تهذيب «غابة التشريعات».. من هنا يبدأ طريق الإصلاح الصناعى
اجتماع سابق للجنة الصناعة بالبرلمان
الطريق إلى النهوض بالصناعة أو تنشيطها يبدأ بالتشريعات، وبإصلاح البيئة القانونية المنظمة للعملية الصناعية ككل، وليس أدل على ذلك من وجود قوانين تعود إلى حقبة الخمسينات لا تزال حتى الآن هى الفاعلة والمتحكمة فى النشاط الصناعى. الواقع يشير إلى أن القانون رقم 21 لسنة 1958 والخاص بتنظيم شئون الصناعة لا يزال هو المتحكم فى كثير من الأنشطة الصناعية، على الرغم من اختلاف الظروف والتوجهات السياسية والاقتصادية. وربما كان من اللافت أن الملف التشريعى كان من أبرز الملفات التى شهدت نشاطاً مكثفاً خلال الفترة القليلة الماضية داخل وزارة الصناعة.
على سبيل المثال جاء مشروع قانون التراخيص الصناعية كخطوة مهمة فى إطار مراجعة التشريعات المتعلقة بالتصاريح والأراضى الصناعية وتبسيط إجراءات التصاريح والحصول على الأراضى الصناعية، وهو القانون الذى سيقلل مدة استخراج التصاريح من 634 يوماً لأقل من 30 يوماً كما سيتيح التراخيص بالإخطار لأكثر من 80% من الأنشطة الصناعية.
«التراخيص الصناعية» ونقل ولاية الأراضى إلى «الصناعة» وسلامة الغذاء أبرز قوانين 2016.. و«الجبلى»: إطالة زمن استخراج التراخيص أمر كان يؤدى إلى عزوف المستثمر عن مصر
القانون الذى يعتبره صناع بمثابة «ثورة إصلاحية» سيتيح أيضاً إمكانية تجديد التراخيص من خلال شبكة الإنترنت تيسيراً على الصناع، ويأتى القانون كبديل عملى لقانون التراخيص الصناعية رقم 453 لسنة 1954 بشأن المحال الصناعية والتجارية، والقانون 21 لسنة 1958 بشأن تنظيم الصناعة.
أهمية قانون التراخيص الصناعية تنبع من عدة أسباب لعل أهمها مساهمته فى القضاء على عامل البيروقراطية الذى كان ولا يزال ضمن أبرز عوامل «تطفيش» المستثمرين، وسرعة إنجاز وإنهاء الأوراق اللازمة لإقامة العديد من المشروعات الصناعية. القانون الذى يضم نحو 45 مادة سيحل أزمات واجهتها الكثير من القطاعات الصناعية، نظراً لأنه استحدث نظام الترخيص بالإخطار للصناعات التى لا تمثل درجة كبيرة من المخاطر على الصحة أو البيئة أو السلامة أو الأمن، على أن تقوم هذه الصناعات بإخطار الجهة الإدارية المختصة بنشاطها مرفقاً بالبيانات والمستندات التى تحددها اللائحة التنفيذية وفقاً لطبيعة النشاط، ما يعنى أن كثيراً من الأنشطة الصناعية ستتمكن من التشغيل بمجرد الإخطار ودون الحاجة إلى الانتظار لأشهر للموافقة على الترخيص لها. ومن بين المواد التى تمثل نقلة نوعية فى منظومة التراخيص، تلك التى تنص على توحيد الجهة المختصة بإصدار التراخيص، حيث سيتم إنشاء لجنة اشتراطات منح التراخيص بهيئة التنمية الصناعية تمثل بها كافة الجهات ذات الصلة بمنح التراخيص، وممثل فيها اتحاد الصناعات، وبحسب تلك المادة سوف تختص اللجنة دون غيرها بتحديد كافة الاشتراطات اللازمة لمنح التراخيص، وتصنيف الاشتراطات حسب المخاطر، ووفقاً للقانون أيضاً فلن يقتصر العمل فى اللجنة على ممثلى الجهات الحكومة بل أتاح الاستعانة بالخبرات المحلية والدولية.
القانون الجديد أيضاً استحدث فكرة إنشاء شركات خدمات استخراج التراخيص، وكذلك نظام الترخيص المؤقت لمدة سنة قابلة للتجديد لمدة 3 سنوات لحين استيفاء الاشتراطات.
وبحسب ما قال الدكتور شريف الجبلى، رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، فإن السنوات الماضية شهدت مشكلات حقيقية فى ملف الصناعة بسبب منظومة التراخيص، وأشار إلى أن إطالة زمن استخراج التراخيص أمر كان يؤدى إلى عزوف المستثمر الأجنبى عن الاستثمار فى مصر واتجاهه إلى الدول الأكثر تيسيراً.
وطالب «الجبلى» بتحديد الأنشطة الصناعية التى ليس لها مخاطر ولا تحتاج إلى معاينة والتى تمثل نحو 82% من الشركات وإصدار تراخيص فورية لها ويتم مراجعتها أثناء تنفيذها للعملية الإنتاجية، مؤكداً ضرورة تحديد الصناعات التى لها احتياج فى الأسواق المصرية والتصدير وعدم الترخيص للصناعات التى لا توجد لها أسواق داخلية وخارجية.
قانون التراخيص الصناعية لم يكن التشريع الوحيد الأبرز خلال الفترة الماضية، إذ تم إحالة مشروع قرار بتعديل قانون أملاك الدولة ينص على منح كامل الولاية لهيئة التنمية الصناعية على كافة الأراضى الصناعية، وفى نوفمبر الماضى وافق مجلس النواب على التعديلات، ليغلق جدلاً ظل مُثاراً بين وزارة الصناعة وهيئة المجتمعات العمرانية لسنوات حول تنازع حق التصرف فى الأراضى بين الجهتين.
الأمر ذاته ينطبق على قانون هيئة سلامة الغذاء الذى ظل حبيس الأدراج قرابة 10 سنوات، وأقرته بشكل مبدئى بعض حكومات ما بعد الثورة، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ إلا فى ديسمبر الماضى بعد الموافقة النهائية من جانب مجلس النواب، وهو القانون الذى يتوقع كثيرون من المنتجين فى مجال الأغذية أن يسهم فى تنشيط الاستثمارات فى قطاع الغذاء الفترة المقبلة، نظراً لمعاناة القطاع من تعدد الجهات الرقابية المشرفة التى وصل عددها إلى 17 جهة رقابية. وبحسب ما قاله هانى قسيس، وكيل المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية، فإن القطاع الصناعى فى مصر ليس بحاجة إلى قوانين أو قرارات جديدة بقدر ما يحتاج إلى مراجعة القوانين القائمة بالفعل، معتبراً أن هناك قوانين قائمة يتم العمل بها ويتم اتخاذ قرارات بناء عليها رغم أنها تعوق نمو النشاط الصناعى وفقاً لقوله.
وأشار «قسيس» إلى أن تهيئة وتوفير البيئة اللازمة للتوسع فى النشاط الصناعى لا بد أن تكون على رأس أولويات الحكومات الحالية، مؤكداً أن «غابة التشريعات» التى وقعت فيها المنظومة الاقتصادية والصناعية خلال الفترة الماضية حالت دون تشجيع أية استثمارات جديدة.