شاهد ملك: المواطن شريك فى فساد الموظف: «مغلوب على أمره»
صورة أرشيفية
الحق أحق أن يُتبع، وأن يُعمل به، وأن يجد طريقه سهلاً ميسراً كلما أراد ذلك، إلا أن هذا الأمر لا يجد قبولاً لدى بعض المسئولين فى الأجهزة الحكومية، بعضهم يرى أن ملف «الحق» يحتاج لـ«إكرامية» أو هدية أو قيمة مالية على سبيل «المحبة»، والبعض الآخر يعتبر «الملف» كافياً شاملاً، لا يحتاج لشىء معه، لا أسفل منه ولا أعلاه، لأنها وإن اختلفت مسمياتها فهى «رشوة»، لذلك يرفض الموظف قبول ذلك، فى نفس الوقت الذى يظل محافظاً فيه على روتينية العمل والبقاء على مصالح المتعاملين معه حبيسة أدراج مكتبه لحين «ما يجيله مزاجه».
صاحب شركة استيراد وتصدير: «الملف بتاعى بدون الإكرامية بيفضل شهور فى درج الموظف»
مُربى المواشى، مصطفى محمود، وهو الاسم المستعار الذى اختاره لنفسه، للحديث معنا، اعتاد على شراء العجول والخراف صغيرة السن، وتجهيزها للبيع فى موسم عيد الأضحى من كل عام، داخل شادر كبير يمتلكه فى حى السيدة زينب، الأمر الذى جعل منه مقصداً للكثير من الزبائن، الذين اعتادوا على شراء الأضاحى منه، بسبب نظافة منتجاته من ناحية، ورخص سعرها مقارنة بباقى البائعين من ناحية أخرى.
يقول الرجل الخمسينى إنه اعتاد خلال السنوات الأخيرة على التعاقد مع وزارة الزراعة للحصول منهم على بعض المواشى والخراف المستوردة التى تبيعها للتجار وليس فى شوادر الجمهور، وفى سبيل الحصول على حصته، يضطر لدفع «إكراميات» لبعض المسئولين عن المشروع فى الوزارة، على حد قوله، للحصول على معلومات تتعلق بموعد وصول الشحنات، وكميتها، وأسعارها، والمسئولين عن بيعها.
مالك مطعم يخصص وجبات لمشرفى الحى والصحة على طريقة فيلم «طباخ الرئيس»
يُدرك «تاجر المواشى» أن الإكراميات التى يدفعها لبعض الموظفين داخل جدران الوزارة تدخل فى نطاق المحظور، وأنه من خلال تلك الأموال قد يأخذ حصة غيره، ولكنه يبرر ذلك بقوله «لو ما دفعتش وفتشت عن الموضوع من بدرى مش هعرف آخد حاجة، واللى هيدفع هو اللى هياخد»، لذلك فهو يرى أن قيامه بدفع بعض المبالغ فى سبيل الحصول على حصة من المواشى أمر جيد، خاصة أن تلك الصيغة هى التى يتم التعامل بها فى كثير من الأوساط التجارية التى يتعامل فيها التجار مع بعض أجهزة الدولة، طبقاً لتعبيره، قائلاً: «القرش هو اللى بيمشى أى مصلحة بتقف عند الحكومة، والأكتر من كده إن بدل ما التاجر يروح يسأل ويلف على الموظفين، هما اللى بيجروا وراه علشان يسترزقوا».
فى أعقاب قيام ثورة 25 يناير ببضعة شهور أنشأ محمود أحمد «اسم مستعار» أيضاً، مكتباً لاستيراد ملابس السيدات من تركيا، واستمر فى تجارته لبضعة شهور، استطاع من خلال أرباحها توفير مبلغ من المال مكنه من فتح باب جديد لتجارته، يتمثل فى استيراد النجيلة الصناعية وتجهيزات الملاعب، وبعد عدة شهور من عمله فى الملاعب الخاصة، أشار إليه أحد أصدقائه للتعاقد مع وزارة الشباب والرياضة على إنشاء ملاعب لها بنظام التعاقدات الرسمية.
الحصول على موافقات الانضمام للعمل مع الوزارة واعتماد المواد التى يقوم باستيرادها، تطلبت من الشاب الثلاثينى عملاً متواصلاً، استمر لأربعة أشهر كاملة، عمل خلالها على جلب أفضل الخامات بأقل الأسعار، إلا أن شيئاً ما ظل ينقص الملف الذى قام بتقديمه للمسئولين عن المشروع فى الوزارة، يتمثل فى تقديم هدايا من النوع الفاخر لهم -على حد وصفه- حيث يقول: «أنا اشتغلت مع نحو 4 وزارات فى الحكومة فى الست سنين اللى فاتوا، الملف اللى بتقدمه لو مش معاه شوية هدايا وإكراميات للموظفين الحال بيفضل واقف، ولو مقدمتش الهدايا بتلاقى زميلك اللى مقدم معاك الملف فى نفس اللحظة قرب يستلم فلوسه من المشروع وانت لسه ما حطيتش طوبة فيه»، ثمة أزمة جديدة يتعرض لها صاحب شركة الاستيراد والتصدير، تمثلت فى تأخر تسلم شيكات التحصيل الخاصة به، نظراً لضرورة توقيعها من إحدى الجهات السيادية المشرفة على المشروع، وهو ما يعنى أن عليه الانتظار حتى ذهاب الشيكات إلى الجهة السيادية وعودتها مرة أخرى، يقول «علشان الشيكات تروح تتمضى وترجع تانى، بيبقى فيه أولوية عند الموظفين اللى بيبعتوها علشان تخلص وترجع تانى، لو أنا على علاقة كويسة بالناس المسئولة عن القصة دى الشيك بتاعى بيخلص خلال أسبوع، إنما لو مفتحتش دماغى، ممكن أنتظر 11 شهر كاملين ذى ما حصلى قبل كده علشان أستلم جزء من فلوسى».
