطينيين فى أى جزء داخل مصر ولكن مشكلته إقامة الفلسطينيين فى أراضٍ قريبة من الشريط الحدودى، وخاصة فى ظل سهولة اختراق الحدود كما حدث فى عام 2008 وغياب الوجود الأمنى فى المنطقة. تفريغ المنطقة الحدودية من أهالى سيناء، تراه الناشطة منى برهوم، مرشحة مجلس الشعب عن «رفح» أنه لم يكن بعد الثورة فقط وأن تلك المحاولات بدأت منذ عام 2008 بداية الحصار الإسرائيلى على قطاع غزة واشتداد الإجراءات الأمنية على مدينة رفح وخاصة فى المنطقة الواقعة بين «الماسورة» وحتى «الأحراش»، حيث كان يشرف عليها 43 كمين شرطة، قائلة: «كل 20 متراً نجد كمين تفتيش، وكل كمين عليه ضابط وأمناء شرطة بالإضافة إلى مخبرين، وعلى الرغم من كل ذلك كانت حركة التهريب عبر الأنفاق تسير بسهولة، والتفسير الوحيد لذلك هو أن النظام لا يمانع فى تفاقم هذه التجارة غير المشروعة بينما يتم التضييق على سكان الشريط الحدودى لتنفيذ خطة تفريغ هذه المنطقة من السكان وإخلائها».[SecondQuote]
وأضافت «برهوم»: «الثورة أبطلت هذا المخطط إلى حد كبير، إلا أن سيناء لا تزال تعانى من تعنت المسئولين السابقين والحاليين، موضحة أن إصرارهم على إصدار قرارات من مكاتبهم دون الشعور بطبيعة مجتمع سيناء يعد أكبر مشكلاتهم».
وتابعت: «أبناء سيناء يرفضون معظم قرارات المسئولين خاصة القرار الأخير رقم 203 فلا يُعقل أن يقرر أى مسئول تحصين سيناء من أبنائها، فنحن الدروع البشرية الموجودة على الحدود، نحن أول من سيدافع عن مصر، ولابد أن يتم تعديل بنود المنطقة (ج) فى اتفاقية كامب ديفيد الخاصة بالأمن».
وأكدت أن «سيناء عادت لمصر فعلياً إلا أن مصر هى التى لم تعد لسيناء»، قائلة إن ما تقوم به الحكومة المصرية منذ 1982 وحتى ما بعد ثورة يناير 2011 لم يزد عن قيامها بتوصيل الطرق والمؤسسات الحكومية فقط، بينما «قتلت» كل مشروعات التنمية الحقيقية.
من جانبه قال اللواء عادل سليمان الخبير الاستراتيجى، إن فكرة توطين الفلسطينيين فى سيناء «وهم» ومرفوضة، وإن القرار 203 الذى يسمع بعدم تملك أراضٍ فى الـ5 كيلومتر متعلق بوزارة الدفاع المصرية واحتياجات القوات المسلحة ورغبتها فى إخلاء هذه المنطقة وجعلها حرماً لعمليات القوات المسلحة.
أخبار متعلقة:
سيناء ما بعد «الثورة».. صاحب البيت غريب فى أرضه
الأنفاق.. المتهم الأول فى إصابة أطفال «رفح» بالأمراض الصدرية
القبائل السيناوية تقطع طريق الشاحنات المتجهة إلى غزة احتجاجاً على تجاهلهم فى «مدينة حمد»