المشهد الذى قدمه الفنان طلعت زكريا فى فيلم «طباخ الرئيس»، والذى قام فيه بتخصيص طواجن أطعمة لعدد من موظفى الجهات المشرفة على «عربية الأكل» التى يمتلكها، يتكرر بشكل يومى مع عبده مصطفى -اسم مستعار- صاحب مطعم مأكولات بمدينة شبين الكوم فى محافظة المنوفية، حيث اعتاد على مدار السنوات الماضية تقديم هداياه إلى عدد من مشرفى الحى والبلدية وقطاع الصحة، من وقت لآخر، بصيغة «دوق أكلنا»، أو باستقبال ذويهم فى مطعمه دون حسابهم على ما يطلبونه.
يقول الرجل الأربعينى إن عمله يظل طوال الوقت تحت رحمة المشرفين من القطاعات المختلفة، لذلك فهو حريص بشتى الطرق على عدم حدوث أى بلبلة عن محله من المفتشين، لأن «المحل سمعة» كما يقول، وفى حالة قيام الموظف بعمل محضر أغذية فاسدة أو ما شابهها، سوف تلتصق تهمة بالمطعم لن يمحوها إلا غلقه، ومن ناحية أخرى سوف يستغل أصحاب المحلات المنافسة هذا الأمر لتشويه صورة المحل للخروج من دائرة المنافسة، لذلك تستمر القاعدة المعمول بها «اعمل أى حاجة علشان الموظف يفضل واقف على باب المطعم وميدخلش جواه، لأنه لو طلع وقال أى كلمتين معناها خراب بيت صاحب المحل».
«المشرفين عارفين إن عضمتنا مش قوية، علشان كده مش بينتظروا مننا غير شوية أكل حلوين من وقت للتانى، وفى المناسبات بعضهم بيجيب عياله وييجى عندنا، فبنحجزله ترابيزة باسمه ونظهره قدام أسرته بمظهر الباشا».
تامر إمام، شاب ثلاثينى، يعمل فى إحدى الشركات العاملة فى مجال تكنولوجيا المعلومات، أرسلته الشركة إلى دولة أوروبية لإنهاء بعض الإجراءات الخاصة بتعاقدات الشركة فى دولة إسبانيا، وبالفعل بدأ تامر فى إنهاء بعض الإجراءات الخاصة بالسفر، ومن ضمن هذه الإجراءات استخراج شهادة تحركات من مجمع التحرير بوسط القاهرة: «لما رُحت المجمع لقيت الدنيا زحمة جد، ناس كتير جداً، وعشان أقف فى الطابور ممكن أقعد يومين مستنى وكمان مش هتطلع شهادة التحركات دى، وفى الآخر بعد نحو ساعتين وقوف فى الطابور وصلت للموظفة، قالت لى صور جواز السفر وكل الأختام اللى فيه وبعدين تعالى قدم ورقك من أول وجديد، يعنى هاقف فى الطابور من أول وجديد، كلمت واحد صاحبى سافر قبل كده كتير، إدانى رقم أمين شرطة فى المجمع وقال لى الرجل ده هيخلص لك شهادة التحركات بسرعة، بس إدى له 100 جنيه، وخلال يومين هتخلص على طول»، ويتابع تامر: «بالفعل كلمت أمين الشرطة وقال لى تعالى بكرة، قابلنى علشان أنا إجازة النهارده، وفعلاً رحت له تانى يوم وإديته الفلوس وجواز السفر، وقال لى تعالى تسلمها بعد بكرة هاخلصها لك على طول، بعد يومين كلمته قالى تعالى خد الورق بتاعك.
إبراهيم محمد إسماعيل، أحد الفلاحين فى محافظة الشرقية مركز صان الحجر، يملك قطعة أرض على أحد المصارف الزراعية، وكان أن قررت وزارة الرى تطهير هذا المصرف باستخدام الكراكات، على أن تلقى بالمخلفات التى سيتم استخراجها إلى جانبى المصرف على الأراضى الموجودة هناك، ولما كانت أرض إبراهيم جزءاً من تلك الأراضى فكان عليه أن يسعى لأن يتم إلقاء المخلفات بعيداً عن أرضه: «الفلاح اللى يدفع للمهندس المسئول عن الكراكات 50 جنيه، ما بيخليش السواق يرمى فى أرضه طين، لكن لما وصل أرضى لقيت الكراكات ردمت المروى اللى بسقى منه الأرض، ورموا الطين فيها، ولما رُحت للمهندس أقوله يا باشا كده حرام وما ينفعش، قال لى هات شاى للرجالة، عملت الشاى ووديته للسواق اللى راكب على الكراكة، وبرضه رمى الطين فى الأرض»، ويضيف إبراهيم: «لو كنت إديته 50 جنيه ما كانش عمل كده، لكن للأسف ما كانش معايا، كل حاجة بتمشى بالفلوس، من غير الفلوس مفيش حاجة هتمشى، وللأسف فيه ناس ما بيكونش معاها فلوس تدفع، فمصالحها وحالها بيقفوا».